بلومبرغ
في الوقت الذي شددت فيه الدول الغنية الأخرى القيود أثناء فصل الشتاء بسبب وباء كورونا، قررت دبي المخاطرة بإعادة فتح اقتصادها تدريجياً بالتزامن مع شروعها في إجراء واحدة من أكبر حملات التطعيم في العالم.
والسؤال الآن كيف يمكن لنجاح مركز الأعمال والسفر في الشرق الأوسط أن يصبح حالة تراقبها المدن العالمية الأخرى التي تفكر في العودة إلى الحياة الطبيعية؟
فوائد اقتصادية.. ولكن؟
وتجني دبي بالفعل بعض الفوائد من الناحية الاقتصادية. فلقد أظهر مقياس تتبع النشاط التجاري ارتفاعاً للشهر الثاني على التوالي في يناير، فيما شهدت الشركات غير النفطية ارتفاعاً في التوظيف مع تحسن الظروف الاقتصادية. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد الإمارات العربية المتحدة، التي تعد دبي جزءاً منها، بنسبة 1.3% هذا العام بعد انكماش نسبته 6.6% في عام 2020، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
إلا أن تكلفة هذا الانفتاح كانت كبيرة حيث شهدت إصابات كورونا ارتفاعاً حاداً في الحالات التي انتشرت في المستشفيات، وجذبت انتقادات من الداخل والخارج رغم تسارع برنامج التطعيم. فلقد تضاعفت حالات الإصابة بكورونا في الإمارات بأربع مرات إلى ما يقرب من 4 آلاف حالة يومياً في نهاية شهر يناير، رغم انخفاضها منذ ذلك الحين إلى أقل من 3 آلاف حالة.
ومع هذا، لا تزال تعتبر نسبة الوفيات التي تقدربـ 0.3% في الإمارات من أدنى المعدلات على مستوى العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى التعداد السكاني الذي يضم عدداً كبيراً من الشباب. وبالنظر إلى مدينة معروفة بتقدمها من خلال القيام بمخاطرات جريئة، فهناك ثقة في أن نظامها الصحي سيتمكن من التعامل مع الأمر، فيما يعد معدل إجراء فحص كورونا من أعلى المعدلات في العالم بمتوسط يبلغ 1.5% من السكان يومياً.
وقال عامر شريف، رئيس مركز القيادة والتحكم في كورونا بدبي لتلفزيون بلومبرغ هذا الأسبوع: "نحقق توازناً بين سلامة ورفاهية شعبنا، وبين الرفاهية الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية". إن الأمر يشكل معضلة كبيرة تشغل بال صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم، ورغم اتخاذ مصدري النفط في جميع أنحاء الخليج نهجاً أكثر حذراً، إلا أن الحسابات مختلفة بالنسبة لدبي التي يعتمد ثلث ناتجها المحلي الإجمالي على السياحة العالمية.
"إكسبو دبي"
وتستعد المدينة لاستقبال الزوار في معرض "إكسبو دبي" بوقت لاحق من هذا العام، والذي تم تأجيله من 2020، وكان من المفترض أن يدعم هذا المعرض الانتعاش بعد سنوات من النمو الباهت. كما تأمل دبي أيضاً في اللحاق بالآثار غير المباشرة لكأس العالم التي ستعقد في قطر المجاورة عام 2022. وقد ساعد ذلك في دفع حملة التطعيم التي شهدت اصطفاف السكان حول المبنى، فقد أعطت الإمارات 45 جرعة لكل 100 شخص حتى الآن، وتقول إنها في طريقها لتطعيم نصف السكان بحلول نهاية شهر مارس؛ وهي الثانيةفي الترتيب عالمياً بعد إسرائيل، وتريد أيضاً تلقيح جميع البالغين المؤهلين هذا العام.
"من الصعب المفاضلة بين إعطاء الأولوية للمكاسب الاقتصادية على حساب صحة الناس، لأن ارتفاع العدوى يضع ضغوطاً سياسية على الحكومات من أجل فرض الإغلاق، وإن لم تفرض الإغلاقات، فالعدوى تدفع الناس إلى البقاء في المنازل طواعية، ما يتسبب في ركود النشاط الاقتصادي".
زياد داوود كبير الاقتصاديين للأسواق الناشئة في بلومبرغ
استمرار خطط مواجهة العدوى
ومن مواطن الخلل في إمدادات اللقاح إلى متغيرات الفيروسات التي قد تجعل اللقاحات أقل فعالية، يعتمد النجاح على التطورات الخارجة عن سيطرة دبي. وقال محمد أبو باشا، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في المجموعة المالية "إي إف جي هيرميس" القابضة ومقرها القاهرة: "قد لا يضغط ذلك على قطاع الرعاية الصحية كثيراً، ولكن يمكنه أن يستمر في تعطيل الحياة الطبيعية بطريقة ما. لقد أظهرت لي تجربة دبي ببساطة عدم وجود طرق مختصرة للتعامل مع كورونا. فالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها تشير بوضوح إلى ذلك".
ورغم استمرار انفتاحها على السياحة، تَعيَّن على دبي أيضاً إعادة فرض قيود على السفر، فيما حظرت المملكة المتحدة رحلات الركاب المباشرة لوقف انتشار سلالة جديدة منشأها جنوب أفريقيا. كما تم إلغاء العمليات الجراحية الاختيارية في المستشفيات لمدة شهر على الأقل بسبب امتلاء الأجنحة، ويظل ارتداء الأقنعة إلزامياً في الأماكن العامة، بينما تم تحديد سعة الفنادق والمولات والمطاعم.
ويتناقض نهج دبي مع نهج إسرائيل، التي أعادت فرض إجراءات الإغلاق هذا العام، وتأخرت خططها لإعادة فتح الاقتصاد، رغم تقدم برنامج التطعيمات.
نظرة بعيدة المدى للمسؤولين في دبي
تخطط دولة الإمارات لتصنيع لقاح "سينوفارم" الصيني بعد استضافتها للتجارب في عام 2020، وتضع نفسها كمركزٍ للتوزيع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. كما تقدم دبي لقاحي "فايزر إنك- بيونتيك إس إي" و"آسترا زينيكا" إلى جانب "سينوفارم". وقالت كارين يونغ من معهد "أمريكان إنتربرايز" بواشنطن: إن دبي قد تصبح في المستقبل "وجهة سياحية للتلقيح".
وفي الوقت الحالي، تحرص السلطات على إظهار أنها تتعامل مع الوباء بجدية من خلال الإجراءات الصارمة في فرض المخالفات حيث نشر المكتب الإعلامي بدبي على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمداهمة الشرطة لحفلة منزلية هذا الأسبوع، قائلاً: إن المضيف تم تغريمه 13,600 دولار.