الشرق
كشف والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أن صندوق النقد الدولي تخلّى عن مطالبة المغرب بتحرير إضافي لسعر صرف الدرهم بعدما كان يُلح على ذلك لثلاث سنوات، وذلك بعد اقتناعه بمبررات "المركزي المغربي" حول ضرورة تهيئة البيئة الاقتصادية والاجتماعية لمواكبة هذه الخطوة.
الجواهري قال في مقابلة مع "الشرق" على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي المنعقدة حالياً في مراكش، إن شهر ديسمبر هو موعد مفصلي لاتخاذ قرار حول التوجه بشأن سعر الفائدة للمرحلة المقبلة.
بدأ المغرب تحرير سعر صرف عملته الدرهم عام 2018، باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي عام 2020، جرى توسيع هذا النطاق إلى حدود 5% ارتباطاً بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%.
قال الجواهري إن "المرحلة المقبلة ستتسم بتحفيز البنوك لتمويل المشروعات الخضراء والتحوّل الرقمي"، مشيراً في المقابل إلى أن البنك المركزي يُلبي كافة الاحتياجات التمويلية للبنوك، وبما يدعم تمويل الاقتصاد، لا سيما ما يتعلق بتمويل الأنشطة الاقتصادية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
أزمات متتالية
بحسب والي "المركزي المغربي"، فإن "توالي الأزمات، بدءاً من جائحة كوفيد-19 ومروراً بالحرب الروسية الأوكرانية، تُصعب خطوة الانتقال إلى مرحلة جديدة لتحرير الدرهم، لأن ذلك ستكون له انعكاسات لا يمكن تصورها على الاقتصاد والمجتمع، وهو طرح اقتنع به الصندوق، حيث لم يعد يطلب ذلك في آخر مفاوضات أجريت العام الجاري".
أضاف: "الظروف غير مناسبة حالياً، لأننا في كل مرة نشهد أزمة، وآخرها ما يشهده الشرق الأوسط حالياً (في إشارة إلى التصعيد الجاري في غزة ومحيطها)، ودائماً ما نؤكد لصندوق النقد على عُنصر عدم اليقين المستمر. لو كان لدينا يقين حول المستقبل لاتخذنا الخطوة".
قرارات بالإجماع منذ 20 سنة
كثيراً ما تُثار مسألة استقلالية البنوك المركزية عن الحكومات. وفي المغرب، يؤكد الجواهري أن هذه الاستقلالية منصوصٌ عليها في قانونه الأساسي بكل وضوح، حيث قال: "نحن نُقرر في إطار مجلس البنك، بعدما نقدم للأعضاء كل المعطيات ونعطي رأينا، والقرار الأخير يرجع إليهم.. وجميع القرارات المتخذة في إطار السياسة النقدية اتخذت بالإجماع منذ عشرين سنة".
كان "المركزي" لجأ إلى تشديد سياسته النقدية منذ سبتمبر من العام الماضي برفع الفائدة ثلاث مرات إلى 3% لكبح أكبر موجة تضخم شهدتها البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي يونيو الماضي، قرّر التوقف مؤقتاً، واستمر في ذلك في آخر اجتماع له في سبتمبر.
ذكر والي بنك المغرب أن تشديد السياسة النقدية في الفترة السابقة كان هو الحال ذاته بالنسبة إلى جميع الدول بسبب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على التضخم الذي شهد قفزة، حيث سجل في العام الماضي 6.6%، وهو رقم غير مسبوق في المغرب منذ 30 عاماً.
منحى التضخم
الجواهري أبدى تفاؤلاً بمستقبل منحى التضخم في المملكة، حيث قال: "في 2023 وصلنا أقصى رقم في فبراير الماضي بنحو 10.1%، وبدأ المعدل يتراجع حتى وصل في أغسطس إلى 5%. هذا معناه أن ما اتخذناه في إطار السياسة النقدية إلى جانب إجراءات الحكومة، بدأ يعطي أكله".
بحسب توقعات "المركزي المغربي"، يُنتظر أن ينهي التضخم العام الجاري عند 6%، على أن يتراجع إلى 2.6% في العام المقبل، وهو مستوى قريب من المستهدف المحدد عند 2%.
بشأن القرار المرتقب اتخاذه في الاجتماع المقبل لمجلس البنك المركزي في ديسمبر، قال الجواهري: "ننتظر الحصول على تقييم آثار الزلزال ومعطيات مشروع الموازنة لعام 2024 من حيث التمويل، إضافة إلى قرارات بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي.. آنذاك ستكون الصورة واضحة، وقرارنا المرتقب سيكون مرتكزاً على أسس متينة".