هل يتمكن "الفيدرالي" في عهد باول من تجاهل الوضع الجيوسياسي؟

رفع أسعار الفائدة في الثمانينيات تسبب في أسوأ كارثة مالية في أميركا اللاتينية والزيادة الحالية تدفع ثمنها الدول النامية

time reading iconدقائق القراءة - 7
جيروم باول، رئيس \"الاحتياطي الفيدرالي\" في مؤتمر صحفي، 22 مارس 2023 - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" في مؤتمر صحفي، 22 مارس 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تحظى ذكرى رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق، بول فولكر، بتقدير كبير داخل الولايات المتحدة، حيث أعاد الاستقرار للاقتصاد الذي كان يعاني من تقلبات شديدة في عهده. لكنه وعلى النقيض من ذلك، يُذكر في الدول الواقعة جنوب البلاد بصفته الرجل الذي أدى لانهيار العالم.

وحسبما كتبه الخبير الاقتصادي تايلر كويس في مقال منذ سنوات قليلة، وصلت أزمات ديون أميركا اللاتينية بسبب زيادة أسعار الفائدة الأميركية التي رفعها فولكر إلى 20% تقريباً في الفترة بين 1980 و1981، وشكل ذلك إلى حد ما "أسوأ كارثة مالية شهدها العالم في التاريخ" حسب وصفه، حيث تجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة في 1980 المتوسط العالمي، لكنه تراجع إلى 85% فقط بنهاية ذلك العقد.

والآن يواجه الاحتياطي الفيدرالي من جديد مشكلة التضخم الذي بلغ العام الماضي أعلى مستوياته منذ حقبة فولكر، ومع رفع "الفيدرالي" لأسعار الفائدة بالوتيرة الأسرع في أكثر من 40 عاماً، تعود للأذهان الذكريات السيئة لتحطم آمال الرخاء الاقتصادي في أرجاء أميركا اللاتينية، كما ينتشر اليأس على نطاق أوسع في جميع أنحاء العالم النامي.

أسئلة مُلحة

تطرح دول العالم النامي سؤالين مُلحين، وهما: هل يحذو جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالي، حذو فولكر؟ وهل ستتمكن الولايات المتحدة –في الوقت الحالي- من إثارة هذه الفوضى الاقتصادية في العالم النامي؟

يختلف غويلرمو كالفو من جامعة كولومبيا مع هذا الرأي، وهو أحد أفضل خبراء التدفقات الرأسمالية وأزمات ميزان المدفوعات في الدول النامية، إذ قال: "فولكر تسبب في معاناة أميركا اللاتينية، لكن الولايات المتحدة أكثر وعياً بالأوضاع الجيوسياسية حالياً".

"لعبة التوازن" التي يمارسها باول تثير التساؤلات

وأشار كالفو إلى أنه في ظل البيئة العالمية المتوترة التي نعيش فيها، قد لا ترغب واشنطن في أن يُنظر لها باعتبارها محرضاً على القلاقل في أميركا الجنوبية، وهي القارة التي يثابر أعداء واشنطن الجيوسياسيون للتقرب منها.

في الثمانينيات، كان أغلب دول أميركا اللاتينية حبيسة دائرة النفوذ الأميركية، غالباً بسبب الدكتاتورين اليمينيين. أما الاتحاد السوفيتي فاستمر في دعم كوبا رغم مواجهته شبح الإفلاس، والذي جعله عاجزاً عن تقديم دعم مالي كبير لجميع دول المنطقة. لكن الولايات المتحدة على النقيض من ذلك هي من اختارت تجاهل محنة أميركا اللاتينية.

الوضع الحالي مختلف

الوضع مختلف هذه المرة، حيث تكافح واشنطن لإقناع الجنوب العالمي بمعارضة غزو روسيا لأوكرانيا، فيما تسعى الصين لترسيخ مكانتها كملاذ أخير للإقراض، وتقدم مليارات الدولارات لدعم الدول النامية في التعسر المالي. ويقول كالفو: "موقف الولايات المتحدة مختلف حالياً" .

أهم ما جاء في تصريحات باول وقرار "الفيدرالي" بشأن رفع الفائدة

وأضاف أنه علاوة على ذلك، رسخ "الاحتياطي الفيدرالي" سجله الحافل كملاذ أخير للإقراض العالمي، وأغرق النظام المالي بالمال في كل مرة واجه فيها صدمة خطيرة. ورغم أنه لم يستخدم المال مباشرة في خدمة الدول النامية، سواء في أميركا اللاتينية أو غيرها، إلا إنه ساعدها فعلاً على استمرار وفائها بالتزاماتها في الأوقات العصيبة.

على الجانب الآخر، لم يقدم "الاحتياطي الفيدرالي" إلا القليل لمساعدة الاقتصادات الناشئة خلال الأزمة الآسيوية في أواخر التسعينيات، والتي امتدت إلى روسيا والبرازيل، بل وأدت إلى انهيار صندوق التحوط الأميركي "لونغ ترم كابيتال مانجمنت" (Long Term Capital Management)، واحتاجت الاقتصادات الناشئة لنحو 4 أعوام لاستعادة مركزها قبل الأزمة.

على النقيض من ذلك، عندما انهار سوق الإسكان الأميركي بعدها بعقد، أغرق "الاحتياطي الفيدرالي" المنطقة بما يسمى "التسهيل الكمي"، كما قدم مئات المليارات في شكل خطوط مبادلة النقد الأجنبي، وهو ما مكن بنوكاً مركزية أخرى من مبادلة عملاتها بالدولار. وعادت الأسواق الناشئة لمكانتها في أقل من عام. ويصف كالفو هذا بأنه: "تصرف جيد".

تدخل عند الخطر

لا يتفق الجميع مع هذا المنطق. ومنهم كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين السابقة في البنك الدولي والخبيرة المتمرسة في أزمات ميزان المدفوعات، إذ تقول راينهارت إن الاحتياطي الفيدرالي لم يفتح أبواب السيولة على وسعها إلا عندما رأى أن النظام المالي الأميركي في خطر خلال الأزمة المالية العالمية، وجائحة كورونا، وانهيار مصرف "سيليكون فالي بنك".لكنه مع ذلك لن يتوقف عن بذل كل ما بوسعه لمساندة العالم النامي عندما يكون على وشك السقوط.

انخفاض القروض الطارئة للبنوك الأميركية ينبئ بانحسار الأزمة

بالطبع، لن تكون سياسة الاحتياطي الفيدرالي بذات القدر من الشدة كما حدث في عصر فولكر، والسبب الأساسي لذلك هو أن باول لا يحارب تضخماً معدله 14% كما فعل فولكر. فإذا أراد مساعدة البيت الأبيض في مواجهته مع بكين، قد يفتح خطوط المبادلة مع باكستان وتركيا والأرجنتين، وهي دول ستستفيد من المبادلات مع بنك الشعب الصيني. لكنه لم يفعل ذلك.

أيضاً يتميز الاحتياطي الفيدرالي بأنه مستقل، وليس رهينةً للتخطيط الجيوسياسي لجزء آخر من الإدارة. وبالتالي، فإن تطوع باول لتقديم المساعدة المالية دعماً لاستراتيجية تعرقل تقدم الصين نحو العالم النامي قد يبدو رهاناً محفوفاً بالمخاطر.

في الماضي، دافع "الاحتياطي الفيدرالي" عن نفسه أمام المنتقدين لسياساته مؤكداً أنه لم يضع في حسبانه تأثير تلك السياسات على العالم النامي. ولا ترى راينهارت دليلاً على رغبة الاحتياطي الفيدرالي في إنقاذ الجنوب العالمي، وقالت إنه عندما بدأ "الفيدرالي" في التشديد النقدي، كان أغلب العالم النامي لم يتعافَ بعد من آثار الجائحة، وقالت: "لم ينتظر الفيدرالي تعافي الدول الأخرى".

حماية السيولة العالمية

أعرب براد سيتسر، من مجلس العلاقات الخارجية، أيضاً عن شكوكه بقوله إن "الاحتياطي الفيدرالي" حالياً يوفر الدولار عالمياً ليساعد البنوك المركزية في مجموعة العشرة على توفير الدولار لبنوكها العالمية. لكن الهدف من تلك المبادلات هو حماية السيولة المصرفية العالمية وليس مساعدة الدول الناشئة.

البنوك تقود ارتفاع الأسهم الأميركية مع هدوء الأزمة المصرفية

على سبيل المثال، أشار سيتسر إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" لم يعدل أسعار الفائدة لتخفيف أثر قوة الدولار في الصيف الماضي، وواجهت الكثير من الدول مشكلات في جمع التمويلات في سوق الديون بسبب أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة.

وحتى لو وضع باول في اعتباره مصير الدول النامية، فربما سيعتقد أنها قادرة على تحمل الأزمات الآن أكثر من قبل. قال سيتسر: "أؤمن بأن زيادة مرونة بعض الأسواق الناشئة الكبرى تعني قدرة (الاحتياطي الفيدرالي) على رفع أسعار الفائدة -نوعاً ما- بصورة أكبر، دون التسبب في تكرار الآثار العكسية التي شهدناها في الثمانينيات".

مع ذلك، يرى كالفو دلائل على ميل "الاحتياطي الفيدرالي" للتوقف عن رفع أسعار الفائدة. على سبيل المثال، تباطأ التشديد النقدي رغم أن أسعار الفائدة الحقيقية ما تزال سالبة. وقد يخشى باول ورفاقه من أنهم وجهوا الاقتصاد صوب الركود، ولا شك في قلقهم بشأن ميزانيات البنوك، وقال كالفو إنهم قلقون بشأن العالم.

واختتم: "يعرفون بأنهم سيتسببون في مشكلة خطيرة، وسيواجهون مشكلة جيوسياسة، ويشعرون بالرعب من ذلك".

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

1 دقيقة

1°C
غائم جزئي
العظمى / الصغرى /
18.5 كم/س
71%
الآراء الأكثر قراءة