الشرق
تتطلّع مصر من الانضمام لمجموعة "بريكس" إلى زيادة التبادل التجاري مع الدول الأعضاء كأولوية لوزارة التجارة والصناعة، بينما تسعى "المالية" للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعات البلاد "الخضراء"، في حين يمثل التنسيق بين دول الجنوب تنموياً محور تركيز وزارة التعاون الدولي، بحسب مسؤولين من الوزارات الثلاث تحدثوا لـ"اقتصاد الشرق". على أمل أن توحّد الخطة الجاري العمل عليها من قِبل الحكومة، والمزمع إنجازها قبل نهاية العام، الرؤى حول مستهدفات الانضمام.
قررت مجموعة "بريكس" في أغسطس زيادة عدد أعضائها عبر دعوة كل من مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا إلى الانضمام، ما يحوّلها إلى تكتل يسيطر على نحو ثلث الاقتصاد العالمي.
مع هذا التوسع الذي يُعدُّ الأول منذ 2010 وهو تاريخ انضمام جنوب أفريقيا للمجموعة؛ سيزيد عدد الدول المنضوية إلى 11 عضواً، بعدما كانت تضم روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وتجري وزارة التجارة والصناعة المصرية دراسات تفصيلية خاصة بشأن انضمام البلاد إلى "بريكس"، بحسب مسؤول في الوزارة تحدث مع "اقتصاد الشرق"، طالباً عدم الإفصاح عن هويته.
مضيفاً أنه "من المقرر الانتهاء من إعداد خطة عمل قبل يناير 2023، موعد دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، تستهدف زيادة التبادل التجاري في عدّة مجالات خاصة الصادرات الصناعية والخدمية، بموازاة دراسة السلع والخدمات التي يمكن تبادلها مع دول "بريكس" بالعملات المحلية للدول الأعضاء".
فيما يخص التبادل التجاري بين مصر ودول التكتل بعد توسعه، فقد مثّل نحو ثلث حجم تجارة مصر مع دول العالم، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
ارتفعت صادرات مصر إلى دول "بريكس" 5.3% العام الماضي لتسجل 4.9 مليار دولار، بينما زادت الواردات 11.5% للعام نفسه إلى 26.4 مليار دولار.
تمويل المشاريع
يؤكد مسؤول في وزارة المالية المصرية تحدث مع "اقتصاد الشرق" شريطة عدم نشر اسمه، أن السياسة المالية لن تتغير بعد الانضمام إلى "بريكس". لكنه يشير إلى أن بلاده تستهدف الحصول على تمويلات ميسرة للمشروعات الصديقة للبيئة، كمشروعات إعادة التدوير، وإنتاج بدائل البلاستيك، والطاقة النظيفة، بالإضافة لعدد من المشروعات التنموية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي.
سيمثل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" في 2023 نحو 29% من الاقتصاد العالمي، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، وذلك بعد موافقة التكتل على توسيع عضويته.
وتعطي حالة التشرذم الراهنة في النظام العالمي، مع تفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، والانقسامات حول الغزو الروسي لأوكرانيا، فرصة جديدة للتحالف ليصبح صوتاً اقتصادياً وسياسياً أعلى لمنطقة جنوب الكرة الأرضية، بعد حوالي 15 عاماً على انطلاقه.
تنسيق السياسات والترويج
تختلف الرؤية في وزارة التعاون الدولي عن وزارة المالية باعتبارها أن الهدف من الانضمام إلى "بريكس" ليس تمويلياً في الأساس، كون مصر انضمت بالفعل لبنك التنمية الجديد التابع للمجموعة منذ أشهر؛ "وحققنا الهدف التمويلي واستعرضنا بالفعل إنجازات مصر فيما يخص التعاون الدولي، والاحتياجات التمويلية اللاحقة، ولكن أساس الانضمام هو تنسيق السياسات التجارية والتنموية الدولية بين دول الجنوب"؛ وفقاً لشخص في الوزارة.
أصبحت مصر بشكل رسمي عضواً جديداً في بنك التنمية الجديد الذي أنشأته دول البريكس في مارس الماضي، كما شاركت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، في الاجتماعات السنوية للبنك في مايو.
وفي شهر أغسطس، وافق مجلس الوزراء المصري، على إنشاء وحدة "بريكس"، بحيث تُعنى بملفات التعاون مع التجمُّع، وتضم الوزراء والمسؤولين المعنيين.
أما من ناحية تعزيز تدفق الاستثمارات من دول "بريكس"، فتخطط الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لتكثيف زياراتها لدول المجموعة، خاصة الآسيوية، للترويج للاستثمار في مصر.
مسؤول في الهيئة أوضح لـ"اقتصاد الشرق" أن "عدد الشركات التابعة للدول الخمس المؤسسة لـ"بريكس" في مصر بلغ حوالي 40 ألف شركة، ومن المؤكد زيادتها بعد تنفيذ خطط التعاون الاستثماري بين الدول الأعضاء".
كان حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة، صرح أن مصر تسمح بالفعل بالاستثمار باليوان الصيني، وأن عدداً من الشركات الصينية تضخ استثماراتها باليوان الصيني، مع حصة مالية بالدولار من أجل مواجهة الأزمات الطارئة أو دفع مستحقات للجهات الأجنبية الأخرى.
الوزن النسبي
يرى مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن انضمام مصر إلى المجموعة سيمكّنها من "تحقيق عوائد مرتفعة، من أهمها الحصول على قروض تنموية ميسرة لمشروعات الطاقة المتجددة وتمويل خطط مواجهة التغير المناخي، مع الأخذ في الاعتبار أن الحصول على التمويل سيكون مرتبطاً إلى حدٍّ ما بالوزن النسبي للبلاد في بنك المجموعة".
وتعمل دول "بريكس" على بلورة مواقف مشتركة، اقتصادياً وسياسياً، بشكل يمكّنها من مواجهة الضغوطات الغربية، كما ستسعى لزيادة حركة التجارة البينية بين أعضائها، وكذلك مضاعفة معدل تدفق الاستثمار المباشر، مع ترجيح استفادة مصر من وضع تفضيلي لاستيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح أو النفط من الدول الأعضاء، سواء من خلال شروط ميسرة للسداد أو الأفضلية في الحصول على المنتج؛ كما "من الوارد مستقبلاً إنشاء نظام للمدفوعات بين دول المجموعة، يعتمد على العملات الرقمية".
بدوره، يَعتبر هاني جنينة، المحلل الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن مصر لديها فرصة "معتدلة" للحصول على تمويل من بنك التنمية الجديد التابع لـ"بريكس"، والذي قدّم قروضاً للدول الأعضاء منذ العام الأول لتأسيسه، تجاوزت قيمتها التراكمية 30 مليار دولار.
يبلغ رأس المال المصرح به للبنك 100 مليار دولار، لكن رأس المال المدفوع لا يتجاوز 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى رأس مال "تحت الطلب" من الدول الأعضاء بواقع 40 مليار دولار؛ و"إذا تمت إضافة حصص الدول الأعضاء الجدد، سيكون رأس المال الحالي حوالي 55 مليار دولار"، بحسب جنينة، الذي يشير إلى أهمية توافق المشروعات التنموية التي ستطلب الحكومة المصرية تمويلها والاستراتيجية التمويلية للبنك، لافتاً إلى أن "القروض التي قدّمها البنك بالدولار تركّزت في قطاع الطاقة، ومن المؤكد أنه سيسعى لتوزيع المخاطر، ولن تتركز تدفقات التمويل على قطاع محدد أو دولة بعينها".