تعثر الاقتصاد الألماني قد يؤدي لتدهور الأسهم الأوروبية

ألمانيا تدخل ركوداً فنياً ومؤشر “STOXX 600” الأوروبي يقارب مستويات قياسية

time reading iconدقائق القراءة - 14
مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت في ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت في ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تتحدى البورصات القوانين الثابتة في أغلب الأوقات، لا سيما في ظل تيسير الائتمان وتوافره. لكن مع استعداد "البنك المركزي الأوروبي" (ECB) لزيادة تشديد الأوضاع النقدية، ومع بدء تعثر ألمانيا، الاقتصاد الأكبر بمنطقة اليورو، فربما تواجه الأسهم الأوروبية لحظة الأزمة المفاجئة التي لن تدركها إلا بعد فوات الأوان.

يدور مؤشر "داكس" (DAX) الألماني للأسهم قرب أعلى مستوياته، رغم دخول البلد في ركود فني، بعد إعلانها انكماش الناتج المحلي الإجمالي في ربعين متتاليين. لكن هناك شيء غريب في الأمر، إذ يكمن الخطر في أن أسعار الأسهم الأوروبية ينبغي أن تشهد تصحيحاً منذ فترة طويلة. فالمكاسب الأخيرة التي دفعت المؤشر الألماني ومؤشر "ستوكس 600" (STOXX 600) الأوروبي قرب مستويات قياسية في ظل تراجع أحجام التداول، ما يشير إلى انعدام الثقة، حيث لم يشارك إلا قليل من المشترين في ظل تلك الأسعار المرتفعة.

تراجع طلب أميركا والصين

ارتفعت الأسهم الألمانية بفضل أرباح الربع الأول الكبيرة التي حققتها الشركات الصناعية العملاقة مثل "سيمنز" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس-بنز". لكن مع بدء تراجع طلبات التصنيع، ظهرت علامات استفهام حول استدامة تلك الأرباح.

قال مارتن بروديمولر، الرئيس التنفيذي لشركة "باسف" (BASF SE)، لـ"بلومبرغ نيوز" الشهر الماضي: "المشكلات التي نواجهها في ألمانيا تتراكم". ويتوقع "صندوق النقد الدولي" أن يحقق اقتصاد ألمانيا أسوأ أداء بين اقتصادات مجموعة الدول السبع في العام الجاري. فإذا تفاقم تعثرها، قد تجر منطقة اليورو كلها إلى ركود.

من ضمن المخاوف تخبط الصين بعد إعادة فتح اقتصادها عقب إنهاء القيود المرتبطة بالجائحة، إذ تركز على الاكتفاء الذاتي، في ظل مكاسب محدودة للمُصدرين الأوروبيين. فقطاع الصناعات الدقيقة في إيطاليا، وعلاماتها التجارية الفاخرة، معرضة للخطر. حقق مؤشر "كاك 40" (CAC 40) الفرنسي ارتفاعاً جديداً في أبريل، مدفوعاً بأسهم شركة "إل في أم أش مويت هنيسي لوي فيتون" (LVMH Moet Hennessy Louis Vuitton SE). لكن التدهور في قطاع السلع الفاخرة نظراً لتراجع الطلب في الولايات المتحدة والصين أدى لانخفاض أسهم شركة بيع السلع الفاخرة بالتجزئة.

انخفاض الناتج المحلي وارتفاع أسعار الطاقة

يتوقع الخبراء الاستراتيجيون في "بنك أوف أميركا" تدهور الأسهم الأوروبية بنسبة 20% هذا العام، استناداً إلى توقع ركود شديد. كما توقعوا أن التأثيرات السلبية لتضييق الائتمان ستضعف الزخم الاقتصادي في دول التكتل، ما سيقلل من أرباح الشركات. وتوقع الخبراء الاستراتيجيون في "دويتشه بنك" أيضاً تدهور الأرباح الأوروبية في النصف الثاني من العام الجاري، وتشير تقديراتهم إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا 0.3% هذا العام، وفقاً لتوقع "صندوق النقد الدولي"، وإلى انتعاش واضح بنسبة 0.5% فقط في 2024، مع ميل مخاطر التوقعات باتجاه الانخفاض. يشير غيّوم جايسون، المحلل الاستراتيجي في "غولدمان ساكس غروب" إلى أن "الأسواق ربما تتجاهل مخاطر الركود". فضلاً عن ذلك، تفتقر البورصات الأوروبية إلى أسهم شركات التكنولوجيا المرجح أن تستفيد من الضجة المثارة حول الذكاء الاصطناعي التي أدت إلى مكاسب ضخمة لبعض الشركات الأميركية، لا سيما شركة "إنفيديا" لصنع الرقائق الإلكترونية.

طالما اعتمدت ألمانيا على الطاقة الروسية الرخيصة في إمداد قاعدتها الصناعية ذات الشهرة العالمية بالطاقة، واعتمدت بشكل مماثل على الصين في شراء صادراتها الكبيرة. لكن نموذج المدخلات منخفضة التكلفة والإنتاج عالي القيمة انهار. فتراجع إجمالي إنتاج السيارات الألمانية إلى 3.3 مليون مركبة فقط بنهاية 2022، بعد أن قارب ضعف ذلك المستوى قبل 6 سنوات. كما ارتفعت أسعار الطاقة في ألمانيا بشكل أكبر من بقية مجموعة الدول السبع، نظراً لاعتمادها على واردات النفط والفحم والغاز من روسيا. كذلك، هناك عديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى المعرضة بشكل مشابه لارتفاع فواتير الطاقة في قطاع الصناعة.

يضغط التحالف الثلاثي الحاكم في ألمانيا لتقليص الموازنة الاتحادية للمرة الأولى في عدة سنوات، ويكافح لتمويل التحول الكبير في الطاقة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والنمو المحدود في الاستثمارات.

ارتفعت تكاليف ديون ألمانيا السنوية 10 مرات لتتجاوز 40 مليار يورو، بعد أن كانت 4 مليارات يورو في 2021، بسبب رفع "المركزي الأوروبي" لأسعار الفائدة، لكن بفضل القيود المالية طويلة الأجل، يمكن لألمانيا على الأقل الإسراف إذا دعت الحاجة، إذ تبلغ نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي 60%، ما يمنحها مجالاً كبيراً للحركة.

الائتمان يضغط على إيطاليا

لا يسري ذلك على أغلب دول اليورو الأخرى، إذ تبلغ نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا 145%، وهي رابع أكبر دولة في العالم من حيث عبء المديونية، وتتعرض بشكل أكبر لمخاطر ارتفاع تكاليف التمويل. وبينما تتأهب الدولة لتلقي نحو 200 مليار يورو (214 مليار دولار) منحاً وقروضاً من "صندوق التعافي من الجائحة" التابع للاتحاد الأوروبي، يتعين عليها أن تستوفي قائمة من المتطلبات الصارمة، منها إصلاح الموازنة ومراحل للتحقق، للحصول على تلك المنح والقروض.

ارتفع مؤشر "فوتسي إم آي بي" (FTSE MIB) للأسهم الإيطالية 12.5% هذا العام، ليبلغ في يناير أعلى مستوى في أكثر من عقد. وكان النمو الاقتصادي لثالث أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي ضئيلاً في القرن الجاري، وكان قطاعها المصرفي مصدراً للقلق، إذ إن الشركات لن تتمكن من التوسع في أعمالها دون إمكانية الحصول على ائتمان بوتيرة مستقرة ووافرة، للأسف؛ تراجع الطلب على القروض في دول منطقة اليورو مع بدء تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض.

المشكلة الأكبر هي تضييق الائتمان التي حذّر منها "بنك أوف أميركا". فهناك 4 إشارات مقلقة تشير إلى أزمة ائتمان وشيكة في إيطاليا، الأولى: هي أن ودائع الإيطاليين تقلصت 80 مليار يورو على مدى العام الماضي، ما يحد من قدرة البنوك على الإقراض، والثانية: أن الرصيد النقدي بالبنك المركزي الإيطالي سجل انخفاضاً تاريخياً إذ بلغ 15 مليار يورو بعد أن كان 75 ملياراً في يوليو. أما العلامة الثالثة، فهي أن "المركزي الأوروبي" توقف عن إعادة استثمار ما بحوزته من سندات بلغت آجال استحقاقها تحت "برنامج شراء الأصول" التابع له بقيمة 2.6 تريليون يورو، والذي ساعد سابقاً في وضع سقف لعائدات السندات الإيطالية.

وأخيراً، انتهى برنامج "المركزي الأوروبي" السخي لإقراض البنوك، المعروف باسم "عمليات إعادة التمويل المستهدفة طويلة الأجل" (TLTRO)، وكانت البنوك الإيطالية أكبر المستفيدين من هذا التسهيل الائتماني، حيث اعتمد نصف بنوك البلد على "المركزي الأوروبي" في التمويل، كما تعين على البنوك الإيطالية سداد 112 مليار يورو، إضافة إلى 143 مليار أخرى مستحقة في 23 يونيو، ويجب سداد مبلغ 180 مليار يورو المتبقي على مدار العام المقبل، فاستبدال نحو نصف تريليون يورو من السيولة خلال فترة قصيرة نسبياً سيشكل تحدياً للمنطقة كلها.

ومع تعطل قاطرة النمو الألمانية، يزداد ضعف بقية دول منطقة اليورو، فإذا لم يتحسن وضع ألمانيا، وحتى يتحسن وضعها، تتعرض الأسهم الأوروبية لمخاطر التدهور.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

برلين

9 دقائق

2°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
20.9 كم/س
85%
الآراء الأكثر قراءة