الشرق
يواجه المغرب موسم جفاف جديداً بات معه النمو المتوقَّع خلال العام الحالي مهدداً بالتباطؤ، نظراً لدور قطاع الزراعة الأساسي في اقتصاد البلاد، الذي ينمو وينكمش، بشكلٍ جزئي، على إيقاع تساقط المطر والإنتاج المحلي من الحبوب.
تراهن المملكة على تحقيق نمو بمعدل 4% خلال عام 2023، مقابل توقُّعات عند 3% لصندوق النقد الدولي، في حين خفّض بنك المغرب المركزي توقُّعاته من 3% إلى 2.6% بافتراض نمو القيمة المضافة الفلاحية بـ1.6% فقط هذا العام بعد انكماش قدره 15% في 2022 بسبب الجفاف.
رشيد بنعلي، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، وهي تنظيم مهني يمثل مختلف سلاسل الإنتاج الفلاحي، يرى أنَّ "كل المؤشرات تفيد بدخول المغرب موسم جفاف آخر، مع الأسف المُتضرر الأول هو الفلاحة، لكن سيمتد الضرر للاقتصاد بصفة عامة".
بحسب البنك الدولي؛ فإنَّ صدمات التساقطات المطرية تفسر 37% من تقلب نمو الناتج المحلي الإجمالي في المغرب بالنظر لتأثيرها على الإنتاج الزراعي، وشكّل الجفاف وحده العام الماضي ما يقرب من نصف التباطؤ الذي سجلته البلاد بنحو 1.2%.
في بداية العام الجاري، كانت التساقطات المطرية متفرقة وغير منتظمة في مختلف المناطق الفلاحية في البلاد، في حين لم تُسجل أي تساقطات مهمة خلال شهري مارس وأبريل بموازاة ارتفاع غير معتاد في درجة الحرارة، مما يهدد الإنتاج الزراعي بالانخفاض.
استيراد 50% من الحبوب
تبني الحكومة المغربية فرضيات موازنتها السنوية على مؤشراتٍ عدّة أبرزها الإنتاج المحلي من الحبوب، والتي تتوقَّع أن يصل إلى 75 مليون قنطار (القنطار يعادل 143.8 كيلوغرام) في الموسم الزراعي الحالي، بينما يتوقَّع بنك المغرب ألا يتجاوز 55 مليون قنطار بسبب نقص التساقطات المطرية.
المغرب يتوقع نمواً يفوق 3% للنصف الأول بفضل السياحة والفلاحة
تبلغ مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 14%، ويمثل أداؤه دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي، باعتبار أنَّ 40% من سكان المغرب يعيشون في القرى، و75% منهم يؤمّنون دخلهم من الزراعة، بحسب تصريح لوزير الفلاحة المغربي محمد صديقي خلال مؤتمر مطلع شهر أبريل الحالي.
رشيد بنعلي أشار في حديث لـ"اقتصاد الشرق" إلى أنَّ الجفاف أصبح متواتراً في المغرب، بعدما كان يأتي مرة واحدة كل خمس سنوات كمعدل، ونبّه إلى أنَّ هذا الوضع "يؤثر على دخل الفلاحين ويجعلهم أمام ظروف صعبة، بما يؤثر سلباً على الاستهلاك المحلي الذي يساهم في الاقتصاد بنسبة مهمة".
يحتاج المغرب سنوياً إلى حوالي 100 مليون قنطار من الحبوب، ويلجأ دائماً إلى الأسواق الدولية لاستيراد الكمية اللازمة لتغطية عجز الإنتاج المحلي، وخلال العام الماضي استورد قرابة 50 مليون طن من الخارج، بزيادة 23.2% على أساس سنوي.
وكلّف استيراد القمح وحده العام الماضي نحو 25.8 مليار درهم (2.5 مليار دولار)، بزيادة سنوية تناهز 81%، فيما قفزت كلفة واردات الشعير من 743 مليون درهم (73 مليون دولار) عام 2021 إلى 3.1 مليار درهم (306 مليون دولار) العام الماضي، وفقاً لأرقام مكتب الصرف، وهو الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات.
تأثير مباشر على القدرة الشرائية
حميد صبري، فلاح ورئيس الجمعية المغربية لمنتجي الزيتون، يشير إلى أنَّ "الأمطار هي المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في الوسط القروي، فحين تقل يتأثر دخل الملايين من الفلاحين بشكل مباشر، وبالتالي؛ يتراجع إنتاجهم الفلاحي، وينخفض استهلاكهم".
برغم تطور الزراعات المسقية في المغرب التي تعتمد بشكل أقل على التساقطات المطرية، لكنَّ توالي سنوات الجفاف في العقد الماضي خفّض مستوى ملء السدود المخصصة للسقي الزراعي، مما يضطر وزارة الفلاحة لوقف استغلال بعض هذه السدود وتخصيصها بشكلٍ أساسي لتوفير الماء الصالح للشرب.
كان التضخم في المغرب قد قفز إلى 6.6% العام الماضي، ووصل إلى 10.1% نهاية شهر فبراير من العام الحالي، نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20% تحت تأثير ضعف الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المواد الأولية المستعملة في القطاع الفلاحي.
ضيوف جدد على موائد خيرية ومطاعم خاوية بسبب أسعار الغذاء
المغرب يرفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس لأعلى مستوى منذ 2014
في مسعىً لكبح هذا التضخم، الذي طال أسعار الخضار والفاكهة التي يحقق منها المغرب اكتفاءً ذاتياً؛ لجأت الحكومة لاعتماد مرسوم يقضي بإعفاء منتجات الأسمدة والمواد المستعملة في تكاثر النباتات والآليات المخصصة للاستعمال الفلاحي من الضريبة على القيمة المضافة.
الحكومة أعلنت في بيان صحفي، الأسبوع الماضي، أنَّ هذا "القرار يهدف لضمان تموين جيد من المواد الأساسية، ومواجهة تقلبات أسعار المنتجات الفلاحية الناتجة عن نقص التساقطات المطرية، والصعوبات المسجلة في التموين على الصعيد العالمي".
صبري اعتبر في حديث لـ"اقتصاد الشرق" أنَّ إجراء الإعفاء من هذه الضريبة على القيمة المضافة "سيكون له تأثير إيجابي على نفقات الفلاحين"، خصوصاً أنَّ عدداً من الزراعات اليوم تحتاج إلى استعمال أسمدة وأدوية متنوعة لضمان إنتاج جيد وبكميات أكبر. لكنَّه أكد أنَّ القطاع "ما يزال بحاجة لإجراءات دعم أخرى".
زراعات بديلة ودعم طارئ
تستحوذ سلسلة الحبوب وحدها على 71% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في المغرب على مساحة تناهز 3.5 مليون هكتار، لكن هذه الزراعة تبقى رهناً لغيوم السماء، مما يضطر المغرب للاعتماد على الأسواق الخارجية لتأمين حاجياته من هذه السلع.
في نوفمبر من العام الماضي، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة حكومية استشارية) باعتماد أصناف من الحبوب أكثر ملاءمةً للجفاف، والحرص على توفير الإعانات المالية والتحفيزات الضريبية لتطويرها وزيادة إنتاجها.
المجلس الاقتصادي أفاد أنَّ "الزراعات المقاومة للجفاف من شأنها المساهمة بتعزيز قدرة الإنتاج الفلاحي على الصمود، وتحسين المخزون من البذور، وتقليص التبعية للخارج، وتحسين الأمن الغذائي للبلاد".
المغرب يقلل تصدير الطماطم وسط تفاقم أزمة المعروض في أوروبا
يتأثر الفلاحون، بشكلٍ مباشر، بتكاليف شراء البذور، وأسمدة النيتروجين والبوتاسيوم المستوردة، ومنتجات وقاية النباتات التي ارتفعت أسعارها خلال العام الماضي، بعد توالي سنوات الجفاف واضطراب سلاسل التوريد، مما دعا المجلس الاقتصادي إلى تقديم مساعدات مباشرة للفلاحين لمواجهة تقلبات الأسعار، وهو ما يسهم بمساعدتهم على تجاوز هذه التحديات الخارجية.
بدورها، تضع الحكومة عدداً من الإجراءات لمواجهة ضعف إنتاج الحبوب، من بينها دراسة اعتماد تقنية السقي التكميلي للحقول، كما تعمل على تشجيع الفلاحين على التوجه لزراعات أكثر مرونة مثل الشعير والكينوا والعدس والذرة، بالإضافة إلى الخروب والزيتون واللوز.
المغرب يطمح من خلال مخطط "الجيل الأخضر" للفترة 2020-2030 لرفع الناتج الإجمالي الفلاحي إلى 200 مليار درهم، بعدما كانت بداية 2008 بحدود 63 مليار درهم، ليرتفع إلى 125 مليار درهم نهاية 2020، قبل أن ينخفض إلى 114 مليار درهم في ختام العام الماضي بسبب الجفاف.