ثورة دول "بريكس" على الدولار لا طائل منها

استبدال عملة ليبرالية مدعومة من دولة ديمقراطية بأخرى تهيمن عليها دولة شمولية ذات ضوابط رأسمالية غير مستساغ

time reading iconدقائق القراءة - 6
اليوان الصيني سجل أعلى مستوياته في أربع سنوات لكنه يواجه مقاومة من الدولار الذي يرتفع بدعم من سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
اليوان الصيني سجل أعلى مستوياته في أربع سنوات لكنه يواجه مقاومة من الدولار الذي يرتفع بدعم من سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يتعرض الامتياز الضخم الذي تتمتع به الولايات المتحدة من كون الدولار بلا لبس هو العملة الاحتياطية العالمية للهجوم مرة أخرى. تحاول الدول الناشئة المكونة لمجموعة "بريكس" وهم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا جذب من تتعلق أنظارهم بالمجموعة عبر إثارة الحديث عن منافس للإطاحة بالدولار الملك. لكن تفشل المحاولة نتيجة شتى الأسباب المعتادة، وكما غنّى الملك نفسه، إلفيس بريسلي: تحدث أقل قليلاً، وافعل أكثر قليلاً، من فضلك!

في وقت لاحق من الأسبوع الماضي، اجتمع وزراء خارجية دول "بريكس" في كيب تاون بجنوب أفريقيا مع ممثلين من دول أخرى مثل السعودية والإمارات وكازاخستان. والاجتماع كان بمثابة إحماء للحدث الرئيسي إذ من المقرر أن يجتمع رؤساء الدول في أواخر أغسطس في جوهانسبرغ، مع ذلك قد يتغير الموقع حتى يتمكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الحضور دون المخاطرة باعتقاله بموجب أمر من المحكمة الجنائية الدولية. ليس هناك الكثير من المبادئ الأخلاقية العالية التي تحدد طبيعة الاجتماعات؛ وإنما هي محاولة مقنَّعة للإطاحة بالنظام العالمي القائم على القواعد المعتمَدة بعد الحرب العالمية الثانية.

تأثير "بريكس" كبير لكنه غير مؤثر

بعد غزوها لأوكرانيا، جمّدت الولايات المتحدة وأوروبا ما قيمته 300 مليار دولار من العملات الأجنبية واحتياطيات الذهب الروسية، ما عزز احتمال مصادرة الأصول الخارجية للدول التي تتعارض تصرفاتها مع المصالح الغربية. هنا، يوجد نقطة تتعلق بالتجاوزات المحتملة، فمع انتشار العقوبات الغربية على الجهات الحكومية السيئة في السنوات الماضية، لا ينبغي لحكومة الولايات المتحدة أن تتجاهل تداعيات عملها الانتقامي ضد بوتين. وتوجب المصلحة الذاتية المستنيرة عليها أن تقدم وضوحاً أكبر بشأن ما ستفعله وما لن تفعله في المستقبل. المفارقة هي أن حديث خفض الاعتماد على الدولار يعود تماماً في الوقت الذي تسوي به الولايات المتحدة خلافات سقف ديونها.

كيف أصبحت "بريكس" مؤثرة ولماذا يريد الآخرون الانضمام إليها؟

تأثير تحالف "بريكس" قد يكون كبيراً، نظراً لأنه يضم 42% من سكان العالم. لكن، من الجانب الاقتصادي، يساهم فقط بـ23% من إجمالي الناتج العالمي و18% فقط من التجارة. تقدّر جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت"، أن الدولار مستخدم في 42% من معاملات العملات، وحصة اليورو تبلغ 32% لكن لا يقترب من نفس تأثير العملة الخضراء خارج أوروبا وأجزاء من شمال أفريقيا، أما اليوان الصيني، فيساهم بنحو 2%، إذ لا يمتد استخدامه خارج السوق المحلية امتداداً واسعاً حتى داخل آسيا، أو خارج التمويل المرتبط بالتجارة.

مقومات العملة الاحتياطية

العنصر المحدد لأي عملة احتياطية هو كونها ثاني أكثر عملة استخداماً في المعاملات المحلية، وإلى حدٍ كبير، الدولار هو طريقة التبادل الأكثر استخداماً في جميع أنحاء العالم بعد عملة كل دولة، ويتجاوز العملات المحلية في بعض الأحيان. أيضاً كل السلع تقريباً، بما في ذلك النفط والذهب، تُتداول بالدولار. حتى العملات المشفرة تقترن حصرياً تقريباً بالدولار. العنصر الثاني المهم أيضاً لعملة احتياطية هو استخدامها كمخزن للقيمة، وفي هذا الصدد، يقدّر صندوق النقد الدولي أن 59% من احتياطيات البنوك المركزية العالمية هي بالدولار، ويشكل اليورو 20% منها، واليوان 5% فقط.

تحرص 19 دولة على الانضمام لمجموعة "بريكس"، حسبما أفادت "بلومبرغ نيوز"، ودُعيت رسمياً بالفعل 13 دولة. لكن وجود عدد أكبر من المصالح المتضاربة سيجعل الفكرة أقل قابلية للنجاح، مع ذلك، تبقى العملة الموحدة على جدول الأعمال. تتمثل إحدى الأفكار الروسية في جعلها مدعومة جزئياً بالذهب- لكن نقل سبائك الذهب ليس بالأمر السهل.

"بريكس" تدرس التوسع وسط سعي السعودية وإيران لعضوية المجموعة

رغم إجماع الدول على كراهية النفوذ الواسع لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية، فإن الاختلافات الجوهرية بين دول المجموعة واسعة للغاية بحيث يتعذر عليها تحقيق تقدم. قد يكون النفط الروسي الرخيص حالياً جذاباً للغاية للدول المستوردة للنفط والغاز، لكنه ليس أساساً طويل الأجل للتجارة العالمية.

لا بديل مستساغ للدولار

سلط محافظ بنك الاحتياطي في جنوب أفريقيا، ليسيتجا كغانياغو، الضوء الشهر الماضي على أن أي عملة قانونية مدعومة من "بريكس" تتطلب بنكاً مركزياً واحداً. كما هو الحال مع مبادرة الحزام والطريق الممتدة من آسيا إلى أوروبا، من المستحيل تخيُّل أن الصين لن تهيمن على أي منتدى أوسع لمجموعة "بريكس"، ما يجعل شنغهاي المكان الأكثر احتمالاً لبنك "بريكس" المركزي. ولا يُرجح أن يمر هذا الأمر مرور الكرام على الهند، التي كثيراً ما تشهد مناوشات حدودية مع الصين. وبالتالي، لن يكون مستساغاً استبدال عملة ليبرالية مدعومة من دولة ديمقراطية بفكرة تهيمن عليها دولة شمولية ذات ضوابط رأسمالية.

جنوب أفريقيا تمنح الحصانة لمسؤولي "بريكس" بعد دعوة بوتين

إذا لم تستطع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ابتكار عملة لتسعير النفط، فما فرصة مجموعة عشوائية من الدول المتباينة جغرافياً؟ يتعثر تطبيق مفهوم عملة تجارية في أميركا الجنوبية تُسمى "سور" (sur) لأن مصالح البلدان الأصغر ستختنق تماماً بسبب اقتصاد البرازيل الأكبر.

دول "بريكس" بعضها غني بالموارد لكن معظمها فقير بالموارد. ولا توجد بينها دولة، سواء بمفردها أو مجتمعة، قادرة على إطلاق عملة بديلة إذ يجب أن يتحقق أولاً تقدم جوهري وملموس في التجارة بين المجموعة. قد تكون هيمنة الدولار مزعجة ولكن لا يوجد له بديل قريب من الحد الأدنى اللازم توافره من العناصر، لذا يمكنك الثورة على الدولار بقدر ما شئت.. لكنه لن يتأثر بالهتاف.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيويورك

12 دقائق

3°C
مطر خفيف
العظمى / الصغرى /
37 كم/س
87%
الآراء الأكثر قراءة