الشرق
يتوجه التونسيون السبت إلى مراكز الاقتراع، على أمل أن تسهم الانتخابات التشريعية في إخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية المتفاقمة.
لكن الانتخابات بما ستفرزه من نتائج، قد لا تخفّف من حدة التوترات السياسية الداخلية في ظل مقاطعة أحزاب عديدة لها، وهذا من شأنه أن يضيف أعباء أخرى على البلاد التي تواجه صعوبات مالية واقتصادية كبيرة.
أظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء مؤخراً أنَّ معدل التضخم السنوي في تونس ارتفع إلى مستوى قياسي عند 9.8% في نوفمبر، وهو الأعلى منذ أكثر من 3 عقود، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على أحوال السكان، فيما تشكل بطالة الشباب تحدياً كبيراً.
يتوقَّع البنك المركزي أن تستمر الضغوط التضخمية نتيجة تأثير العوامل الداخلية أو الخارجية التي تزيد حالياً من حدة الضغوط على الأسعار. ويقول إنَّ ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد في ظل ارتفاع الطلب، هو ما يمثل مصدراً رئيسياً للضغوط التضخمية.
أجّجت تلك الضغوط الخلافات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر قوة نقابية في تونس، إلى أن توصلا في سبتمبر الماضي إلى اتفاق على زيادة الأجور بنسبة 3.5% لنحو 680 ألف موظف في القطاع العام وموظفي الخدمة المدنية، إذ تقرر أن تكون الزيادة سارية المفعول في العام المقبل وتستمر حتى عام 2025.
أزمة مالية متفاقمة
تضرّر الاقتصاد التونسي من جائحة كوفيد-19 والآثار الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين تسبب في تراجع قيمة العملة المحلية، وكذلك تفاقم العجز التجاري الذي سجل مستوى قياسياً عند 7.2 مليار دولار بنهاية نوفمبر، في تآكل احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.
احتياطي النقد الأجنبي في تونس يتراجع لأدنى مستوى في 3 سنوات
سجل احتياطي النقد الأجنبي للبلاد 22.3 مليار دينار (نحو 6.97 مليار دولار) مطلع نوفمبر بحسب بيانات البنك المركزي، وهو ما يكفي لتغطية 100 يوم من الواردات، مقارنة مع 121 يوماً في الفترة ذاتها من العام الماضي.
رفعت وزارة الطاقة الشهر الماضي أسعار الوقود للمرة الخامسة منذ بداية العام الجاري في إطار خطة حكومية لخفض دعم الطاقة، باعتباره أحد مجالات الإصلاحات الاقتصادية الضرورية للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي.
كانت تونس قد انخرطت في مفاوضات طويلة مع الصندوق، وتوصلت في أكتوبر إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهراً، مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة.
تونس ترفع أسعار الوقود للمرة الخامسة في 2022
لكن هذه المفاوضات أمامها عوائق أيضاً. فقد سحب الصندوق يوم الأربعاء اجتماع مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله، والذي كان مقرراً في 19 ديسمبر الجاري، وهي خطوة على الأرجح مرتبطة بأنَّ ميزانية 2023، التي ستتضمن الإصلاحات المتوقَّعة، ليست جاهزة بعد.
كذلك، يقول صندوق النقد الدولي إنَّه، كي تحصل تونس على الدعم، فهناك حاجة إلى إجماع واسع بين الأطراف المعنية الرئيسية في البلاد على الإصلاحات، ومن بينها رفع الدعم وغيره من إجراءات التقشف. حتى الآن، لا يبدو مثل هذا الإجماع بعيد المنال.
"صندوق النقد" يؤجل اجتماعه بشأن قرض لتونس انتظاراً للميزانية
وقال مسؤول حكومي تونسي إنَّ بلاده تعتزم إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاحات لدى استئناف اجتماعات الصندوق في يناير 2023.
الحاجة إلى المساعدات الدولية
تراكمت ديون تونس حتى بلغت 128 مليار دينار تونسي (40.7 مليار دولار) حتى يونيو 2022. وتحتاج البلاد بشكل ملح منذ أشهر إلى مساعدات دولية لمواجهة أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من احتمال تخلّفها عن سداد الديون، وأسهمت في نقص العديد من السلع الغذائية.
وقد رفعت توقُّعاتها لعجز ميزانية 2022 ليصبح 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعاً من 6.7% في توقُّعات سابقة. كما خفّضت توقُّعاتها للنمو من 2.6% إلى 2.2%.
جاء في مذكرة لوزارة المالية أعلنت فيها عن خطط لتعديل مشروع قانون الموازنة لهذا العام ما يلي:
· سيتأثر الناتج المحلي الإجمالي بتداعيات الحرب الأوكرانية على الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الرئيسي لتونس.
· رفعت تونس سعر النفط المقدر في موازنة 2022 إلى 100.5 دولار للبرميل من 75%.
• الإنفاق، باستثناء سداد أصل الدين، من المتوقَّع أن يزيد 1.2 مليار دولار على التقديرات الأولية.
• زيادة الإنفاق نتيجة ارتفاع تكلفة دعم الوقود بمقدار 1.5 مليار دولار.
• ارتفاع الإنفاق العام على الدعم إلى 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 مقابل تقديرات سابقة عند 5.3%.
• توقُّعات بأن تبلغ الهبات أكثر من ضعف المبلغ المقدّر بـ350 مليون دولار في الموازنة. كما يأتي أغلب هذه الهبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
• ارتفاع الدين العام بنهاية 2022 بعد المراجعة بنحو 10% إلى نحو 37 مليار دولار.
• ألغت الحكومة الخطط الأولية لإصدار سندات دولية في عام 2022 بقيمة 880 مليون دولار.
انتخابات بقانون جديد
إلى جانب الظروف الصعبة التي يعيشها التونسيون والتي تطغى على المشهد العام؛ فإنَّ هذه الانتخابات تختلف عن أي انتخابات سابقة شهدتها البلاد.
هذه المرة، يقترع التونسيون لاختيار برلمان جديد ليكون بديلاً عن برلمان لا يمارس أي نشاط منذ نحو سنة ونصف السنة، وذلك بعد قرار تعليق أعماله وقد اتخذه رئيس الدولة قيس سعيّد في أواخر يوليو 2021.
كذلك؛ فإنَّ هذه أول انتخابات تشريعية تُجرى وفق التعديلات التي أدخلها سعيّد على القانون الانتخابي، والتي قلّصت عدد المقاعد في البرلمان من 217 إلى 161، وحصرت العملية بنظام الاقتراع على الأفراد، بعد إلغاء ترشّح الأحزاب في قوائم حزبية أو ائتلافية كما كان الأمر في القانون السابق.
التعديلات على قانون الانتخابات، دفعت أحزاباً عديدة إلى مقاطعتها، إذ تقول إنَّ البرلمان الجديد ستكون صلاحياته محدودة للغاية بموجب الدستور الجديد.