بلومبرغ
تعتمد أكثر التوقعات الاقتصادية تفاؤلاً في وول ستريت على تنبؤٍ بسيط، مفاده أن الجميع سيعود قريباً إلى صالات النوادي الرياضية المحلية والحانات واستوديوهات تدريب اليوغا كما لو أن الوباء كان في الماضي.
ويعد ازدهار الوظائف في قطاع الخدمات الواسع بالولايات المتحدة - أكبر مُشغِل في البلاد بدءاً من مطوري البرامج وحتى شركة "شيبوتل" (Chipotle) المحلية- جزءاً أساسياً من الدعوات الجريئة للنمو هذا العام.
وتقول الفكرة السائدة إن اللقاحات والمناعة المتزايدة يطلقان العنان للطلب المكبوت، ما سيؤدي إلى موجة توظيف تؤدي إلى انخفاضٍ حادٍ في معدل البطالة.
ويرى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن معدَّل البطالة سينخفض إلى 5% بحلول نهاية عام 2021، كما تبلغ توقعات بعض شركات القطاع الخاص ومن بينهم "غولدمان ساكس غروب" و"دويتشه بنك" حوالي 4%.
وتقدم وزارة العمل نظرة جديدة إلى قطاع الخدمات مع تقرير التوظيف لشهر فبراير يوم الجمعة. ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 6.4% من 6.3%، وفقاً لمسحٍ أجرته بلومبرغ.
وتركزت القراءات الضعيفة في شهري ديسمبر ويناير، والتي تزامنت مع تصاعد حالات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة، في قطاعات مثل الترفيه والضيافة وتجارة التجزئة.
أما قطاع الخدمات الذي يعمل فيه 122 مليون شخص حالياً، فهو أقل بحوالي تسعة ملايين عامل مما كان عليه عندما تفشى الوباء في أوائل العام الماضي.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الأسبوع الماضي، إنه قلق بشأن الاضطرابات الدائمة في التوظيف في قطاع الخدمات، وذلك بحسب تعليقاته الموجهة إلى لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب.
وأضاف باول: "ما سنجده بناءً على بعض الاستطلاعات التي سمعنا عنها هو أن كل هذه الوظائف لن تعود لأن الناس بدأوا في تنفيذ الأتمتة (أو التحول الرقمي). قد يجد العديد من هؤلاء الأشخاص صعوبة في العودة إلى العمل، وأعتقد أنهم سيحتاجون إلى مزيد من الدعم".
المستهلك الحذر
وتعد التكنولوجيا الموفرة للعمالة التي تم تقديمها أثناء الوباء أحد الأسباب التي تجعل التوقعات المتفائلة مليئة بعدم اليقين.
لا يعرف أحد إلى متى سيستمر سلوك المستهلك الحذر حتى في أعقاب انتشار اللقاح على نطاق واسع، أو عدد الشركات الصغيرة التي فشلت، أو ما إذا كانت الشركات قد وجدت للتو أنها تستطيع تلبية الطلب بعدد أقل من الموظفين.
وقال إرني تيديشي، خبير الاقتصاد السياسي في "إيفركور" (Evercore) في واشنطن: "لا يمكننا أن نقول بناءً على البيانات في الوقت الحالي إلى أي مدى ستعود الأمور بسرعة في قطاع الخدمات. لكن هناك أسباب تجعلنا متفائلين".
كما أشار إلى إمكانية التعافي مع تحسن توزيع اللقاحات، خاصة في قطاعات مثل الضيافة والبيع بالتجزئة. لكنه قلق أيضاً من أن الولايات المتحدة ليست لديها قراءات جيدة بشأن إغلاق الشركات الصغيرة.
ولا يفهم الاقتصاديون مدى السرعة التي ستعود بها النساء اللائي تركن العمل لرعاية الأطفال إلى القوى العاملة، أو مدى سرعة التوظيف في الشركات التي خفَّضت قوتها العاملة.
وقال تيديشي: "هناك احتكاكات واختناقات من تحويل الطلب إلى عرض. فإعادة فتح مطعم جديد ليحل محل أحد المطاعم التي تم إغلاقها بشكل دائم ليست مسألة تبديل. بل يتطلب الأمر رأس مال وعلاقات مالية وكل ذلك يستغرق وقتاً أطول".
التحديات المقبلة
ويشعر دان برايس، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "غرافيتي بايمنت" (Gravity Payments) التي يقع مقرها في سياتل، والتي تخدم 20 ألف عميل من بينها العديد من الشركات الصغيرة، بالقلق.
وقال: "لقد شهدنا زيادة بنسبة 50% في نسبة الأعمال التي تخرج من السوق نهائياً. وكان من الصعب رؤية ذلك".
أمضى العديد من عملاء برايس، الذين يستخدمون "غرافيتي" في معالجة البطاقات، سنوات في تأسيس أعمالهم. وإن بدأوا من جديد، فسوف يستغرق إعادة البناء وقتاً.
ووجد أولئك الذين ما زالوا يعملون في مجال الأعمال صعوبة في وضع خطط توظيف لأن الوباء استمر لفترة طويلة.
يظهر مثالان من صناعات مختلفة كيف ازدهر البعض بينما يحاول البعض النجاة من الأزمة.
العناية بالعيون
نيكولاس تشيارامونتي هو نائب الرئيس التنفيذي المسؤول عن العمليات المهنية والتجزئة في شركة "روسين أوبتكال" (Rosin Optical)، وهي شركة متكاملة للعناية بالعيون تضم أطباء وأخصائيي بصريات يخدمون أكثر من 100 ألف مريض من خلال أكثر من 60 منفذاً في ثلاث ولايات، وقد تأسست شركة "روسين" خلال الأوقات الصعبة لعام 1930.
خفضت "روسين" عدد الموظفين لأول مرة في مسيرة تشيارامونتي بحوالي 80 شخصاً، وإن كان بعضهم قد تقاعد طوعياً، وهو متفائل بشأن التعافي. كان العمل والدراسة من المنزل صعباً في نظر الآباء وأبنائهم - ما أوجد طلباً قوياً على خدمات "روسين".
وقال تشيارامونتي "كان طلب المرضى فورياً" عندما رُفعت القيود في أبريل الماضي. وأضاف: "كانت جداول مواعيدنا ممتلئة".
ومع ذلك، فإن استجابة "روسين" لارتفاع معدلات نشر اللقاح وعودة الطلب مذهلة: فهم لا يخططون لإعادة التوظيف في أي وقت قريب.
كانت تجربة مات برينان في ميلووكي في ولاية ويسكونسن مختلفة. حيث تأسست شركة "جيه إم برينان" (J.M. Brennan)، مقاول تجاري، على يد جده في عام 1932.
ومع انتشار الوباء في البلاد العام الماضي، تخلت "جيه إم برينان" عن 100 عامل، وهو أول اقتطاع كبير للموظفين في تاريخ الشركة. كما تم تعليق عمل "برينان" في مجال المكاتب التجارية، والتي تشمل السلع والخدمات. تأخر تعاقد الشركة مع المستشفى بعد أن تحول تركيز مرافق الرعاية الصحية إلى خدمة المرضى خلال الوباء.
مثل الكثير من الصناعات، فإنه يحاول الانتقال إلى الاستحواذ على المزيد من الأعمال في المجالات التي يعمل فيها الاقتصاد بشكل جيد، مثل خدمات الطعام، ولكنه أمر مليء بالصعاب.
وقال برينان الذي يتوقع أن يكون تعافي سوق العمل أبطأ مما كان متوقعاً: "هناك قدر كبير من عدم اليقين، ولن يكون هذا مثل الضغط على زر والقول لقد هزمنا الفيروس، وانتهينا".
وتقول إيلينا شولياتيفا، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في بلومبرغ، إنها تتوقع بطالة تبلغ 5.7% بحلول نهاية العام، وأن الانتعاش في الإنفاق على قطاع الخدمات والتوظيف "ضروري للغاية لنمو الناتج المحلي الإجمالي وعودته إلى وتيرته الطبيعية"
وترى أن أضعف جزء في حجتها هو افتراض أن الناس ينسون بسرعة المخاطر الصحية: "ستكون هناك بعض نواحي القوة، لكنني لا أستطيع أن أرى أننا سنعود إلى الأعراف السلوكية قبل الأزمة".