الشرق
سجّلت السياحة المغربية انتعاشاً قوياً بداية العام الحالي، وسط توقعاتٍ بتحقيقها أداءً استثنائياً في 2023 مع تدفق قادة المال والأعمال إلى المملكة للمشاركة بالاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، التي ستُعقد بمدينة مراكش بعد حوالي 5 أشهُر.
من المقرر أن تستضيف المدينة السياحية الأولى في البلاد هذه الاجتماعات من 9 إلى 15 أكتوبر، بما يُمثل عودة هذا الحدث الاقتصادي الأكبر من نوعه عالمياً إلى القارة الأفريقية بعد ما يناهز 50 عاماً من انعقاده في كينيا، ويُتوقع حضور أكثر من 14 ألف مشارك من وزراء مالية واقتصاد ومحافظي بنوك مركزية ومسوؤلين من 190 دولة، إضافةً إلى ممثلي المجتمع المدني والمؤسسات المالية.
هذا الحدث سيكون محطة ترويجٍ لسياحة لمغرب لدى دول العالم، بعدما عانت الأمرّين منذ جائحة كورونا، وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، ما أضرّ بهذا القطاع الحيوي الذي يُشكّل أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد، إلى جانب الصادرات وتحويلات المغتربين.
انتعاش قوي
في الربع الأول من العام الجاري، زار المغرب 2.9 مليون سائح بارتفاع 17% مقارنةً بالفترة عينها من سنة 2019 القياسية. وجاءت الزيادة، بشكلٍ أساسي، من أسواق إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وأميركا، وهو ما ساهم في ارتفاع الإيرادات 141% على أساس سنوي إلى 2.5 مليار دولار، وبزيادة تقارب 52% مقارنةً بالأشهر الثلاثة الأولى من 2019 قبل جائحة كورونا، وفقاً لأرقام مكتب الصرف، الهيئة الحكومية المكلفة بإحصائيات التجارة الخارجية.
رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش نوّه في جلسة بالبرلمان، الأسبوع الماضي، بأن قطاع السياحة يُشكّل أحد محركات الاقتصاد من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 7%، ودوره في توفيره الوظائف لاسيما للشباب، ولذلك "يتطلب اهتماماً متزايداً".
اعتمد المغرب في مارس خارطة طريق جديدة لقطاع السياحة للفترة من 2023 حتى 2026 بميزانية تناهز 6.1 مليار درهم (580 مليون دولار) لرفع عدد السياح الأجانب من 11 مليون عام 2022 إلى 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026، بما يقفز بإيرادات السياحة السنوية إلى 11.5 مليار دولار.
آفاق واعدة
تُبدي وزارة السياحة تفاؤلاً كبيراً بتوقعات 2023 لتجاوز أرقام العام الماضي، الذي شهد دفعةً قوية جرّاء المشاركة المتميزة لمنتخب المغرب في كأس العالم 2022 لكرة القدم، حين بلغت الإيرادات بالعملة الصعبة نحو 9.2 مليارات دولار، بزيادة 16% مقارنة بعام 2019، وفقاً لتصريح منصف طيبي، رئيس قسم التقنين والجودة بوزارة السياحة.
يُرتَقب أن تكون 2023 سنة قياسية للقطاع مع التخطيط لافتتاح 35 خطاً جوياً جديداً0 لخدمة 8 وجهات مغربية ابتداءً من موسم الصيف، الذي يشهد توافداً كبيراً للسياح والمغتربين.
طيبي قال في حديث لـ"اقتصاد الشرق" إن ما تمّ تحقيقه عام 2022 وبداية 2023 يبعث على التفاؤل بخصوص كامل السنة، وأشار إلى أن التركيز سينصبّ على تعزيز النقل الجوي والترويج لاستقطاب سياح من خارج الأسواق التقليدية الأوروبية.
تتوقع وزارة السياحة أن يصل عدد السياح الأجانب خلال العام الجاري إلى نحو 13 مليوناً، على أن يرتفع الرقم إلى 14.3 مليون العام المقبل، ثم 15.8 مليون عام 2025، لكن ذلك يتطلب تنويعاً للمنتج السياحي بالتركيز على الأنشطة الترفيهية وتنويع العروض ما بين الجبال والشواطئ والصحراء.
لتعزيز العرض الفندقي، يدرس صندوق محمد السادس للاستثمار إنقاذ حزمة فنادق مغربية متعثرة بسعة إجمالية تفوق 40 ألف غرفة، عبر الاستحواذ على حصص أقلية فيها وإعادة تشغليها، أغلبها في المدن السياحية الكبرى مثل مراكش وأكادير.
الأسواق الجديدة والاستثمار
يراهن المغرب على تنويع مصادر السياح بعيداً عن الأسواق الأوروبية التقليدية من خلال الانفتاح على دول آسيا، خصوصاً الصين والهند، إضافة إلى أميركا اللاتينية والدول العربية، حيث تختلف طبيعة السياح وتطلعاتهم وقدرتهم على الإنفاق.
الزبير بوحوت، الخبير في القطاع السياحي، يرى أنه بإمكان المغرب التركيز على أسواق جديدة "بعدما كان حديث الكل في نهائي كأس العالم عام 2022، لكن ذلك يتطلب زيادة الرحلات الجوية وتنويع المعروض وإغناء التجربة السياحية".
كان المغرب اعتمد التأشيرة الإلكترونية في يوليو العام الماضي لفائدة مواطني 49 دولة حيث منحها لأكثر من 80 ألف سائح حصلوا على تأشيرات من أجل السياحة أو الأعمال لمدة تتراوح ما بين 90 إلى 180 يوماً، وستكون عنصر ميسراً استعداداً لاجتماعات مراكش.
بوحوت، وهو مدير سابق للمجلس الجهوي للسياحة، أكّد في حديث لـ"اقتصاد الشرق"، أن "بإمكان المغرب أن يستقطب من خلال هذا الحدث العالمي استثمارات أجنبية إلى قطاع السياحة وخصوصاً صناعة الترفيه التي يقل فيها العرض كثيراً".
كما لفت إلى أن اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي يُشارك فيها قادة أعمال ومستثمرين ومؤسسات تمويلية "ستُبرز أيضاً إمكانيات استثمارية في مجالاتٍ أُخرى مثل السينما والطاقة النظيفة وحتى صناعة التكرير التي توقفت سنة 2015 بعد تعطل عمل مصفاة "سامير" الوحيدة في البلاد".