ماكرون وشولتس يجدفان بقوة في اتجاهين معاكسين

التوفيق بين ألمانيا وفرنسا اقتصادياً سيحتاج إلى 50 رحلة قارب في نهر "إلبه" وليس لرحلة واحدة فقط

time reading iconدقائق القراءة - 15
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والسيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون في هامبورغ، ألمانيا، يوم 10 أكتوبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والسيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون في هامبورغ، ألمانيا، يوم 10 أكتوبر 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كانت رحلة إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس على متن قارب بنهر "إلبه" هذا الأسبوع رحلة رمزية لثنائي القوة والقيادة المتشاكسين في الاتحاد الأوروبي: ألمانيا وفرنسا- وهي محاولة لإيجاد اتجاه مشترك عبر تحديات مماثلة. رغم الحديث عن تحقيق انفراجة في قضية إصلاح سوق الكهرباء المثيرة للجدل، فإن البشائر تبدو مشجعة مثل تعبيرات ماكرون أثناء تناول شطيرة ألمانية تقليدية.

مصافحات ودية

الزعيمان في القارب نفسه إلى حد بعيد (أقصد التورية عن الوضع). فلم يعد صعود اليمين المتطرف مجرد ظاهرة فرنسية، مع زيادة شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا وسط الغضب بشأن الهجرة وتأثير غزو أوكرانيا. كما أن اقتصاد البلدين يتباطأ. فأكبر اقتصاد في أوروبا يئن تحت وطأة الاعتماد على الغاز الروسي لعقود، في حين يعاني اقتصاد فرنسا أيضاً من التعثر حتى مع بدء تراجع التضخم. وكلا البلدين يدعم المزيد من المساعدات الحكومية ويتبع نهجاً أقل سذاجة في التعامل مع التجارة. وماكرون عاجز لافتقاره إلى الأغلبية البرلمانية، فيما يجد شولتس صعوبة في إسماع صوته داخل ائتلاف حاكم تعصف به الخلافات.

رغم المصافحات الودية بين الزعيمين هذا الأسبوع وإظهارهما الدعم القوي لإسرائيل بعد هجوم حماس، فإنهما يجدفان بقوة في اتجاهين معاكسين. فالارتباك والصدمة داخل ألمانيا بشأن عودة شعار "رجل أوروبا المريض" بعد النجاح القائم على التصدير على مدى سنوات، جعلت برلين تسارع للذود عن مصالحها ومواطن قوتها (حماية السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق، والصادرات إلى الصين، والصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة). وقد اصطدم ذلك بتفضيلات ماكرون للطاقة النووية (التي تخلصت منها ألمانيا بالكامل في أبريل) وزيادة توحيد دفاعات الاتحاد الأوروبي وقواعد ميزانية أكثر مرونة. وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك الشهر الماضي. "نحن لا نتفق على أي شيء".

الطاقة مثار خلاف بين الجانبين

سياسة الطاقة مثال على ذلك. فتأثير صدمة الغاز الروسي على أسواق الكهرباء دفعت الحكومات إلى التدخل على نطاق واسع، مع ارتفاع أسعار الكهرباء بالجملة 254% في فرنسا و210% في ألمانيا بين الربعين الثاني من 2021 و2022، وفقاً لفوك فينه نغوين، الباحث في معهد "جاك ديلور" (Jacques Delors).

لكن تدخل من؟ فباريس تريد استغلال عقود الطاقة الجديدة الطويلة الأجل لجني فوائد هيمنة الطاقة النووية في فرنسا، حيث أصبحت الأسعار الآن أرخص 12% عن ألمانيا في الجهة المقابلة من نهر الراين.

أما مخاوف برلين، بما في ذلك الأساطيل النووية الحالية، فستؤدي إلى تثبيط الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ومساعدة الصناعة الفرنسية بينما تشعر ألمانيا بتأثير أسعار الغاز المرتفعة.

لم يُظهر ماكرون -الذي يخشى من زيادة شعبية مارين لوبان عبر استغلال موقف ألمانيا المناهض للطاقة النووية لصالحها- إشارة تُذكر للتراجع، وتعهد على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "باستعادة السيطرة" على الأسعار.

كل هذه أمور سلبية للغاية بالنسبة للمشروع الأوروبي، الذي هو في حاجة ماسة إلى الوحدة بينما يتطلع إلى المزيد من التوسع والاستقلال وأمن الطاقة مع بدء أسعار الغاز في الارتفاع مرة أخرى. كما أنها بعيدة كل البعد عما حدث إبان حكم زعماء سابقين للبلدين مثل شارل ديغول وكونراد أديناور أو فاليري جيسكار ديستان وهلموت شميت، الذين كانوا أكثر قدرة على تهدئة سوء فهم طويل الأمد مثل ارتباط ألمانيا بالمظلة الأمنية لحلف شمال الأطلسي أو تشبث فرنسا بوضعها كقوة عالمية. وعندما يتعطل المحرك الفرنسي الألماني، يتوقف الاتحاد الأوروبي أيضاً.

هل يعمل المحرك الفرنسي الألماني مجدداً؟

قال لي السفير الفرنسي السابق كلود مارتان، الذي توضح مذكراته الجديدة تفاصيل صعود العلاقات الفرنسية الألمانية وهبوطها: "في كل مرة تسوء فيها الأمور، نقول لأنفسنا إن المحرك سيعمل من جديد، لكننا اعتدنا على عدم فهم أحدنا الآخر. فروح صندوق التعافي من الجائحة الذي أطلقه ماكرون وأنغيلا ميركل بقيمة 800 مليار يورو (850.7 مليار دولار) قد ولت إلى غير رجعة".

في الأمد القريب، هناك بصيص أمل في أن تؤتي الجهود الرامية إلى حل قضية محددة تتعلق بإصلاح سوق الكهرباء بثمارها، إذ روج السياسي من حزب الخضر سفين غيغولد مؤخرا لـ "الصفقة الكبرى". وقد يعني ذلك أن باريس تجد طريقة لدعم صناعتها من خلال "مؤسسة كهرباء فرنسا"، المشغل الحكومي، مع منح ألمانيا أيضاً امتيازات في مجالات أخرى، مثل إقامة المزيد من مشروعات عبر الحدود في مجال البنية التحتية لطاقة الهيدروجين. مثلما انتهى الأمر بالخلافات بشأن تصنيف الاتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة باعتبارها مصادر خضراء إلى تضمين كل من الطاقة النووية والغاز لاسترضاء فرنسا وألمانيا، فإن هذه على ما يبدو واحدة من تلك المعارك التي يحقق فيها الجانبان مبتغاهما- من دون إعانات دعم دائمة مشوهة للسوق، فيما سيكون مخرجاً مثالياً من الأزمة.

50 رحلة بالقارب

مع ذلك، فإن التوفيق بين شولتس وماكرون على المدى الطويل سيحتاج إلى 50 رحلة بالقارب بدلاً من واحدة. ومن الأفضل لباريس أن تغير نهجها من خلال السعي إلى بناء علاقات أقوى مع أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي، بدلاً من طرح المزيد من المبادرات الفرنسية الألمانية من الطائرات المسيرة إلى الدبابات القتالية (أو حاملة طائرات أوروبية). وفي الوقت نفسه، ينبغي لألمانيا أيضاً أن تدرك أن فرنسا وأوروبا تقعان في قلب عملية علاج وضعها كرجل أوروبا المريض. وتشير دراسة حديثة شارك في إعدادها نيلز ريديكر من "هيرتي سكول" (Hertie School) إلى أن الطريق إلى القدرة التنافسية في مجال الطاقة والسياسة الصناعية والمزيد من الصادرات يمر عبر سوق موحدة للاتحاد الأوروبي أقوى وأكثر تكاملاً.

يقول جيل مويك، كبير الاقتصاديين في "أكسا غروب" (AXA Group): "يجب على فرنسا وألمانيا التوقف عن إنهاك نفسيهما في المعارك المباشرة".

تبدو قفزة هاميلتونية (نسبة إلى بطل سباقات فورمولا 1 لويس هاميلتون الذي يشتهر بقفزاته الهائلة بسيارته) أخرى وكأنها احتمال بعيد المنال، لكن ركوب القارب في وضع أكثر ثباتاً في المرة المقبلة سيمثل تقدماً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

باريس

5 دقائق

0°C
ثلوج
العظمى / الصغرى -1°/
20.4 كم/س
97%