بين المناخ وتنافس الصين مع أميركا.. كيف ستتأقلم سنغافورة؟

توقعات قادة سياسيين وخبراء عن التغييرات التي ستحدثها التحديات العالمية على حياة الدولة الصغيرة خلال العقد المقبل

time reading iconدقائق القراءة - 14
صورة تعبيرية  - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سنغافورة دولة صغيرة في خضم عدة تطورات عالمية كبرى، منها التوترات الأميركية-الصينية وتغير المناخ والتنامي الضخم في الثراء وتعاظم دور التقنية. سألنا بعض الخبراء والقادة السياسيين حول توقعاتهم عن كيفية تأقلم الدولة المدينة مع المستقبل المبهم.

كان السؤال المطروح كيف ستتغير سنغافورة على مدى السنوات العشر المقبلة؟ فيما يلي إجاباتهم، التي صيغت بتصرُّف لغرض الوضوح والايجاز.

لورنس وونغ - نائب رئيس الوزراء ووزير المالية في سنغافورة وهو المختار ليخلف رئيس الوزراء لي هسين لونغ


عاد التنافس بين القوى العظمى من جديد. سيشكل التنافس المحموم بين أميركا والصين مستقبل النظام العالمي. ترغب الدول الكبرى بأن تعزز قواعد صناعاتها الدفاعية وتقوية قدراتها التصنيعية في التقنيات الرئيسية. يعني ذلك أن الشركات لن تصنف فقط على أساس المنطق الاقتصادي، ولكن وفقاً للتوجهات الجيوسياسية والمخاوف المتعلقة بالأمن القومي أيضاً. يجري إعادة تشغيل سلاسل الإمداد العالمية على نحو كبير. ستتأقلم سنغافورة مع الوضع، إذ ستركز على قطاعات نتميز فيها بنقاط قوة تنافسية، مثلاً في قطاعات محددة من التصنيع المتقدم، والنقل والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية. نحن نتبنى التقنيات الرقمية ونستثمر بشكل مكثف في رأس المال البشري. في تلك البيئة الخارجية المتقلبة، سيشهد اقتصادنا مزيداً من الاضطراب ومجتمعنا مزيداً من الضغوط. لذلك تعتزم الحكومة بذل مزيد من الجهد لطمأنة مواطنينا وتوفير الدعم لهم خلال مختلف مراحل الحياة، سواء كان ذلك للحصول على تعليم ممتاز أو شراء منازل أسعارها معقولة أو الحصول على وظائف جيدة وعالية الدخل أو التقاعد براحة بال. سيستمر مجتمعنا أيضاً في التطور. نتوقع تنوعاً أكبر في وجهات النظر والتفضيلات وقدراً أكبر من المشاركة المدنية.

بريتام سينغ -زعيم المعارضة في برلمان سنغافورة


لقد تحدثت سابقاً في البرلمان عن تصور وجود "سنغافورتين"، إذ لا يتمتع بثمار النجاح الاقتصادي والاجتماعي سوى قلة، كما أن ثمار ذلك النجاح ليست موزعة بعدالة. إن لم تخضع تلك التصورات لضوابط؛ فستولد حتماً مشاعر استياء وتهكم ويأس، وتتسبب باحتكاك بين طبقات المجتمع وشقوق أخرى في مجتمعنا. يعتمد احتمال أن تتجلى فكرة "السنغافورتين" بعد عقد ليس على الحكومة القائمة آنذاك بل على المواطنين السنغافوريين على المستوى الفردي. عليهم أن يتحلوا بالشجاعة في استخدام أصواتهم سياسياً لدعم أولئك الذين قد يكونون أقل حظاً بيننا وضمان أن تحمل موجة النمو الاقتصادي المتنامية كل السفن وليس اليخوت الفاخرة وحدها.

رايتشل إنغ - العضو المنتدب في شركة "إنغ آند كو" (Eng & Co) للمحاماة وعضو "بي دبليو سي"


كحال العديد من الدول الأخرى، على سنغافورة أن تتعامل مع "أزمة الطاقة الثلاثية"، وهي تحقيق التوازن بين الاستدامة البيئية والكفاءة الاعتمادية والسعر المعقول. لكن بالنسبة للدولة المدينة الصغيرة، فإن هذه التحديات تبرز بشكل أوضح. لا تملك الدولة أنهاراً لتوليد الطاقة الكهرومائية، ولا مساحة غير مستغلة من الأرض تستخدمها لتركيب توربينات الرياح لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح.

رغم أنها تتمتع بطول فترات سطوع الشمس على مدى العام؛ فهناك مساحة محدودة لتخزين الطاقة الشمسية المولدة. أتوقع أن تستثمر سنغافورة المزيد من المال خلال الأعوام المقبلة في البحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة، وأن تستخدم كعادتها القواعد واللوائح التنظيمية أو حوافز التسعير لتوجيه سلوك السوق نحو مصادر الطاقة المتجددة.

عمر سليم -الرئيس المشارك لوحدة الدخل الثابت في آسيا باستثناء اليابان في "باين بريدج إنفستمنتس" (PineBridge Investments)


خلال السنوات العشر المقبلة، أعتقد أن دور سنغافورة كملاذ اقتصادي آمن سيتعزز، ما سيدفع البلاد لتصبح مركزاً بارزاً للثراء والابتكار. تدعم قوة سنغافورة القانونية واستقرارها وانفتاحها النسبي هذا الرأي. واجهت هذه العوامل تحديات إلى حد ما في بعض أنحاء العالم. الواقع هو أن العالم بحاجة لمزيد من الملاذات الاقتصادية.

روب سوبارامان - مدير قسم أبحاث الأسواق العالمية في شركة "نومورا هولدينغز"


هناك اتجاه متزايد نحو تكتل يسير على نهج الولايات المتحدة وآخر يسلك نهج الصين، فأي نهج سيلائم سنغافورة؟ كانت سنغافورة تميل لسياسة التحوط على مدى السنوات العشر الماضية. أعتقد أن ذلك الأمر سيمثل تحدياً أكبر، وقد تضطر سنغافورة إلى الانحياز لأحد الجانبين.

يرتبط ذلك باتجاه بدأنا نشهده، وهو إعادة توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة والإنتاج على مستوى هائل خارج الصين. كل من جنوب شرق آسيا والهند في وضع ممتاز لتصبح قواعد جديدة للإنتاج ومصانع للعالم، وقد ينطوي ذلك على فائدة كبيرة لسنغافورة باعتبارها مركزاً مالياً.

تامارا هندرسون - المحللة الاقتصادية لجنوب شرق آسيا في "بلومبرغ إيكونوميكس"


أعتقد أن أكبر تحدٍ سيتمثل في تصنيف الشركاء التجاريين الرئيسيين. أتوقع أن تتراجع أهمية الصين وتبرز أهمية جنوب شرق آسيا. هناك تغيران كبيران قد يوازنان بعضهما بعضاً، إذ إن تعداد السكان في سن العمل سينكمش بوتيرة أسرع، لكن رأس المال، المتمثل في الأصول الإنتاجية كالمصانع والمعدات، يُرجح أن ينمو بوتيرة أسرع في ضوء مسعى الحكومة لتطوير البنية التحتية. ينبغي أن يحافظ هذا المزيج على الاستقرار النسبي لإمكانات النمو.

ليلي كونغ - رئيسة جامعة سنغافورة للإدارة


في ضوء انكشاف أكبر على الاتجاهات العالمية والمنظورات المتنوعة، يتزايد إدراك جموع الناخبين ويقظتهم. ستستمر توقعاتهم في رفع المخاطر للقادة السياسيين والأحزاب السياسية، كما سيركزون بشكل أكبر على أهمية السلوك الأخلاقي والشفافية باعتبارهما عنصرين للحوكمة الرشيدة غير قابلين للتفاوض. ستزداد أيضاً المطالب المشتركة بالشمولية في صياغة السياسات، وذلك للإقرار بالاحتياجات والتطلعات المتنوعة لشرائح مجتمعية مختلفة.

طارق أحمد - الرئيس المشارك لوحدة آسيا والمحيط الهادي في "فرانكلين تمبلتون" (Franklin Templeton)

نرى أن استمرار رقمنة قطاع الخدمات المالية اتجاه لا يمكن إيقافه، وأكبر تحدٍ لسنغافورة على مدى العقد المقبل. بزغت سنغافورة كمركز رائد في قطاع التقنية المالية على مستوى العالم نتيجة لبرامج كانت الحكومة الفاعل الرئيسي فيها على مدى سنوات.

ذو الكفل بحرالدين - رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في شركة "إندو-ترانس لوجيستكس" (Indo-Trans Logistics) وسفير سنغافورة غير المقيم لدى كازاخستان وأوزبكستان


سيتعين على جيل جديد من القادة أن يصيغوا أيديولوجية سياسية ويرفعوا مستوى وعي فئة من السكان لا تتذكر السنوات العصيبة. باتت السياسة المحلية تثير جدلاً أكبر. ما تزال بعض الدروس المتوارثة عن الآباء المؤسسين ذات صلة، لكن هناك حاجة ماسة لتحول سياسي واقتصادي واجتماعي للتعامل مع الواقع الجديد. إذا لم تُتناول مشكلة تفاوت الأجور، فإنها ستلحق خسائر فادحة بمجتمع هش متعدد الأعراق. لكن الأمل موجود، مثلما بدا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث استطاعت شخصية تتمتع بشعبية هائلة (ثارمان شانموغاراتنام) من توحيد الشعب بتأييد عارم.

كيشور محبوباني - العميد المؤسس لكلية لي كوان يو للسياسات العامة بجامعة سنغافورة الوطنية


سيكون القرن الحادي والعشرون هو القرن الآسيوي. يبحث كل قرن عن عاصمة طبيعية له. في القرن التاسع عشر، وهو القرن الأوروبي، كانت لندن هي العاصمة الطبيعية. وكانت نيويورك هي العاصمة الطبيعية في القرن العشرين، وهو القرن الأميركي. سنغافورة هي العاصمة الطبيعية للقرن الآسيوي.

لِم سنغافورة؟ آسيا قارة غنية متعددة الحضارات. لا توجد سوى مدينة واحدة في آسيا تستوعب بارتياح عدة تيارات حضارية آسيوية، بما في ذلك التيارات الصينية والهندية والإسلامية. تمتزج هذه التيارات بحرص مع التيار الغربي الحديث. مع تحول مسار القوة في آسيا، وفيما يبحث الناس عن وجهة واحدة لاستيعاب النهضة الآسيوية العظيمة، لا توجد سوى مدينة عالمية واحدة يمكنها توفير هذه التجربة.

أنجيلا آنغ - المستشارة الأولى للسياسات في شركة "تي آر إم لابز" (TRM Labs) لتحليلات "بلوكتشين"


لدينا قوة عاملة محلية تلقت تعليماً جيداً من خلال نظام صارم. لكن الأمر لم يعد يتعلق فقط بالقدرة على اجتياز الامتحانات بتفوق واكتساب المعرفة، إذ يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحقق ذلك. إن الأمر يتعلق أيضاً بفهم العالم بطريقة لا تستوعبها الآلات. تدرك سنغافورة ذلك على نحو متزايد. نحن نحتفي بمسارات مختلفة في الحياة وتعريفات مختلفة للنجاح. نحن نقبل أن الفشل ليس قاتلاً، لكنه قد يكون معبراً إلى النجاح. نتيجة لذلك؛ شهدنا بزوغ مزيد من أنشطة الأعمال السنغافورية وازدهارها وتوسعها خارج حدود البلاد. بل إن بعضها أصبح شركات مليارية (يونيكورن).

تيمور بايغ - العضو المنتدب وكبير الاقتصاديين في "دي بي إس بنك غروب ريسيرش" (DBS Bank Group Research)


تواجه سنغافورة ثلاثة تحديات هيكلية هي تزايد أعداد كبار السن وتغير المناخ وعدم المساواة. أختار عدم المساواة كأكبر تحدٍ على مدى العقد المقبل. كان نموذج نمو سنغافورة يتمحور حول الضرائب المنخفضة وقاعدة إنفاق عام متواضعة تتيح مخصصات للإسكان والتعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى بنية تحتية عالمية المستوى لقطاع النقل لكن دون شبكة أمان موسعة. في السنوات الأخيرة، بين الجائحة والحرب في أوكرانيا، دفعت صدمات داخلية وخارجية التضخم وتكلفة المعيشة إلى مستويات غير مريحة. تأسيس مجتمع أكثر عدالة وإنصافاً هو هدف معلن رسمياً، لكن الجهود لخفض فجوة الأجور وتحسين مدخرات التقاعد وتدريب البالغين العاملين على مواكبة التطورات الثورية في عالم التقنية مكلفة. يعد إنشاء هيكل أكثر تقدمية لضريبة الدخل وفرض ضريبة إضافية على الثروة حلّين جليين، لكن تصاحبهما مقايضات فيما يتعلق بمركز سنغافورة كبلد منخفض الضرائب.

تصنيفات

قصص قد تهمك