نمو أجور قياسي في المملكة المتحدة يُبقي على مسار رفع الفائدة

مكافحة التضخم تستمر في صدارة الأولويات لصناع السياسة النقدية

time reading iconدقائق القراءة - 20
عمال بناء يصلون لموقع بمدينة لندن في المملكة المتحدة  - المصدر: بلومبرغ
عمال بناء يصلون لموقع بمدينة لندن في المملكة المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تسارع نمو الأجور في المملكة المتحدة بأقوى وتيرة في التاريخ، مما يؤكد مخاوف بنك إنجلترا من أنه لم يكسر حتى الآن دوامة تكلفة الأجور التي تفاقم التضخم في كافة قطاعات الاقتصاد.

ارتفع متوسط الأجور مع استبعاد المكافآت الإضافية بنسبة 7.8% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية يونيو الماضي بالمقارنة مع السنة الماضية. وأوضح مكتب الإحصاء الوطني اليوم الثلاثاء أن هذا الرقم هو الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات في 2001 ويرتفع عن بيانات الفترة السابقة التي بلغت 7.5%، والتي عُدلت أيضاً. وتوقع خبراء الاقتصاد تحقيق 7.4% زيادة في الأجور.

يساور بنك إنجلترا المركزي القلق من زيادة الأسعار جراء ارتفاع الأجور في جميع قطاعات الاقتصاد. ويشير صناع السياسة النقدية بقيادة محافظ البنك أندرو بيلي إلى أن ظهور قرائن أكثر على استمرار هذه الضغوط قد يعني ارتفاعاً مرة ثانية لأسعار الفائدة.

ركود طوعي

قال ستيوارت كول، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في"إكويتي كابيتال" (Equiti Capital) في لندن: "يدل ذلك على أن بنك إنجلترا سيدرك أنه قد يضطر إلى إدارة ركود لإعادة السيطرة على التضخم في النهاية".

استمر سعر صرف الجنيه الإسترليني في الارتفاع في أعقاب صدور البيانات إذ يراهن المضاربون على أن بنك إنجلترا المركزي سيتوجب عليه تشديد السياسة النقدية بطريقة أكبر، إذ تعكس السوق زيادة ربع نقطة أساس الشهر المقبل و50 نقطة أساس إضافية لتشديد السياسة النقدية حتى مارس المقبل، ما سيرفع سعر الفائدة الأساسي لبنك إنجلترا المركزي إلى 6%.

يشكل التقرير أول إصدارات البيانات الاقتصادية الأربعة المنفصلة التي ستقود القرار المقبل لبنك إنجلترا المركزي حول سعر الفائدة في 21 سبتمبر من العام الجاري. يتوقع خبراء اقتصاد ظهور تراجع للتضخم في المملكة المتحدة مرة أخرى غداً مع صدور بيانات يوليو الماضي. من المنتظر أن يهبط مؤشر أسعار المستهلكين إلى 6.7%، ما يعد المستوى الأدنى له منذ بداية السنة المنصرمة، لكنه ما يزال أعلي من هدف بنك إنجلترا البالغ 2% بثلاث مرات. يتلقى صناع السياسات المالية مجموعة أخرى من بيانات الوظائف والتضخم الشهر المقبل.

بيّن روجر باركر، مدير وحدة السياسات المالية في معهد المديرين، الذي يمثل المديرين التنفيذيين للشركات: "لا يشير تضخم الأجور إلى وجود أي بادرة على التراجع، ما يثير قلق الشركات من أنه يفاقم من معدلات التضخم المستمرة في الارتفاع بشدة وزيادة أسعار الفائدة".

أجور مرتفعة

يمثل نمو الأجور مشكلة أخرى لوزير الخزانة جيريمي هانت بينما يحاول إتاحة مجال للتخفيضات الضريبية والميزات الأخرى قبل الانتخابات المنتظرة السنة المقبلة. في ظل ما يطلق عليه "القفل الثلاثي"، ينبغي رفع المعاشات الحكومية مع زيادة نمو الأجور أو التضخم بحد أدنى 2.5% .

أتاح تراجع التضخم مع انخفاض أسعار الطاقة احتمالية إعطاء مساحة إضافية للسيطرة على تكاليف الرعاية الاجتماعية المتنامية، التي من المتوقع فعلاً أن تخترق قواعد الحكومة. ينذر ارتفاع الأجور باستمرار زيادة تكاليف المعاشات التقاعدية، ما يحد من قدرته على تقديم مزايا جاذبة قبل الانتخابات.

قال هانت في بيان: "ستجعل إصلاحاتنا الطموحة العمل مجزياً وستساعد المزيد من الأشخاص على الحصول على وظيفة – عن طريق وسائل عديدة من بينها توسيع خدمات رعاية الأطفال المجانية السنة المقبلة- ما يسهم في تحقيق أولويتنا للتنمية الاقتصادية".

"ستساعد تقارير نمو الأجور الأقوى من المتوقع ضمن أحدث مجموعة من بيانات الوظائف على تفاقم مخاوف بنك إنجلترا إزاء استمرار التضخم المرتفع في المملكة المتحدة. في ظل تباطؤ سوق العمل فقط بوتيرة تدريجية وتضخم مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي المتواصل، نتوقع مواصلة بنك إنجلترا تشديد السياسة النقدية. من المتوقع زيادة أسعار الفائدة خلال سبتمبر ونوفمبر لتبلغ مستوى ذروة عند 5.75%. " آنا أندرادي ودان هانسون، خبيرا "بلومبرغ إيكونوميكس"

رأي خبراء "بلومبرغ إيكونوميكس"

ظروف العمل

كشف تقرير مكتب الإحصاء الوطني للوظائف المنشور يوم الثلاثاء عن وجود علامات أخرى على تحسن ظروف العمل منها:

- ارتفع معدل البطالة إلى 4.2% خلال الشهور الثلاثة المنتهية في يونيو الماضي، وهو أعلى نسبة منذ يوليو 2021، متجاوزة 3.5% أغسطس 2022.

- عاد أشخاص أكثر لسوق العمل، ما خفض معدل الخمول الوظيفي 0.1 نقطة مئوية خلال الربع الأخير ليسجل 20.9%.

- تراجعت الوظائف الشاغرة بمقدار 66 ألفاً لتبلغ أكثر من مليون وظيفة بقليل، وهو الانخفاض الثالث عشر على التوالي.

- هبط معدل التوظيف -عدد الموظفين- بمقدار 66 ألفاً خلال الفترة الربع سنوية حتى يونيو الماضي، في أكبر تراجع منذ أغسطس المنصرم.

رغم ذلك، ما يزال هناك نقص في فرص العمل بحسب المقاييس التاريخية ما يجبر الشركات على رفع الأجور لجذب الموظفين والإبقاء عليهم. تعرضت المملكة المتحدة أيضاً لأكبر عدد من الإضرابات منذ الثمانينيات حيث توقف العمال عن العمل طلباً لرواتب أعلى.

نقص العمالة

أوضحت روث غريغوري، نائبة كبير خبراء الاقتصاد في "كابيتال إيكونوميكس": "أن تحسن ظروف سوق العمل لم يُسفر عن تخفيف معدل نمو الأجور، ما يدل على أن بنك إنجلترا المركزي عليه أن يبذل جهوداً أكثر ويدعم وجهة نظرنا بأنه سيزيد أسعار الفائدة بنسبة تتراوح من 5.25% إلى 5.50% في سبتمبر المقبل. ستعتمد كثير من الأمور على التقرير المقبل الخاص بسوق العمل وتقريري بيانات تضخم مؤشر أسعار المستهلكين".

العامل الأساسي الذي يؤثر على سوق العمل هو نقص العمالة. تكشف أرقام يوم الثلاثاء أن عدد العاملين أقل مما كان عليه قبل وباء كورونا بنحو 144 ألف موظف، ما يفسح مجالاً محدوداً للنمو دون زيادة التضخم.

نما إجمالي الأجور المشتملة على المكافآت 8.2% خلال فترة الربع الثاني من العام الحالي، ما يعد الأقوى على الإطلاق عدا فترة وباء كوورنا. عُدلت أيضاً أرقام الشهر السابق بالزيادة.

تسببت المدفوعات لمرة واحدة للعاملين في الخدمة الصحية الوطنية بصفة أساسية في هذا الارتفاع. لا تتضمن أحدث البيانات تسويات الممرضات والمعلمين الأكثر حداثة في التوظيف.

مخاوف التضخم

ستفاقم الزيادة المخاوف من التضخم إذ يراقب بنك إنجلترا بطريقة وثيقة تطورات أجور العاملين بالقطاع الخاص. وبين محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي أن صناع السياسة النقدية قد يزيدون أسعار الفائدة مرة ثانية إذا برزت علامات أكثر على استمرار التضخم العالي، وأن سوق العمل هي مصدر قلقهم الأهم.

يُعزى الانخفاض في معدل عدم النشاط بدرجة كبيرة لعودة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 50 و64 سنة - تقاعدوا بأعداد كبيرة أثناء الوباء- إلى القوى العاملة. لكن عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم عاطلون عن العمل بسبب مرض يحتاج للعلاج لمدة طويلة ما يزال يرتفع لمستوى قياسي.

بينما كانت الأجور في كافة القطاعات آخذة بالارتفاع، كانت توجد علامات على اتساع عدم المساواة بوقت غرقت فيه قطاعات شاسعة من القطاع العام في إضرابات عمالية.

الجانب المشرق

يكمن الجانب المشرق بالتقرير في أن ضغوط مستويات المعيشة بدأت تنحسر بمعيار واحد. فقد تراجعت الأجور العادية بعد تعديلها وفقاً للتضخم بنسبة 0.6%، وهي إحدى أصغر نسب الهبوط منذ بداية مشكلة التضخم أثناء وباء كورونا. وكانت آخر مرة لم تنخفض فيها أجور العمال بعد تعديلها بحسب التضخم خلال الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر 2021.

أوضح بن هاريسون، مدير مؤسسة العمل في جامعة "لانكستر": "يعزى نمو الأجور القياسي لقطاع الخدمات المالية والتجارية، كما أن أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة لم تنته حتى الآن لمعظم الطبقة العاملة".

تصنيفات

قصص قد تهمك