الشرق
يشكل التضخم أبرز مصادر قلق مديري الشركات في المغرب إلى جانب الأعباء الضريبية والمُنافسة غير العادلة مع اقتصاد الظل، وفق ما أظهرته دراسة حديثة نشرها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مُمثل القطاع الخاص. بعد هذه العوامل الثلاثة؛ تأتي مصادر القلق الأخرى التي تشمل صعوبة الحصول على التمويل، وارتفاع تكلفة العقارات، بحسب الدراسة.
مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات؛ بلغ معدل التضخم في المغرب ذروته للعام الجاري في فبراير عند 10.1%، قبل أن يتباطأ في مارس وأبريل إلى 8.2% و7.8% على التوالي، في ظل سياسة نقدية متشددة من البنك المركزي. وبرغم استمرار الحكومة في تقديم الدعم للعديد من المواد الأساسية، إلا أن ارتفاع الأسعار يبقى الهاجس الأكبر بالنسبة إلى قطاعات الأعمال، نظراً لتأثيره الكبير على ارتفاع التكاليف.
اقتصاد الظل، يُعد بدوره من أبرز التحديات التي تواجه المغرب، نظراً لحجمه الذي يقدر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب أرقام رسمية. وتسعى الحكومة إلى خفض هذه النسبة من خلال وضع نظام ضريبي خاص، وتوفير تمويلات ميسرة، وإنشاء مناطق اقتصادية، فضلاً عن تعميم الحماية الاجتماعية.
قال يوسف كراوي فيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إنَّ "نتائج الدراسة تعكس الواقع الصعب التي تشهده الشركات، بعدما وجدت نفسها في العام الماضي أمام مشكلات الالتزام بالنفقات مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، فيما تفاقم الوضع مع بداية 2023 بالمرور من الركود الاقتصادي إلى الركود التضخمي".
القلق مع التفاؤل
بحسب الدراسة؛ فإنَّ مسؤولي الشركات المغربية أعربوا عن قلقهم بشأن الوضع الاقتصادي، لكنَّهم ما زالوا متفائلين بشأن الأداء مستقبلاً، برغم التراجع الملحوظ للسيولة، وهبوط الربحية منذ أزمة كوفيد-19.
زادت الحكومة في موازنة 2023 الضرائب على الشركات على مدى السنوات الأربع المقبلة إلى 20% للشركات التي تقل أرباحها السنوية عن 100 مليون درهم (9.8 مليون دولار)، وإلى 35% للشركات التي تزيد أرباحها على 100 مليون درهم، مقابل 31% حالياً، بينما ستدفع البنوك وشركات التأمين ضريبة تبلغ 40% مقارنة بـ37% حالياً، وهو ما سيخفّض حتماً من مستوى ربحية الشركات.
أكثر من ثُلث الشركات المشاركة في الدراسة، أشارت إلى استعانتها بقُروض مضمونة من الدولة لمواجهة التكاليف الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الأولية، فيما أكدت 65% من هذه الشركات استمرارها في سداد القروض، مع وجود تأثير ملحوظ لارتفاع أسعار الفائدة.
كان بنك المغرب المركزي قد بدأ دورة التشديد النقدي في سبتمبر الماضي، إذ رفع سعر الفائدة حتى الآن ثلاث مرات ليصل إلى 3% في محاولة لمكافحة التضخم، كما وفّرت الحكومة دعماً لأسعار الكهرباء والنقل والسكر والدقيق وغاز البوتان، بلغ مجموعه 40 مليار درهم في العام الماضي.
كراوي قال في تصريح لـ"اقتصاد الشرق" إنَّ الشركات لجأت بوتيرة كبيرة إلى القروض المضمونة من الدولة في مرحلة ما بعد كورونا، لتمويل نفقاتها الشهرية، لكن، وبعد مرور عام تقريباً؛ وجدت نفسها في وضع أصعب بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وانعكاساتها على أسعار المواد الأولية وسلاسل الإمداد.
كل هذه الضغوط، نتج عنها تسجيل حالات إفلاس الشركات رقماً قياسياً في العام الماضي وصل إلى 12 ألف حالة. وقد تفاقم الوضع في الربع الأول من 2023 مع تسجيل 3830 حالة إفلاس، بزيادة 28% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفقاً لأرقام مكتب “أنفوريسك”، المتخصص في المعلومات المالية والقانونية.
تعامل حذر مع الاستثمار
البيئة الاقتصادية والاستثمارية الصعبة اليوم، لا يبدو أنَّها تقف عائقاً أمام التوجهات الاستثمارية للكثير من شركات القطاع الخاص، إذ إنَّ أكثر من نصف الشركات المغربية (64%)، تخطط للاستثمار خلال الأشهر الـ12 المقبلة، بحسب الدراسة. لكنَّ 8% فقط من المشروعات سيفوق حجم الاستثمار فيها 50 مليون درهم (4.9 مليون دولار)، مما يعني أنَّ قيمة الاستثمار تبقى ضعيفة بالنظر إلى حرص معظم الشركات على تحسين هيكلها المالي، وضمان استمرار عملياتها التشغيلية.
قال الخبير الاقتصادي يوسف كراوي فيلالي: إنَّ "الاستثمار سيكون بالأساس من الشركات الكبيرة والمتوسطة، لأنَّ لديها خُطوط ائتمان كبيرة". لكنَّه أكد أنَّ "الاستثمار بصفة عامة سيبقى ضعيفاً خلال العام الجاري، لأنَّ الشركات تتعامل بحذر شديد مع حالة عدم اليقين الراهن بشأن التوقُّعات الاقتصادية".
كان المغرب قد أقرّ مؤخراً قانون الاستثمار الجديد الذي يهدف إلى رفع حصة الاستثمارات الخاصة من الثلث إلى الثلثين من إجمالي الاستثمارات في المملكة بحلول 2035، مع تقديم الحكومة، كما هو مقرر، منحاً تصل إلى 30% من إجمالي الاستثمار.
قال الخبير الاقتصادي إدريس الفينة لـ"اقتصاد الشرق" إنَّ تشجيع الاستثمار في المغرب، يتطلب تقديم حوافز تشمل تخفيض الضرائب، وتوفير مناطق صناعية لفائدة المُستثمرين، وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات والأنشطة التجارية في البلاد.
يُذكر أنَّ موازنة المغرب لعام 2023 تتضمن ضخ استثمارات حكومية بقيمة 300 مليار درهم للدفع بعجلة الاقتصاد وتحقيق نمو بمعدل 4% خلال العام الجاري، في حين تشير توقُّعات بنك المغرب المركزي إلى أنَّ النمو لن يتجاوز 2.6% في 2023، فيما يتوقَّع "صندوق النقد الدولي" معدل نمو عند 3%.