الشرق
تعرّض اقتصاد تركيا في السنوات الأخيرة لضغوط كبيرة انعكست بصورة سلبية على أسعار العملة المحلية، ونتج عنها ارتفاعات قياسية في معدلات التضخم، فيما اتبعت البلاد نهجاً اقتصادياً معاكساً في محاربة زيادة الأسعار يعتمد على خفض تكلفة التمويل لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
ومع انطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية في تركيا اليوم؛ فقد يكون تدهور الليرة والتضخم المتفاقم أبرز نقاط الضعف التي تواجه أردوغان، فقد تبنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظريته الخاصة التي تقوم على خفض معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم وهو عكس النظريات الاقتصادية، الأمر الذي جعله على خلاف مستمر مع قادة البنك المركزي التركي، وترتب عليه تغيير محافظ البنك أكثر من مرة حتى جاء شهاب قاوجي أوغلو وسار في اتجاه الرئيس التركي نفسه.
منذ توليه المنصب منذ أكثر من عامين؛ خفّض محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قاوجي أوغلو، أسعار الفائدة تسع مرات، دون أن يرفعها مرة واحدة، برغم الحاجة لمواجهة أسوأ أزمة تكلفة معيشة تشهدها تركيا منذ عقود حيث تجاوزت معدلات التضخم 85% في 2022. تزامن ذلك مع مرور العالم بأجرأ موجة تشديد للسياسة النقدية منذ 40 عاماً، مما جعل تركيا في مرتبة نائية من حيث تكاليف الاقتراض بأدنى معدلات للفائدة في العالم عند تعديلها وفقاً للتضخم.
في معظم الاجتماعات الأخيرة، كان البنك المركزي التركي متجاوباً مع دعوات الرئيس لخفض معدل الفائدة القياسي 5.5 نقطة مئوية منذ أغسطس 2022. وعلى الرغم من تباطؤ التضخم في تركيا؛ لكنَّه يتجاوز 40% في أبريل على أساس سنوي.
وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي انطلقت اليوم الأحد، قال أردوغان: "إنَّ أسعار الفائدة ستنخفض طالما أنَّه بقي في السلطة، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض التضخم". وأضاف: "سنقدم النموذج التركي للعالم".
على الرغم من أنَّ السلطات تمسكت بسياسات تيسيرية للغاية ساعدت على دفع التضخم السنوي في عام 2022 لمستويات تاريخية، يشير تراجع تكاليف الطاقة والتأثير الإحصائي لفترة المقارنة المرتفعة العام الماضي إلى أنَّ الأسعار تهدأ بوتيرة حادة.
تباطأ التضخم إلى النصف تقريباً منذ أن بلغ ذروته في أكتوبر ليصل إلى نحو 44% على أساس سنوي في الشهر الماضي، مقابل 50.5% في مارس.
تقلبات الليرة
زيادة تقلبات الليرة التركية والتوقُّعات بانخفاض حاد في قيمتها مستقبلاً- بغض النظر عن نتائج الانتخابات- كانت حاسمة في قرار البنك المركزي الأخير في أبريل بحفاظه على أسعار الفائدة عند مستوياتها للشهر الثاني على التوالي بعد عمليات الخفض المتتالية.
فبحسب بيانات "بلومبرغ"؛ كثف المتعاملون سبل الحماية والتحوط من اضطرابات الليرة قبل أسبوع من الانتخابات التركية، إذ وصل مؤشر التقلبات المتوقَّعة في العملة إلى أعلى مستوى في عامين.
قفز مؤشر التقلب الضمني لليرة مقابل الدولار إلى 64%، من 8.4% يوم الجمعة متجاوزاً جميع العملات الأخرى.
يستعد المتعاملون لتراجع كبير في الليرة، بغض النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، وسط مخاوف بشأن استدامة جهود الحكومة للحفاظ على سيطرتها الصارمة على العملة طيلة السنوات القليلة الماضية. يرى متداولو المشتقات أنَّ ثمة احتمالاً كبيراً لانخفاض الليرة 25% إلى 26 مقابل الدولار بنهاية الربع الثالث، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" بناءً على أسعار خيارات عقود البيع والشراء.
السوق الموازية
في ظل تكثيف القيود على البنوك المحلية لبيع الدولار خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات الرئاسية؛ أصبحت ظاهرة سعرَي الصرف (السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية) أكثر رسوخاً في "البازار الكبير" في إسطنبول، وهو مركز قديم للتجار، حيث يجري تبادل الليرة عند مستوى أقل أمام الدولار مقارنة بسوق ما بين البنوك.
اتسع الفارق بين سعر صرف الليرة الرسمي بين البنوك والسعر الموازي في "البازار الكبير" ليصل إلى 7% صباح يوم الخميس، ثم عاد وبلغ 5.5% في مساء اليوم نفسه، حيث رفعت البنوك التجارية في تركيا تكلفة شراء الدولار في سوق ما بين البنوك، بعد أن طلب البنك المركزي منها تقليل بيع العملات الأجنبية إلى الشركات قبل أيام من إجراء الانتخابات.
سجلت الليرة أدنى مستوياتها القياسية، إذ انخفضت بنحو 4% مقابل الدولار منذ بداية 2023، لتصل نسبة تراجع الليرة إلى 89% تقريباً منذ عام 2014. ومع افتراض تطبيع السياسة النقدية بعد الانتخابات أيضاً؛ فإنَّ العملة التركية قد تنخفض 30% مقابل الدولار عن مستوياتها الحالية، بحسب "جيه بي مورغان".
التحوط بالذهب
ربما تكون تقلبات العملة والقيود على شراء العملات الأجنبية ضمن أسباب رئيسية في ارتفاع مشتريات تركيا من الذهب خلال العام الأخير، حيث قفزت مشتريات الأتراك من الذهب إلى أعلى مستوى منذ 2013 لتصل خلال الربع الأول من العام الجاري إلى نحو 60 طناً.
توقعات النمو
في ظل الضغوط التضخمية وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار؛ تباينت توقُّعات المؤسسات الدولية بشأن نمو الاقتصاد التركي، فقبل نحو أسبوع ماراثون الانتخابات الرئاسية التي انطلقت اليوم؛ تأرجح النمو المتوقَّع للاقتصاد التركي في 2023 بين 1.9% بحسب وكالة "ستاندرد أند بورز" إلى 3.2% بحسب توقُّعات البنك الدولي.