بلومبرغ
تنقل شاحنات من شركة خدمات لوجستية في ولاية كونيتيكت قطع غيار السيارات والملابس عبر مضيق جبل طارق في المغرب. وفي بلدة زراعية في اليابان، كانت هادئة في يوم من الأيام، يغير مصنع جديد لأشباه الموصلات وجه الحياة. وفي مصنع للبطاريات، يتعلم موظفون الإشراف على زملائهم الجدد من الروبوتات في فرنسا.
هذه اللحظات، التي قد تبدو غير مرتبطة ببعضها البعض، تشكل تحولاً في مجال التجارة العالمية.
التوترات بين الولايات المتحدة والصين والغزو الروسي لأوكرانيا تدفع الشركات لتقريب سلاسل التوريد من الوطن. أما مساعي الابتعاد عن الوقود الأحفوري، فهي تحفز الطلب على المواد الضرورية لتوليد الكهرباء. ويضطر الذكاء الاصطناعي الموظفين لتعلم مهارات حديثة حتى لا يُستبدلوا بأجهزة الكمبيوتر.
قبل مدة طويلة من ظهورها في البيانات الحكومية، تُغير هذه الاتجاهات فعلاً من واقع التجارة العالمية التي تقدر قيمتها بنحو 32 تريليون دولار سنوياً من مبيعات البضائع والخدمات، بحسب منظمة التجارة العالمية.
بعثت خدمة "أسواق بلومبرغ" (Bloomberg Markets) مراسلين لاكتشاف كيف تبدو هذه الثورة على أرض الواقع؟
ضغوط طرق التجارة المحلية
في يوم عمل جيد، يعبر شيلبي ألاميلو نهر "ريو غراندي" 8 مرات. يقود سيارته على طول جسر التجارة العالمي، الذي تربط ممراته الثمانية الترابية بين قلب المكسيك الصناعي وجنوب ولاية تكساس الأميركية.
ينقل ألاميلو -39 سنة- وهو سائق شاحنة لشركة تدعى "سوبر ترانسبورتي إنترناثيونال" (Super Transporte Internacional)، قطع غيار السيارات بين الولايات المتحدة والمكسيك. يقول: "إنه أمر مدهش مشاهدة كل هذه المقطورات التي تعبر يومياً، كنت في حالة صدمة عند أول رحلة لي".
يضم ميناء لاريدو، كما يسمى، مطاراً وقطاراً واحداً و4 جسور لعبور المركبات. لا يوجد أي معبر بري أو بحري أو جوي أميركي آخر يتعامل مع بضائع مقومة بالدولار بقيمة أعلى من ذلك يومياً. وهنا يجري نقل السلع، بداية من الأفوكادو والأثاث وحتى السيارات من المكسيك في اتجاه الشمال. في المقابل، تنقل قطع غيار السيارات والذرة والبنزين من الولايات المتحدة الأميركية إلى الجنوب.
في الوقت الراهن، حسبما يقول ألاميلو، قد يتطلب عبور الجسر أقل من 10 دقائق، رغم إمكانية التأخير بسبب التكدس مرة واحدة في الأسبوع تقريباً تتراوح مدته من 3 إلى 4 ساعات. تتوقع وزارة النقل بولاية تكساس أنه بحلول عام 2050، قد يبلغ متوسط زمن العبور 8 ساعات و47 دقيقة. في العام الحالي، أعلنت شركتا "كيا" الكورية الجنوبية وشركة "تسلا"، ويقع مقرها في أوستن، عن خطط لإنتاج سيارات كهربائية جديدة في ولاية نويفو ليون الحدودية المكسيكية، حيث ينتعش الاستثمار الأجنبي.
تتصاعد حركة المرور مع محاولة الولايات المتحدة جلب إمدادات مكسيكية أكثر جراء الحرب التجارية مع الصين. تقدر ميفا كوزين، خبيرة الاقتصاد في بلومبرغ، تراجع واردات الولايات المتحدة من البضائع الخاضعة للرسوم الجمركية من الصين بنحو 150 مليار دولار مقارنة بحجم الواردات الممكنة في حال عدم فرض رسوم. تسد المكسيك بدرجة كبيرة هذه الفجوة.
يقع منفذ الدخول في لاريدو، مدينة تشتهر بمبانٍ تعود للحقبة الاستعمارية الإسبانية ويقطنها ربع مليون نسمة. وفي الجوار، تبني شركات التطوير العقاري المستودعات والمواقع الصناعية على مساحة تبلغ ملايين الأقدام المربعة جراء انتعاش التجارة الدولية المفاجئ. يدفع مسؤولون محليون باتجاه الحصول على موافقة فيدرالية لتوسيع الجسر ليشمل 10 ممرات، علاوة على إضافة معبر مكون من 8 حارات بجانبه، بتكلفة 40 مليون دولار على الأقل لكليهما. يبين جين ليندغرين، الرئيس التنفيذي لشركة "لاريدو إيكونوميك ديفلوبمنت" (Laredo Economic Development): "ربما تأخرنا بضعة أعوام عن توفير ما نحتاج إليه من مرافق. لكن لدينا خطة للحاق بالركب".
مطلوب: راعي روبوت
يرتدي المتدربون ملابس حماية بيضاء تغطيهم من الرأس إلى أخمص القدمين، وينظرون عبر نوافذ لصناديق تتحرك على امتداد خط إنتاج آلي. تتعامل الأذرع الآلية الصفراء مع أحمال من مكونات بطاريات المركبات الكهربائية، والتي ينبغي تجميعها في بيئة منعزلة لمنع الغبار والرطوبة. في جنوب غرب فرنسا، يتجهز العمال لوظيفة مطلوبة للغاية في هذه الأيام وهي الإشراف على عمل الروبوتات.
بعد 5 أسابيع فقط من التدريب، ينبغي للودوفيتش جوزيان، الذي أمضى مسيرته المهنية في السابق داخل مصانع السيارات التقليدية، أن يكون جاهزاً للتدخل عندما ترتكب الآلات خطأ. يقول: "كافة الأمور هنا تمثل فعلاً عالماً جديداً، ويجب تعلم كل البروتوكولات الحديثة وفهمها لتفعيلها في منظومة العمل بسرعة هائلة للغاية". تسهم شركة "أوتوموتيف سيلز" (Automotive Cells) التي يعمل لها وتأسست قبل 3 أعوام، بدور بارز في طموحات أوروبا لمنافسة الصين في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. ومن بين الممولين شركة "مرسيدس بنز" و"ستيلانتس". يكتسب جوزيان خبراته فيما تسميه "أوتوموتيف سيلز" "المصنع التجريبي"، حيث تطور منتجات وتختبر طرق تصنيع بمدينة نيرساك.
بعد ذلك، سوف يتحرك 650 كيلومتراً (400 ميل) شمالاً، إلى ما يطلق عليه مصنع إنتاج بطاريات كهربائية "مصنع غيغا" أو (gigafactory) التابع للشركة بمدينة دوفرين. تعين "أوتوموتيف سيلز" شخصين أو ثلاثة يومياً لأنها تشكل فريق موظفي المصنع يتكون من ألفي فرد، في حين يمضي الموظفون قدماً في عمليات التدريب لمواكبة أحدث التكنولوجيات. يقول جيل تارديفو، مدير المصنع: "ينبغي أن نقوم بما يجعلنا نتفوق على منافسينا بينما نتحرك بشكل أسرع".
قد يصبح الأصدقاء أعداءً أيضاً
عبر الحدود مباشرة قبالة ديترويت، يوجد حقل مكون من حصى ورمل وعشب غير مستغل في كندا. يخترق الموقع صوت صفير الرياح القادم عبر بحيرة سانت كلير القريبة. خلال هذا اليوم من أيام الأسبوع في مايو، يقوم مبنيان غير مكتملين، على أعمدتهما يأخذان شكل مستودع بينما يرفرف العلم الكندي فوق رافعة.
عليك أن تأخذ بحسبانك أن مدينة وندسور في ولاية أونتاريو تقدم نموذجاً لمخاطر السياسة الصناعية الوطنية، والتي يمكن أن تضع بلداً صديقاً في مواجهة آخر -حتى عند اتحاد الرغبة في التصنيع قرب الوطن عوضاً عن الصين. من المتوقع أن ينتج المصنع بطاريات لملايين المركبات الكهربائية في كافة مناطق أميركا الشمالية. أوضحت شركة "نيكست ستار إنرجي" وهي مشروع شركة "ستيلانتس"، مالكة العلامات التجارية الأميركية "كريسيلر" و"دودج" و"جيب"، بالاشتراك مع شركة "إل جي إنرجي سيليوشن" (LG Energy Solution) في كوريا الجنوبية - أنها ستتيح 2500 فرصة عمل.
لكن "نيكست ستار" أوقفت المشروع خلال مايو الماضي، قائلة إنها قد تحصل على حزمة مساعدات أفضل من الولايات المتحدة الأميركية. طرحت حكومات كندا والمقاطعات في البداية إعانات بمليار دولار كندي (755 مليون دولار). لكن خوفاً من خسارة الفوائد الاقتصادية، زادت إدارة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو العرض في يوليو الماضي إلى 15 مليار دولار كندي، وقبلت "نيكست ستار" به. بصيغة أخرى، انتزعت "ستيلانتس" و"إل جي" 14 مليار دولار كندي إضافية من أموال دافعي الضرائب. المبلغ ليس سيئاً في مقابل شهرين بلا مساهمة حقيقة.
قبل أن تبدأ الولايات المتحدة في تقديم إعانات أكثر بذخاً، كانت الشركات وكندا متقبلة التوصل لاتفاق أقل سخاء، بحسب فلافيو فولبي، رئيس جمعية مصنعي قطع غيار السيارات في كندا. أضاف أن استراتيجية التفاوض هذه واستجابة الحكومة "ستصبح منهجية عمل للشركات تستحق الدراسة".
المبتكرون في احتياج لحاضنات الأعمال
تجري شركة ناشئة مخبأة وسط التلال الخضراء المتجددة في مقاطعة كيري غرب أيرلندا تجربة يمكن أن تحدث تغيراً كبيراً في التصنيع العالمي. تصنع شركة "وازب" دمى عرض أزياء عبارة عن مجسمات من الأيادي والأوجه لشركة "إيكيا" (IKEA) تُستخدم في التصميم الداخلي وشاشات البيع بالتجزئة.
من المعتاد أن تتطلع شركة التجزئة السويدية، المشهورة بأسعارها المناسبة، للتصنيع في البلدان ذات التكلفة المنخفضة على غرار الصين. لكن يمكن لـ"وازب" تقديم بديل لـ"إيكيا" وهي الطباعة ثلاثية الأبعاد. يستخدم موظف "وازب" طابعة بيضاء تأخذ شكل صندوق، بحجم مكتب تقريباً من طراز "زيروكس" القديم للغاية، لتصنيع يد شبكية بالحجم الطبيعي. بضغطة زر من جهاز كمبيوتر، تصنع الآلة قطعة منها خلال دقائق من مادة الراتنغ البلاستيكي، ثم ينظف الموظفون المسحوق الزائد كما لو كان ثلجاً على زجاج السيارة الأمامي.
بالنسبة للمؤسسين المشاركين شين هاسيت وماريانا كوبال، يشكل التصنيع عند الطلب آفاق المستقبل. قضى هاسيت وكوبال سنة في حاضنة أعمال تابعة لجامعة محلية في تطوير خطة عمل. تساعد الحكومة الأيرلندية في تمويل الأعمال - حتى تجذب الشركة، من الحالة المثلى، رأس مال خاص أكثر. يقول هاسيت إن تحقيق الربحية بات على مرمى البصر. توسعت الشركة فعلياً في تصنيع نعال خارجية لأحذية شركة "فيفوبيرفوت".
حتى وقت قريب، استخدمت الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع النماذج الأولية، وليس للتصنيع بإنتاج ضخم. يعتقد هاسيت أنه لن يمر زمن طويل حتى تحل محل المصانع كثيفة العمالة، ما سيقرب الشركات المصنعة من الزبائن ويحد من النفايات وانبعاثات الكربون. بينما تطمح الشركات إلى إيجاد بدائل للمصانع الصينية، يتوقع هاسيت ازدهار السوق، ويقول: "ازدهر نشاط الطباعة ثلاثية الأبعاد فعلاً في الولايات المتحدة وأوروبا".
دفعة غير متوقعة من "بريكست"
في قرية ناميبية، ترعرعت تورورا كاتاهي في منزل مُصنّع من الحديد المضلع بجانب روث البقر والأوحال الطينية. كانت جدتها تبيع السكر وطحين الذرة والملح والتبغ من منزلها، بينما يربي جدها الماشية.
خلال سبتمبر المقبل، ستُكمل رحلة استثنائية حيث ستتخرج في جامعة "إس أو إيه إس" في لندن بدرجة الماجستير في الدراسات الإبداعية والثقافية، والتي تُعدُّ الطلاب لمسيرة مهنية في مجال الفنون.
استفادت كاتاهي، أول شخص في عائلتها يدرس في كلية، من قرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. في أعقاب الـ"بريكست"، استعدت جامعات المملكة المتحدة لانخفاض كارثي في تسجيل الأجانب لأن طلاب الاتحاد الأوروبي اصطدموا بعقبات إضافية. لذلك خففت الحكومة للغاية اشتراطات الحصول على التأشيرات لبقية دول العالم، ما أدى لتدفق الطلاب من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط عليها. تعتزم كاتاهي العمل لمدة 5 أعوام في لندن قبل العودة للعيش في ناميبيا. أضافت كاتاهي البالغة من العمر 29 سنة: لا توجد لدي رغبة في الانتقال لأي بلد آخر غير المملكة المتحدة، حيث تشعر أنك مرتبط بالعالم كله عند وجودك في لندن".
تعتبر كاتاهي وزملاؤها من غير البريطانيين "الأمر المشرق الوحيد" في وضع المملكة المتحدة ما بعد "بريكست"، بحسب جوناثان بورتس، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في كلية "كينجز كوليدج لندن" (King’s College London). وقد أسهموا بـنحو 41.9 مليار جنيه إسترليني (51.9 مليار دولار) في اقتصاد المملكة المتحدة خلال العام الدراسي 2021-2022، بارتفاع 34% مقارنة مع 3 أعوام سابقة. يبين بورتس: "سنواجه مشكلة ضخمة دون هؤلاء الطلاب الدوليين".
الحرب تعطل سلاسل التوريد
لا تتوقف حركة النقل البحري أبداً عن عبور مياه البحر الأبيض المتوسط ذات اللون الأزرق الشبيه بالكوبالت من ميناء برينديزي جنوب إيطاليا. تتفاوض سفن الرحلات البحرية والشحن ونقل الغاز الطبيعي المسال بصورة متنامية على مجموعة متشابكة من الأرصفة البحرية الخرسانية المجهزة بالكابلات والرافعات والحاويات.
يُنقل الغاز الطبيعي المسال عبر برينديزي بأحجام هي الأكبر على الإطلاق نظراً لأن الاتحاد الأوروبي يرفض استيراد الغاز الطبيعي الروسي. قبل غزو أوكرانيا، كان الغاز يتدفق بحرية من الشمال إلى الجنوب. في الوقت الحالي، انقلب هذا الاتجاه حيث يحل الغاز من شمال أفريقيا والشرق الأوسط محل الغاز الروسي، عن طريق خطوط الأنابيب وحاويات الغاز الطبيعي المسال التي غالباً ما تُفرغ على الساحل الجنوبي لإيطاليا، في بلدات على غرار برينديزي.
يسهم الاتحاد الأوروبي في دفع تكاليف توسيع ميناء برينديزي للسماح لحاويات أكثر بالمرور عبر الرصيف. بدأ خط أنابيب جديد، يسمى "إيست ميد - بوسيدون" (EastMed-Poseidon)، يشق طريقه من إسرائيل. تعتزم شركة نقل الغاز الإيطالية "سنام" (Snam) استثمار 2.4 مليار يورو (2.7 مليار دولار) في شبكة خطوط أنابيب على امتداد الساحل الشرقي لإيطاليا.
تعارض جماعات الدفاع عن البيئة مشروع خط الأنابيب وتوسيع الميناء خشية التأثير المحتمل على الحياة البحرية. يساور القلق سكان برينديزي منذ مدة طويلة من أن أعمال البناء المرتبطة بالطاقة، ستضر بجمال بلدة قديمة تتميز بالشوارع المرصوفة بالحصى والأعمدة الرومانية. لكن يوجد آخرون يستمتعون بمكانة المدينة المتنامية في التجارة العالمية، علاوة على تزايد التوظيف في منطقة فقيرة نسبياً من إيطاليا. تشير غابرييل مينوتي ليبوليس، رئيسية جمعية "كونفيندوستريا برينديزي" للأعمال: "نفخر بدورنا ونبذل قصارى جهدنا للتصدي للتحديات والاستفادة من الفرص الجديدة".
بلد يتحوط ضد رهاناته
تستقل يومياً 60 شاحنة من شركة "إكس بي أو" (XPO) عبارات بحرية تسافر عبر مضيق جبل طارق، حيث تنقل قطع غيار السيارات والملابس والبضائع الأخرى من أفريقيا إلى أوروبا. تتزاحم مركبات "إكس بي أو" عبر ميناء قريب من طنجة، وهي مدينة مغربية قديمة تتميز بالمنازل المطلية باللون الأبيض والشوارع المتعرجة. اُفتتح ميناء "طنجة المتوسط" فقط خلال 2007 ليصبح فعلاً أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في أفريقيا.
في غرينويتش حيث مقر "إكس بي أو" في ولاية كونيتيكت، ارتفعت مؤخراً الإيرادات السنوية في المغرب، بمقدار 99 مليون دولار، بنسبة 30%. تكشف أعمالها المزدهرة إلى أي مدى تعيش البلاد وضعاً مثالياً يؤهلها للنجاح. لا يهم "إكس بي أو" ما إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة تواصلان الاعتماد على التصنيع في الصين أو عوضاً عن ذلك تسريع تحويل سلاسل توريدهم لتكون قريبة من الوطن. كثيراً ما تعاملت الشركة مع أعمال الشحن للشركات الأميركية والأوروبية. في الوقت الراهن، لديها شركتا تصنيع قطع غيار صينية من بين أكبر عملائها.
يزخر شمال المغرب الريفي بمصانع الشركات الأوروبية والأميركية. يعمل آلاف المغاربة فعلاً في شركة "رينو" ومصانع تجميع السيارات الأخرى، وتعتزم شركة "بوينغ" الأميركية العملاقة للطائرات زيادة العاملين بما يصل إلى 8700 وظيفة بحلول 2028. يوسع الميناء مساحة الرصيف للتعامل مع طفرة المركبات الكهربائية.
تخطط الحكومتان الصينية والمغربية لتحويل المناظر الطبيعية الوعرة للتلال المتموجة ومزارع الأغنام، على بعد نصف ساعة بالسيارة إلى داخل المدينة وصولاً لما يطلق عليه مدينة طنجة التكنولوجية أو (Tanger Tech City)، إلى موطن لمئات الشركات الصينية. يبين لويس جوميز، الرئيس الأوروبي لشركة "إكس بي أو" أن المغرب يقتنص الفرص من دول عديدة للغاية ويمكننا القول، دول قوية، ترغب في الاستثمار وتريد الإنتاج والتسويق التجاري عبر المغرب".
المصانع متطورة التكنولوجيا مشكلة للمجتمعات محدودة التطور
في بلدة كيكويو الزراعية اليابانية، يبدأ الصباح باختناقات مرورية تعد من الأسوأ في البلاد. يعاني الكثير بين آلاف المهندسين من تنقلات تستغرق 90 دقيقة، حيث يمرون على حقول الفجل الأبيض والجزر. يمثل ذلك الثمن الذي يدفعونه مقابل العمل في بلدة ستصبح قريباً مركزاً لأشباه الموصلات الأكثر تطوراً في البلاد.
لاسترداد ريادتها السابقة في القطاع، تعتزم اليابان توفير 14 مليار دولار إعانات للمصانع وخطوط الإنتاج الجديدة. تدفع الحكومة نصف تكلفة مصنع "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" في كيكويو وتجري محادثات للمساعدة حول تمويل مصنع ثان قريب. من وجهة نظر الولايات المتحدة الأميركية، توجد فوائد لتصنيع هذه الرقائق الحيوية خارج تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.
يتفاقم الشعور بالاستياء وسط سكان كيكويو، ما يقوض الدعم السياسي لطموحات القطاع المعتمد على مادة السيليكون في البلاد. يسلك كثير من السائقين حالياً طرقاً جانبية لتفادي الازدحام، ويتنقلون بسرعة عبر ممرات ضيقة مجاورة لمزارع المدينة.
ينتقد ساتورو فوتا، عضو مجلس مدينة كيكويو منذ مدة طويلة قائلاً: "لا تجلب (تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ) إلا المتاعب". يُلقي الرجل البالغ من العمر 70 سنة باللائمة على حركة المرور المرتبطة بشركة أشباه الموصلات في وفاة 3 أصدقاء له. تؤكد الشركة أنها تتعاون مع الحكومات المحلية لتوسيع الطرق وتشجيع موظفيها على استخدام وسائل النقل العام.
الهند تزاحم الصين
يتعرض عمال شركة "ديكسون تكنولوجيز" في الهند لـ"حمام هواء" قبل دخولهم لأرضية المصنع حيث يجمعون أجزاء الهواتف المحمولة، لنفض أي غبار.
لتصنيع هاتف واحد، ينبغي تجميع مئات الأجزاء في المصنع، كما لو كانت أحجية من الصور المجزأة الدقيقة. يتطلب تجميع الهاتف الواحد من نوع "موتورلا" الحديث البراق 45 دقيقة تقريباً.
للحد من اعتماد الهند على الصين، يقدم رئيس الوزراء ناريندرا مودي حوافز مالية لتطوير المصنعين المحليين مثل "ديكسون"، التي تعمل بمدينة نويدا، على مسافة 40 كيلومتراً تقريباً من نيودلهي. في الوقت الراهن، تبلغ حصة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي للهند 13%، ما يعد أقل كثيراً من هدف مودي البالغ 25%.
تتفوق الصين على الهند في تصنيع تكنولوجيا متطورة - ما يطلق عليه بالقيمة المضافة التي تدفع المستهلكين إلى الدفع أكثر في مقابل منتجات مثل الإلكترونيات. تشير بكين إلى أن القيمة المضافة للشركات المصنعة الصينية تبلغ حالياً 49%، وذلك بالمقارنة مع 20% في الهند.
تستعين شركات تحمل علامات تجارية بـ"ديكسون" بوصفها شركة تصنيع تعاقدي. علاوة على "موتورلا"، تشمل قائمة عملاء نشاطها لتجميع الهواتف شركات "سامسونغ إلكترونيكس" و"نوكيا" و"ريليانس جيو" (Reliance Jio) و"شاومي". تضاعفت إيرادات ديكسون السنوية، وكان آخرها 1.5 مليار دولار، خمس مرات مقارنة مع 5 أعوام ماضية. يوضح المدير المالي سوراب غوبتا أن "المصنع يعمل بنسبة 100% من طاقته الإنتاجية"، مضيفاً أن الهند ستحتاج لمزيد من السعة الإنتاجية لأشباه الموصلات لتتمكن من منافسة الصين. اختتم : "التغيير سيكون بطيئاً ويتطلب جهداً كبيراً".