ماريو دراغي يعود.. ويُنتظر منه الكثير

إن عقلية "القيام بكل ما يتطلبه الأمر" لتغيير حظوظ أوروبا الاقتصادية هي تحديداً ما تحتاجه القارة العجوز

time reading iconدقائق القراءة - 6
كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك، أثناء فعاليات الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس البنك المركزي الأوروبي في 24 مايو 2023 في فرانكفورت، ألمانيا  - المصدر: بلومبرغ
كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك، أثناء فعاليات الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس البنك المركزي الأوروبي في 24 مايو 2023 في فرانكفورت، ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يسهل استخلاص أن أهم خبر جاءت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطاب حالة الاتحاد الأسبوع الماضي لم يكن فتح تحقيق في دعم الصين المالي للسيارات الكهربائية، بل كان اختيار ماريو دراغي ليكون مسؤولاً عن إعداد تقرير عن تنافسية الاتحاد الأوروبي، التكتل المكوّن من 27 دولة.

لو أن الاختيار وقع على أحد سواه، لربما تصورنا أن النتيجة ستكون مجلداً يحث على الاستثمار في الأبحاث وتبنّي تقنيات أكفأ وخلق تكامل بين أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي، أي رزمة أوراق مهملة تقبع على رف ما ليتراكم عليها الغبار. تشي حقيقة اختيار دراغي بأن هنالك أمراً أكبر.

يشير توقيت الإعلان ومكانة دراغي، الذي تولى سابقاً رئاسة البنك المركزي الأوروبي وهو مشهور بالتزامه "إلى أبعد مدى" بإنقاذ اليورو، إلى رغبة قوية في جلب شخص له ثقل كبير يعدل كفة الميزان، بحيث تفقد معارك فرنسا وألمانيا الاستقطابية بشأن اتجاه أوروبا زخمها. ربما يكون هناك أمل أيضاً في أن عودة دراغي، الخبير المحنك في مجاله، ستضعف الأصوات الشعبوية، بدرجة ما، قبيل الانتخابات البرلمانية الأوروبية.

الإمكانات الحقيقية

لكن الإمكانات الحقيقية تكمن في نوعية برنامج النمو الاقتصادي الذي قد يتمكن دراغي من دفعه، فيما يتصدى الاتحاد الأوروبي للركود التضخمي والتوترات التجارية العالمية. كان البنك المركزي الأوروبي، حلبة دراغي القديمة، محل كثير من انتقادات مبررة بشأن دورة زيادات في أسعار الفائدة كانت الأسرع في تاريخ اليورو فيما كان الطلب يتراجع.

المفوضية الأوروبية تخفض توقعات نمو دول اليورو بسبب ألمانيا

يُتوقع أن ينكمش اقتصاد ألمانيا سينكمش 0.3% هذا العام، وأن معدل النمو المتوقع لمنطقة اليورو عند 0.6% سيكون أدنى منه في الولايات المتحدة واليابان. تعكس خطوات مثل فتح الاتحاد الأوروبي تحقيقاً في الدعم الحكومي الصيني للسيارات الكهربائية استعداداً لاستعراض القوة الجيوسياسية والدفاع عن الصناعة المحلية، لكنها لا تجيب عن أسئلة أعمق.

قال روبرتو فافاسوري، ممثل شركات صناعة السيارات الإيطالية: "أوروبا برمّتها تحتاج إلى استعادة التنافسية في الصناعات المهمة، وعلى الدول أن تتخلى عن منطق الاهتمام بأرضها فقط".

بإمكان دراغي أن يصبح نصيراً مقنعاً لاتحاد أوروبي أكثر تكاملاً يستثمر في النمو والبنية التحتية والإنتاجية، بدل أن يكون تكتلاً منظماً حسب ميزانية كل دولة. في خطاب ألقاه دراغي في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في يوليو، قال إن الاتحاد الأوروبي كانت لديه "احتياجات استثمارية ضخمة"، ومنها التحول إلى الطاقة الصديقة للبيئة الذي سيتطلب أكثر من 700 مليار دولار (747 مليار دولار) سنوياً للإيفاء بأهداف المناخ، لكنه كان يفتقر للأدوات المطلوبة لتحقيقها.

في مقال افتتاحي كتبه في وقت لاحق لصحيفة "إيكونوميست" (Economist)، بيّن دراغي أن الحل الوحيد هو مزيد من التكامل المالي للتصدي لسلسلة صدمات خارجية (مثل بريكست وجائحة كورونا والحرب). كتب: "سيثبت تشكيل اتحاد أوثق في نهاية المطاف أنه السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والرخاء الذي يتوق إليه المواطنون الأوروبيون".

بداية توجه جديد

يتطلب ذلك مواجهة بعض الحقائق حول النموذج القائم على التصدير في ألمانيا بالأخص. قال نيكولاس غيتزمان، الاقتصادي في "فينانسيه دو لا سيتيه" (Financiere de la Cite)، إن تولية دراغي لملف التنافسية قد يكون بداية توجه جديد تُبدي فيه أوروبا استعداداً للتحول بعيداً عن التنافس مع الخارج لتركز أكثر على الطلب المحلي، وهو ما كان دافعاً قوياً للنمو في الولايات المتحدة.

عادت ألمانيا لتُكنى "رجل أوروبا المريض" بعدما كانت لسنوات تقود المنطقة على الصعيد الاقتصادي إبان أزمة ديون منطقة اليورو خلال العقد الماضي. في ذلك الوقت، كانت "التنافسية" مصطلحاً مشحوناً يرتبط بدفع الدول المثقلة بالديون لخفض تكاليف العمالة وكبح الإنفاق المفرط، كما في ألمانيا.

فون دير لاين: على الاتحاد الأوروبي زيادة تمويل التكنولوجيا النظيفة لمواجهة الولايات المتحدة

اليوم، يبدو أن النموذج الألماني تحديداً يفتقر لميزة تنافسية. يضغط ارتفاع أسعار الطاقة إلى بعض من أعلى مستوياته في أوروبا على ألمانيا، وهي مركز القوة في عالم التصنيع، الذي كان يدفعه غاز روسيا الرخيص والصادرات إلى الصين. وجد تقرير نشرته غرفة التجارة والصناعة الألمانية في وقت سابق هذا العام أن أكثر من نصف الشركات تواجه تأثيرات سلبية، أو سلبية جداً على تنافسيتها نتيجة لتحول الطاقة، كما تدرس أعداد أكبر من شركات التصنيع الانتقال خارج البلاد.

وفقاً لدراغي، أضعفت الاعتماديات التجارية التي قادتها ألمانيا الاتحاد الأوروبي، إذ قال: "اليوم، أضحى الاعتماد على الولايات المتحدة للأمن وعلى الصين للصادرات وعلى روسيا للطاقة إما غير كافٍ أولا يُعوّل عليه أو غير مقبول".

تحول المسار

يشهد الحوار الاقتصادي في أوروبا تحولات. أوضحت ورقة بحثية شارك في تأليفها ساندر توردوير، الاقتصادي في "سنتر فور يوروبيان ريفورم" (Center for European Reform)، هذا العام أسباب حاجة ألمانيا إلى نموذج جديد للنمو، بما في ذلك زيادة الإنفاق على البنية التحتية، وأجور أعلى، وسد أوجه القصور في مجال الرقمنة.

ربما يخلص تقرير دراغي إلى وصف علاج مشابه للتكتل برمته. حين سألت صحيفة "لوموند" فابيو بانيتا، المصرفي في البنك المركزي الأوروبي، عما إذا كانت الحرب في أوكرانيا قد أثّرت على التنافسية في أوروبا "بشكل دائم"، رد بانيتا قائلاً: "بدأ نموذج النمو في أوروبا على مدى العشرين إلى الثلاثين عاماً الماضية يفقد الزخم". إنه محق في رأيه.

إن كانت هناك فرصة لوضع نمو أكثر استدامة على رأس قائمة الأولويات في الاتحاد الأوروبي من جديد، فإن دراغي هو أنسب من ينتهزها، لكن ينتظره كثير من العمل.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

بروكسل

4 دقائق

0°C
غائم جزئي
العظمى / الصغرى /
27.8 كم/س
88%