بلومبرغ
قد يؤدي قرار السعودية بتمديد تخفيضات إنتاج النفط الحالية إلى الضغط على اقتصاد المملكة بعد أن كان الأكثر نمواً في مجموعة العشرين خلال العام الماضي.
إذا ما حدث ذلك؛ فسيكون الأمر تحولاً قوياً للاقتصاد الذي تبلغ قيمته 1 تريليون دولار، بعد أن ارتفع بنسبة 9% تقريباُ في عام 2022، وساعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في كل شيء من الرياضة إلى السياحة والمدن الجديدة.
جاء الازدهار مدفوعاً بإنتاج خام قياسي بلغ حوالي 10.5 مليون برميل يومياً وبلغ متوسط الأسعار 100 دولار للبرميل، إذ تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في اضطراب أسواق الطاقة.
والآن، مع التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي يلقي بثقله على الطلب على النفط الخام؛ تخفض الرياض إنتاجها هذا الشهر بالقرب من 9 ملايين برميل فقط يومياً، وهو مستوى نادراً ما وصلت إليه المملكة في العقد الماضي. وأدت هذه الخطوة إلى رفع الأسعار مؤخراً، ولكن بشكل طفيف. حيث يتداول خام برنت حول 78.50 دولار للبرميل، وهو أقل بنحو 9% عن بداية العام.
سيكون خفض الإمدادات عبئاً على أكبر مصدر للنفط في العالم. سينخفض الاقتصاد بنسبة 0.1% هذا العام إذا رفعت الحكومة الإنتاج في سبتمبر، وبنسبة 1% إذا استمرت في المسار لبقية عام 2023، وفقاً لـ "بلومبرغ إيكونوميكس".
قال جان ميشيل صليبا، اقتصادي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "بنك أوف أميركا": "الخفض السعودي قد يكون مكلفاً".
وتتمثل الحالة الأساسية لتوقُّعات البنك الأميركي في تباطؤ النمو إلى 0.9%. لكنَّه يتوقَّع انكماشاً بنسبة 0.6% إذا لم يتم التراجع عن تخفيضات إنتاج هذا العام. وفي حال تراجع الاقتصاد لهذا المستوى؛ ستتذيل المملكة العربية السعودية قائمة مجموعة العشرين بعد الأرجنتين، وفقاً لاستطلاعات "بلومبرغ".
توسع الاقتصاد غير النفطي
يشار إلى أنَّ بعض المحللين متفائلون بأنَّ الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن ينمو حتى إذا استمرت التخفيضات حتى عام 2024. وترى آمي مكاليستر من "أكسفورد إيكونوميكس" أنَّ الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع بنسبة 0.3% في هذا السيناريو.
وما يزال الاقتصاد غير النفطي -حيث يعمل السواد الأعظم من السعوديين، والذي تهدف خطة رؤية 2030 لولي العهد إلى تعظيمه- مزدهراً. فقد عززت الشركات الخاصة خارج صناعة النفط طلباتها بأسرع معدل على الإطلاق في يونيو، وفقاً لمؤشر مديري المشتريات.
قال زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "بلومبرغ إيكونوميكس": "هذا هو القطاع المهم حقاً لخلق فرص العمل وأرباح الشركات".
وتقول الحكومة إنَّ الاقتصاد غير النفطي سيتوسع على الأرجح بنسبة 5.8% هذا العام.
قال متحدث باسم وزارة المالية السعودية: "يركز التحول والتنويع الاقتصادي السعودي في إطار رؤية 2030 على الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي".
ومع ذلك؛ أدت توقُّعات انخفاض إيرادات النفط إلى وضع ميزانية المملكة في عجز وقد يجبرها هذا على اقتراض المزيد.
هناك بالفعل بعض الإشارات على ذلك؛ فقد باعت الحكومة 16 مليار دولار من سندات اليوروبوند حتى الآن هذا العام، على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة في الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة وبنوك مركزية أخرى التضخم. في حين قال المسؤولون السعوديون إنَّ ذلك يعود جزئياً إلى إعادة تمويل الديون القائمة، لكنَّه أكثر مما أصدرته المملكة في عامي 2021 و2022 مجتمعين، وفقاً لبيانات "بلومبرغ".
نقطة التعادل
يتوقَّع العديد من محللي الطاقة، وكذلك المملكة العربية السعودية نفسها، أن تنتعش سوق النفط خلال بقية عام 2023 مع نمو الطلب في الصين والهند. في مثل هذا السيناريو؛ من المرجح أن ترتفع الأسعار. تتوقَّع مجموعة "غولدمان ساكس" قفز سعر النفط الخام إلى 86 دولاراً للبرميل بحلول ديسمبر.
في الوقت الحالي، الأسعار أقل بكثير مما تحتاجه المملكة العربية السعودية لتعادل موازنتها. وضع صندوق النقد الدولي، في أحدث توقُّعاته، سعر التعادل للنفط لهذا العام عند حوالي 81 دولاراً للبرميل.
وذلك يعتمد على إنتاج 10.5 مليون برميل يومياً. كما أنَّه يستبعد إنفاق الصندوق السيادي وكيانات الدولة الأخرى على المشاريع العملاقة التي أطلقها ولي العهد، بما في ذلك مدينة نيوم الجديدة. ويقول اقتصاديو "بلومبرغ" إنَّ تعادل الموازنة يحتاج إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل عندما يؤخذ ذلك في الاعتبار.
ما تزال تدفقات النفط حاسمة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، على الرغم من كل جهود التنويع التي بذلتها منذ بدء رؤية 2030 في عام 2016. شكّل النفط 80% من الصادرات في عام 2022. ويرتفع إلى 93% عندما يتم تضمين المواد الكيماوية والبلاستيك، ومعظمها مشتق من النفط الخام، وفقاً لزياد داود من "بلومبرغ إيكونوميكس"، الذي قال عن تنوع الاقتصاد: "بالنظر إلى الأداء على مدى السنوات السبع الماضية؛ ما يزال التقدم في هذا المجال غير كافٍ".