بلومبرغ
قد يساعد المزيد من أخبار التضخم المخيبة للآمال في إقناع صانعي السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة مرة أخرى، مما يقوي حجة أعضائه من الصقور بأنَّ هناك المزيد من العمل اللازم لاستعادة استقرار الأسعار.
أظهرت أرقام وزارة التجارة يوم الجمعة أنَّ مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ارتفع أسرع من المتوقَّع بنسبة 0.4% في أبريل.
قالت لوريتا ميستر، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، لشبكة "سي إن بي سي" في مقابلة في وقت متأخر من مساء الجمعة: "عندما ألقي نظرة على البيانات وأرقام التضخم؛ أعتقد أنَّنا سنضطر إلى التشديد النقدي أكثر قليلاً. كل شيء مطروح في يونيو".
"اتجاه خاطئ"
ارتفع ذلك المقياس 4.4% عن العام الماضي، مقارنة مع 4.2% في الشهر السابق. وباستثناء الغذاء والطاقة، ارتفع ما يسمى بمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 0.4% عن مارس و4.7% عن أبريل 2022.
قالت ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في "كاي بي إم جي" (KPMG) "هذا هو الاتجاه الخاطئ للاحتياطي الفيدرالي. سيركز (صانعو السياسة في) يونيو على الخروج من مشكلات سقف الديون، لكنَّ رفع الفائدة في يوليو يلوح في الأفق الآن".
ورفع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 5 نقاط مئوية في الـ14 شهراً الماضية للحد من التضخم الذي تجاوز ضعف هدفهم البالغ 2%. ومع كون سعر الفائدة القياسي حالياً في النطاق المستهدف من 5% إلى 5.25% بعد زيادة ربع نقطة هذا الشهر، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع قبل الماضي إنَّ بوسع صانعي السياسة "تحمّل مراقبة البيانات ومدى تطور التوقُّعات لإجراء تقييمات دقيقة".
سيحصل صانعو السياسة على قراءة إضافية للتوظيف وأسعار المستهلكين قبل الاجتماع المقبل للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في 13-14 يونيو. وقد يحجمون أيضاً عن رفع أسعار الفائدة ما دامت هناك حالة من عدم اليقين بشأن مصير مفاوضات سقف الديون في الكونغرس.
تباين في الآراء
ومع ذلك؛ رفع المستثمرون رهاناتهم على رفع سعر الفائدة الشهر المقبل إلى أكثر من 50% من 18% الأسبوع الماضي، مما يعكس النبرة المتشددة التي تنضح بها البيانات الأخيرة الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي بالإضافة إلى علامات قوة الاقتصاد. وجد التقرير يوم الجمعة أنَّ الإنفاق الاستهلاكي، المعدل حسب الأسعار، زاد 0.5%، وهي أكبر زيادة منذ بداية العام. وقفزت على أثر التقرير عوائد سندات الخزانة.
وقالت كاثي بوستانسيك، كبيرة الاقتصاديين في شركة "نيشن وايد لايف إنشورانس" (Nationwide Life Insurance) إنَّ "مزيج التضخم الذي يرتفع والإنفاق الاستهلاكي الذي ما يزال قوياً للغاية سيزيدان من احتمال رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرة أخرى في منتصف يونيو".
وبرغم ذلك؛ أكد بعض مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم رافائيل بوستيك رئيس الفيدرالي في أتلانتا وباتريك هاركر رئيس الفيدرالي في فيلادلفيا، أنَّ تأثير الأزمة المصرفية على الائتمان لم يظهر بعد، وأنَّ نتائج قرارات السياسة النقدية لا تظهر في الحال وإنما متأخرة، لذا؛ فإنَّ الكثير من التأثيرات السلبية لارتفاع معدلات الفائدة لم تنعكس بعد في البيانات الرسمية.
"للصبر حدود"
قال ديريك تانغ، الخبير الاقتصادي في "إل إتش ماير/موناتري بوليسي أناليتيكس" (LH Meyer / Monetary Policy Analytics)، التي رفعت توقُّعاتها لذروة أسعار الفائدة من 5.1% إلى 5.6% يوم الجمعة "سيستغرق الأمر وقتاً أكثر قليلاً لتحريكها بعد توقف مؤقت في يونيو، لكنَّه يزيد من فرصة رفع آخر بعد ذلك.. فكلما كانت البيانات الواردة أقوى؛ زاد احتمال أن يكون الارتفاع التالي في يوليو بدلاً من سبتمبر". و"للصبر حدود، وسيبدأ في النفاد إذا استمر الاقتصاد في النمو ولم تتفاقم ضغوط البنوك".
في اجتماعهم الذي انعقد في 2-3 مايو، قال مقررو السياسية النقدية إنَّهم غير متأكدين من حجم التشديد الإضافي للسياسة الذي قد يكون مطلوباً، ويوازنون بين التقدم الذي جاء أبطأ من المتوقَّع في مكافحة التضخم وسوق العمل المرنة مقابل احتمال حدوث أزمة ائتمان في أعقاب الاضطرابات المصرفية الأخيرة، وفقاً لمحضر الاجتماع الذي صدر في واشنطن يوم الأربعاء.
أما اقتصاديو بنك "غولدمان ساكس"؛ فقالوا في مذكرة يوم الجمعة إنَّهم ما زالوا يتوقُّعون أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير في يونيو، ولكنَّ "بيانات الإنفاق الاستهلاكي والتضخم هذا الصباح التي جاءت أقوى من المتوقَّع، بالإضافة إلى التنوع الكبير في وجهات نظر أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بشأن مسار السياسة المناسب؛ قد يحولان دون ذلك".
كل يحدد مساره
قال صندوق النقد الدولي في بيان يوم الجمعة إنَّه سيكون من الضروري للاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة ربع نقطة أخرى لإعادة التضخم إلى 2%. وأضاف أنَّه ينبغي لصانعي السياسة النقدية التأكيد على أنَّ معدلات الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة طويلة من الزمن- لمواءمة الأوضاع المالية مع مسار السياسة النقدية المستهدف - ولكن هذه السياسة أيضاً ستعتمد على البيانات الواردة.
قال إيثان هاريس، رئيس أبحاث الاقتصاد العالمي في "بنك أوف أميركا": "من الواضح أنَّ الاحتياطي الفيدرالي في وضع يعتمد على البيانات. من المحتمل جداً أن يتوقف مؤقتاً (عن رفع أسعار الفائدة) في يونيو ليرفعها لاحقاً. وفي هذه البيئة التي يكتنفها عدم اليقين؛ سيكون كل بنك مركزي، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي، مرناً في تحسس طريقه قدماً".