بلومبرغ
حذر رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ من أن محاولات الحكومات تسييس اقتصاداتها لن تسفر سوى عن حالة تشظٍّ على مستوى العالم، وذلك في الوقت الذي "تُقلص" الولايات المتحدة وأوروبا الاعتماد على سلاسل توريد الدولة الآسيوية.
قال ثاني أكبر مسؤول حكومي صيني، اليوم الثلاثاء: "الحواجز الخفية التي وضعها بعض الأشخاص في الأعوام الأخيرة منتشرة وتدفع العالم إلى التشرذم، وقد تصل حتى إلى الصدام". جاء ذلك على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي للأبطال الجدد في تيانجين، وهي مدينة ساحلية تقع قرب بكين شمال الصين.
أضاف "لي" خلال أول اجتماع حضوري للمنتدى منذ 2019 بعد نهاية قيود احتواء وباء كوفيد: "ينبغي أن نقاوم تسييس القضايا الاقتصادية وأن نعمل معاً للحفاظ على سلاسل التوريد والسلاسل الصناعية العالمية مستقرة وتعمل بسلاسة وآمنة".
غالباً ما توصف هذه الفعالية بأنها "دافوس الصيف". وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الصيني في وقت تواصل فيه إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، العمل على أمر تنفيذي سينظم وربما سيقطع بعض الاستثمارات الأميركية عن الصين، بحسب أشخاص على دراية بالخطط.
ورغم أن الحرب الروسية في أوكرانيا أشعلت محاولة انتفاضة عسكرية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنها ألقت بمزيد من الشكوك إزاء الاستقرار المستقبلي لأسواق الطاقة العالمية.
كان خطاب "لي" فرصة نادرة الحدوث للاستماع للمسؤول الصيني الأول وهو يضع خارطة طريقه لثاني أكبر اقتصاد حول العالم، إذ يعطي انتعاشه إشارات تحذيرية متنامية.
نظرة إيجابية
توقع رئيس مجلس الدولة الصيني نظرة إيجابية للاقتصاد المحلي، مؤكداً للمستثمرين على أن الصين "واثقة للغاية وقادرة بصورة كاملة" على تطوير نمو مستقر وعالي الجودة في الأجل البعيد. أضاف أن البلاد "ستقدم تدابير أكثر عملية وفاعلية" إزاء زيادة الطلب المحلي وتحفيز ديناميكية السوق.
جاءت هذه الوعود تكراراً بصورة كبيرة لتصريحات سابقة أدلى بها مسؤولون صينيون، ووفرت إجابات قليلة ملموسة على أسئلة المستثمرين الذين كانوا في حالة تأهب قصوى لمجموعة من تدابير دعم جديدة لتعزيز الاقتصاد منذ خفض البنك المركزي لسعر الفائدة مؤخراً خلال يونيو الماضي.
بعد انخفاضها لمدة 5 أيام متتالية، ارتفعت الأسهم الصينية في التعاملات المبكرة واستمرت في تحقيق مكاسبها اليوم الثلاثاء، ما يعكس على الأرجح تحسن ثقة المستثمرين إذ تصدى بنك الشعب الصيني لتدهور اليوان من خلال تثبيته لسعر الصرف يومياً. ارتفع مؤشر "هانغ سينغ تشاينا إنتربرايز" (Hang Seng China Enterprises) 2.4%.
وقال فاي سيرن لينغ مدير عام "يونيون بانكير برايفي" (Union Bancaire Privee): "هناك تفاؤل محدود بفضل الخطاب، لكنني لا أعتقد أنه أعلن عن أي أمر ملموس يمكن البناء عليه".
نمو 5%
أشار "لي" إلى أن الصين في طريقها لتحقيق هدف النمو الحكومي البالغ 5% تقريباً، وهو هدف يُعتبر متحفظاً فعلاً. رغم أن بنوكاً استثمارية كبرى عديدة خفضت توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها ما زالت تتوقع نمو الاقتصاد 5.5% السنة الجارية، بحسب التقدير الأوسط لاستطلاع رأي بلوميرغ.
قال جاري نغ، خبير الاقتصاد في "ناتيكسيس" (Natixis): "يبدو أن الصين واثقة نوعاً ما على صعيد تحقيق هدف النمو، عن طريق توفير تحفيز اقتصادي أكبر قادم وربما تخفيف التدابير التنظيمية أيضاً".
على الأرجح سترد تفاصيل أكثر في أعقاب اجتماع مهم الشهر المقبل للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، أعلى هيئة صنع قرار بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
دعوة للأوروبيين
تمثل الفعالية التي تستمر 3 أيام في تيانجين فرصة للصين لجذب رؤوس الأموال الخارجية والحكومات العالمية. ويحضر المنتدى قادة من مجالي الاقتصاد والسياسة، بمن فيهم رئيس الوزراء النيوزيلندي كريس هيبكينز، والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا، ووزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل علي إبراهيم.
جاء خطاب "لي" في أثناء الفعالية بعد أن سافر إلى أوروبا الأسبوع الماضي للقاء قادة من ألمانيا وفرنسا، في محاولة لإعادة العلاقات مع شركاء بكين التجاريين الرئيسيين إذ تضع برلين اللمسات الأخيرة على استراتيجيتها الأمنية المحدثة تجاه الصين.
في أول رحلة خارجية له بوصفه رئيساً لمجلس الدولة، اجتمع لي أيضاً مع وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التي تعتزم زيارة بكين أوائل يوليو المقبل لبدء أول محادثات اقتصادية على مستوى رفيع مع نظيرتها الصينية الجديدة، وفقاً لأشخاص على دراية بالجدول الزمني الأسبوع الجاري.
يسعى الحليفان الأميركي والأوروبي للحد من اعتمادهما على سلاسل التوريد الصينية لأجل "إزالة مخاطر" تتهدد اقتصاداتهما، وهو نهج انتقدته بكين بوصفه صورة من صور الانفصال تعتبر أن من شأنها أن تضر بالنمو والاستثمار. في أثناء رحلته الأسبوع الماضي، حث لي الرؤساء التنفيذيين للشركات الألمانية على تولي زمام المبادرة في أمور مكافحة المخاطر التي تهدد سلاسل توريدهم، زاعماً أنهم في وضع أفضل لفعل ذلك أكثر من حكوماتها.
كرر "لي" تلك الرسالة اليوم الثلاثاء. شدد على "أن الشركات هي الأكثر حساسية وتتمتع بوضع أفضل لتقييم مخاطر من هذا النوع. ولا ينبغي للحكومات والمنظمات ذات الصلة أن تتمادى في ذلك، فضلاً عن الاهتمام المفرط بمفهوم المخاطرة أو تحويله لأداة أيديولوجية".
الاستثمار الأجنبي
يسعى "لي" لاجتذاب المستثمرين الأجانب في ظل تراجع الثقة بالأسواق. تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الشهور الأخيرة، ما جردها من مكاسب الربع الأول من العام الجاري. بيّن استطلاع رأي لغرفة التجارة بالاتحاد الأوروبي نُشر الشهر الحالي أن قسماً قياسياً من الشركات الأوروبية يشير إلى تفاقم صعوبة ممارسة الأعمال التجارية في الصين.
وقال جاري نغ، الخبير الاقتصادي في "ناتيكسيس" (Natixis): "ما زلنا نحتاج لدراسة نوعية السياسات اللاحقة التي تعد حقاً من العوامل الأساسية المُحددة لمدى سهولة استمرار الشركات الأجنبية في الاستثمار في الصين، إذ أن التصريحات مهمة لكننا نحتاج أيضاً لدارسة ما يتبعها من إجراءات".