الشرق
انتهت انتخابات الرئاسة التركية التي عُقدت الأحد 15 مايو بالانتقال لجولة ثانية بعد نحو أسبوعين بين رجب طيب أردوغان وكمال كيليجدار أوغلو، وهما المرشحان صاحبا أعلى نسبة تصويت بواقع 49.51% و44.88% على الترتيب، إذ كان الفوز بالسباق يتطلب حصد 50% من تأييد الناخبين وصوت إضافي آخر.
بينما تعهد أردوغان بالإبقاء على سياساته غير التقليدية حال بقائه في السلطة لفترة ولاية جديدة، أشار كيليجدار أوغلو إلى أنه سيتحول للاقتصاد التقليدي إذا فاز.
تولى أردوغان، البالغ من العمر 69 عاماً، منصب رئيس وزراء تركيا في مارس عام 2003 كان نظام الحكم وقتها برلماني، قبل أن يصبح رئيسياً للبلاد في أغسطس 2014 بعدما تحول نظام الحكم إلى رئاسي، واستطاع البقاء في الحكم حتى الآن رغم تعرضه لمحاولة انقلاب فاشلة في يوليو 2016، ويطمح في تأمين فترة ولاية جديدة لمدة 5 سنوات.
الاقتصاد التركي في عهد أردوغان أخذ في التطور منذ توليه الحكم مع إجراءات اتخذها تمكن من خلالها تحقيق معدلات نمو مرتفعة وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما ظلت معدلات البطالة ثابتة، إلا أن الحد الأدنى للأجور ارتفع بنحو 10 مرات.
ولكن.. كيف تطور الناتج المحلي لتركيا خلال عقدي أردوغان؟
في عام 2003، بلغ حجم اقتصاد تركيا 314.75 مليار دولار، لكنه بلغ 905.53 مليار دولار خلال 2022، ومُتوقع أن يصل إلى 1.03 تريليون دولار هذا العام، بحسب تقديرات صندوق النقد التي تضع في الحسبان أثر التضخم.
ويُتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الدولة التي يتجاوز عدد سكانها 85 مليون نسمة نحو 11.93 ألف دولار عام 2023 مقابل 4.68 ألف دولار قبل 20 عاماً.
ما هي معدلات النمو والدين؟
طوال 20 عاماً، لم ينكمش اقتصاد تركيا إلا مرة واحدة إبان الأزمة المالية العالمية. وحتى مع تداعيات كورونا نما الاقتصاد 1.9%، ويُتوقع أن ينمو 2.7% هذا العام، حسب تقديرات صندوق النقد، مقابل ارتفاعه 5.6% بالعام الماضي، ومقارنة مع نمو بلغ 5.8% عام 2003
يُرجح أن يرتفع إجمالي الدين الحكومي نسبة للناتج المحلي الإجمالي إلى 35% هذا العام من 31.2% بالعام الماضي، لكنها أقل بكثير من 65.2% المسجلة في عام 2003.
هل استطاع أردوغان السيطرة على مستويات الأسعار؟
رغم أن معدل التضخم السنوي تباطأ لأقل من 10% في العام التالي لتولي أردوغان السلطة مقابل 25.3% عام 2003، لكن التضخم تسارع بشكل حاد إلى 72.3% بالعام الماضي مقارنة مع 19.6% عام 2021، مع إصرار أردوغان على مخالفة الإجراءات المتعارف عليها بشأن العلاقة بين التضخم والفائدة.
تشير تقديرات صندوق النقد إلى أن التضخم في تركيا سوف يتباطأ إلى 50.6% هذا العام، مع تراجع تكاليف الطاقة.
البنك المركزي التركي خفض تكاليف الاقتراض بما يتوافق مع آراء أردوغان الاقتصادية، ليبلغ معدل الفائدة على الاقتراض لليلة واحدة في تركيا 7% في فبراير 2023 مقارنة مع 44% أواخر عام 2002، أي قبل توليه السلطة، كما أن الفائدة على الإقراض لمدة أسبوع (الريبو) تراجعت إلى 8.5% حالياً مقابل 24% أواخر عام 2018.
أردوغان تعهد بمواصلة خفض معدلات الفائدة طالما أنه ظل في السلطة، في تدخل صريح بالسياسة النقدية، وصرح بأن التضخم المرتفع هو نتيجة مترتبة على ارتفاع أسعار الفائدة، في اعتقاد يخالف النموذج السائد الذي يشير إلى أن العلاقة عكسية.
اقرأ أيضاً: التضخم يتباطأ في تركيا ويسجل أدنى مستوياته منذ أكثر من عام
كيف تعامل رجب طيب مع ملف البطالة؟
معدل البطالة في تركيا سجل 9.9% قبل عقدين من الزمن، لكن من المرجح أن يبلغ 11% هذا العام مقابل 10.5% في 2022، حسب بيانات صندوق النقد.
بينما كان صافي الحد الأدنى للأجر الشهري في تركيا يقل عن 1000 ليرة (50.75 دولار) قبل 20 عاماً، تجاوز اليوم 10 آلاف ليرة (506 دولارات)، ومن المخطط أن يصل إلى 15 ألف ليرة اعتباراً من يوليو المقبل، بحسب تصريحات أردوغان.
الزيادات المتكررة في الحد الأدنى للأجور جاءت مع تآكل الدخول بسبب التضخم الذي أسهم في رفع تكاليف المعيشة وأثر سلباً على مدخرات الأسر.
هل دعمت السياسات الاقتصادية الليرة التركية؟
في بداية حقبة أردوغان، أُقر قانونٌ مفاده حذف 6 أصفار من قيمة العملة للسيطرة على تدهورها الحاد، ليصبح سعر الصرف الليرة التركية يتداول عند مستويات تحوم حول دولار واحد، وتحركت العملة قليلاً لتتداول في حدود 4 ليرات لكل دولار حتى أواخر عام 2017، قبل أن تكسر عتبة 10 ليرات في نوفمبر 2021 وتتجاوز 16 ليرة أواخر العام نفسه.
مع استمرار أزمة العملة التركية، فإنها تتداول حالياً قرب مستويات متدنية تاريخياً عند أقل قليلاً من 20 ليرة، رغم ضوابط أسعار الصرف وتدخلات البنك المركزي في السوق.
اقرأ أيضاً: تركيا تريد القضاء على سعر الصرف الموازي لدعم استقرار الليرة
ويبقى التساؤل الذي لا يمكن حسم إجاباته.. هل سيستمر عاشر أكبر اقتصاد في العالم تحت قيادة أردوغان؟ أم يُحسم الأمر لصالح عهد جديد بقيادة كيليجدار أوغلو؟، جولة الإعادة المزمع عقدها يوم 28 مايو الجاري وحدها ستحدد مصير الدولة التي تقبع تحت أنقاض أزمة اقتصادية أركانها الفائدة والتضخم والعملة، تفاقمت مع زلزال مدمر في فبراير الماضي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.