بلومبرغ
تناوب نادلان في مقهى "لا برينسير" في وسط مدينة الدار البيضاء بالمغرب على انتظار قدوم الزبائن قبل دقائق قليلة من رفع أذان المغرب إيذاناً بالإفطار خلال أيام شهر رمضان، لكن جهودهما كانت بلا جدوى.
اعتاد الصائمون التدفق على المطعم المغربي عند غروب الشمس لتناول وجبة الإفطار، ولكن مع تسارع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 20% لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 1984، ظلت معظم المقاعد خاوية. مدير المقهى، محمد، يقول إنه لم يتمكن من تغطية نفقاته على الطماطم، والبقوليات، والبصل، والبيض، ولحم البقر التي تعتبر مكونات أساسية للطبق التقليدي.
"قفزت الأسعار"، وفق محمد، حيث ارتفع سعر البيض 88%، فيما زاد سعر الطماطم 71% والحمص 57% هذا العام.
اقرأ أيضاً: التضخم بالمغرب يتباطأ قليلاً في مارس إلى 8.2%
ارتفعت تكلفة وجبة الإفطار في جميع أنحاء شمال أفريقيا مع تزايد حالات الجفاف المتكررة وتقلص الميزانيات بعد الوباء وتعطل الإمدادات عبر "ممر الحبوب" في البحر الأسود، ما ألقى بثقله على المنطقة المستوردة للغذاء. يعاني المغرب، ومصر، وتونس، والجزائر فقراً متزايداً، في وقتٍ تحاول هذه الدول تقليص الدعم المقدم للأسر والذي يساعد الأشخاص العاديين على دفع ثمن المواد الغذائية الأساسية، والكهرباء، وغاز الطهي.
قال البنك الدولي إن متوسط تضخم أسعار الغذاء على أساس سنوي بين مارس وديسمبر 2022 بلغ 29% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يشكل المسلمون ربع سكان العالم، وفقاً لكتاب حقائق العالم لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ويؤثر تضخم أسعار الغذاء خلال شهر رمضان في قطاع عريض من الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا.
يثير ارتفاع الأسعار ذكريات عامي 2008 و2011، عندما أدت الارتفاعات المفاجئة في أسعار الغذاء إلى أعمال شغب في أكثر من 30 دولة في أفريقيا، وآسيا، والشرق الأوسط، وساهمت في صراع سياسي وانتفاضات الربيع العربي.
يقول ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية" إن شهر رمضان "وقت خاص من العام يجعل الناس أكثر حساسية تجاه هذه القضية.. شرعية الحكومات المحلية في خطر، وقد تشتد الاحتجاجات. وبشكل عام، يُخشى أن تنفلت الأمور بشأن النظام العام والاستقرار".
موائد مصر
يتردد صدى القلق الاقتصادي في مصر، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط وإحدى أكبر مشتري القمح في العالم. ساهم انخفاض الجنيه المصري بأكثر من 40% مقابل الدولار في زيادة الأسعار بما لا يقوى على تحملها سوى القليل من السكان. بلغ معدل التضخم 33% في مارس، وسط ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 63% عن العام السابق.
اقرأ أيضاً: التضخم في مدن مصر يقفز إلى أعلى مستوى في أكثر من 5 سنوات ونصف
أدى ذلك إلى جلب ضيوف جدد، وإن كانوا مُحرجين إلى حد ما، إلى طاولات الطعام الخيرية المعروفة بـ"موائد الرحمن" التي تُعد لإطعام المحتاجين عند الإفطار.
وهذه المرة، كان الضيوف من الموظفين وأسرهم. ودرءاً للإحراج، فإن بعض أصحاب هذه الموائد أغلقوا المناطق المعدة للطعام لإضفاء الخصوصية (للضيوف الجدد)، فيما أتاح البعض الآخر منح وجبات إفطار جاهزة لتناولها في مكان آخر.
المحاسب فتحي وزوجته وأطفاله الثلاثة أفطروا مؤخراً على مائدة خيرية في وسط القاهرة، وقد جاؤوا من محافظة القليوبية المجاورة حتى لا يتم التعرف عليهم.
وسط التضخم وانخفاض قيمة العملة، لا يفي راتب فتحي الشهري البالغ 2800 جنيه (91 دولاراً) بالتزاماته المالية، خاصةً عندما تصل تكلف وجبة الإفطار الرخيصة للأسرة بين 200 و300 جنيه. ويقول: "أحتاج إلى ضعف المال الذي أكسبه الآن فقط لأتمكن من العيش".
مصدر الرزق الوحيد
في المغرب، تزامن شهر رمضان هذا العام مع فترة حرجة للمزارعين الذين يأملون في هطول الأمطار لتفادي موجة جفاف مدمرة ثانية على التوالي. وتأثر الريف أكثر بالتضخم؛ حيث توظف الزراعة واحداً من كل ثلاثة أشخاص، خاصة أولئك الذين تشكل لهم الزراعة مورد الرزق الوحيد.
ألغت الحكومة الأسبوع الماضي ضريبة القيمة المضافة على الماشية المستوردة وبعض المدخلات الزراعية، بما في ذلك المبيدات الحشرية؛ حيث تتطلع إلى كبح التضخم الذي ارتفع إلى 10.1% في فبراير، وهو أعلى معدل منذ عام 1984. وهذه الظروف محرجة للمسؤولين، خصوصاً أن ذلك العام شهد اندلاع أعمال شغب عنيفة.
الأسعار المرتفعة تؤرق فاطمة المباركي (56 عاماً) التي كانت تتسوق في السوق المفتوح في حي سيدي مومن بالدار البيضاء. وتقول إنه حتى أثناء الوباء، كانت 100 درهم كافية لملء سلتين بالخضار والدجاج والفاكهة. و"اليوم: بالكاد ملأت كيساً بلاستيكياً.. هل ما زلنا حقاً في المغرب؟".