تتميز الموازنات بطولها المفرط وإسهابها اللامتناهي وتفاصيلها الغزيرة. وعلى غرار العديد من الموازنات السابقة، لن تؤخذ الموازنة الجديدة للرئيس جو بايدن على محمل الجد باعتبارها خطة للسياسة المالية.
ففي ظل حالة الانقسام الذي يعاني منها الكونغرس تكاد فرصة إقرار الموازنة المقترحة أن تكون معدومة. بل ويمكن النظر إليها باعتبارها بياناً لتحديد الأولويات على أقصى تقدير، ورغبة حالمة في التوصّل إلى حل وسط. ولكن حتى عند قياسها وفقاً لذلك المعيار المتساهل، سنجد أنها ماتزال خطة مخيبة للآمال.كما لا يجب أن تكون الأولويات المُلحّة التي تحددها الآفاق المالية المستقبلية للولايات المتحدة محل جدال.
فوفقاً للسياسات الحالية، تضخَم عجز الموازنة المستقبلية بأكبر مما يلزم، ويقارب الدين العام نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتجه إلى الارتفاع بصورة أكبر. وأي موازنة مسؤولة يجب أن تستهدف على الأقل منع زيادة الدين، إلا أن موازنة بايدن فشلت في هذا الاختبار.
خفض العجز الأميركي
تقول إدارة بايدن إن خطتها ستخفض العجز التراكمي من 20 إلى 17 تريليون دولار تقريباً على مدى العشر سنوات المقبلة، ما سيكفي لإبطاء الارتفاع المتوقع في نسبة المديونية، لكنها لن توقف ذلك الارتفاع.
سيتراجع العجز من نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، لكنه سيظل قريباً من 5% طوال بقية مدة التوقعات، حتى في حالة نمو الاقتصاد. وفقاً للإدارة الأميركية، سترتفع نسبة المديونية إلى 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم أقل من نسبة 117% المتوقعة في ظل السياسات الحالية، لكنه ما يزال مرتفعاً أكثر من اللازم.
حماية دافعي الضرائب
هذا ليس أسوأ ما في الأمر، فتلك الأرقام ستحد من الزيادة في الإيرادات المقرر أن تحدث بعد 2025 عند انتهاء أجل التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس السابق دونالد ترمب في 2017. مع ذلك؛ تَعِد الإدارة بحماية دافعي الضرائب من الطبقة الوسطى من آثار هذا التغيير، دون ذكر الطريقة التي ستفعل بها ذلك.
على الجانب الآخر، تدعو الموازنة لفرض زيادات ضريبية كبيرة على الشركات والعائلات مرتفعة الدخل، لكنها تخصص الإيرادات لمزيج من خفض العجز وزيادة الإنفاق، بدلاً من تغطية تكلفة تمديد تخفيضات ترمب الضريبية لدافعي الضرائب من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض.
النتيجة هي الاضطرار لزيادة الضرائب على العائلات والشركات مرتفعة الدخل بمعدل أعلى مما تقترحه الموازنة، وإلا سيتحول وعد خفض العجز بقيمة 3 تريليونات دولار إلى ضربٍ من الخيال.
زيادات ضريبية مقترحة
بعيداً عن السياسة، يمكن القول إن هناك فرص ضئيلة لفرض ضرائب أعلى على الأرباح والأثرياء بأكثر مما تتطلبه الموازنة. فالإدارة الأميركية تقترح رفع معدل ضريبة الشركات من 21% إلى 28%، وهو معدل كبير وفقاً للمعايير الدولية.
ليس هذا وحسب، حيث تريد إدارة واشنطن أيضاً زيادة الحد الأقصى لمعدل ضريبة دخل الأفراد من 37% إلى 39.6%، ورفع الحد الأقصى لضريبة برنامج الرعاية الصحية "ميديكير" إلى أعلى من 400 ألف دولار - أو ما يعادل زيادة نسبتها من 3.8% إلى 5%- وزيادة ضريبة الأرباح الرأسمالية بمعدلات أكبر على أصحاب الدخول الأعلى.
كما سيرتفع الحد الأقصى لمعدل الضريبة أكثر من 50% في نيويورك وكاليفورنيا وعدة ولايات أخرى عند إضافة الضرائب الحكومية والمحلية. هنا أشدد مجدداً على أنه حتى لو تغاضيت عن تعامل الإدارة المضلل مع تخفيضات ترمب الضريبية، فكل هذا أضعف من أن يعيد السياسة المالية إلى مسارها الصحيح.
تضارب برامج الإنفاق
كل هذا يشير إلى التضارب الأساسي بين برامج الإنفاق التي تؤيدها الدولة والإيرادات اللازمة لدفعها. بالطبع، عَرضُ الجمهوريين أسوأ، فتركيبتهم المفضلة لمعادلة كفتي الموازنة دون رفع الضرائب على أي جهة هي فكرة غير منطقية.
المطلوب هو ضبط الإنفاق، بالأخص في الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، مع زيادات ضريبية معقولة، بما يتضمن فرضها على الطبقة المتوسطة. وكلا الحزبين يعرفان هذا، لكن لا يرغب أي واحد منهما في الاعتراف به.
وإذا لم يتغير ذلك الوضع؛ فالنظرة المالية المستقبلية ستكون مخيفة، وسيستمر الدين العام في الارتفاع إلى أقصى حد، وعند نقطة محددة ستتحول المشكلة إلى كارثة.
لقد كانت موازنة بايدن فرصة جيدة لمواجهة هذا الواقع بصدق، لكن هذه المواجهة تأجلت مجدداً.