العلاقات الصينية-العربية من "الحرير" إلى "الحزام والطريق"

time reading iconدقائق القراءة - 14
المصدر:

الشرق

تسعى الصين إلى تعزيز مشاركة الدول العربية في مبادرة "الحزام والطريق"، وفي أغسطس 2021، أكّد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنَّ بلاده على "استعداد للعمل مع الدول العربية لبناء (الحزام والطريق) بشكل مشترك وبجودة عالية، ودفع الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى مستوى أعلى"، ونوّه بأنَّ "الصين والدول العربية، المرتبطة بتاريخ طريق الحرير القديم، شركاء طبيعيون لمبادرة (الحزام والطريق)، ولديهم تكامل ملحوظ".

تمثل الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، ففي عام 2020، بلغ إجمالي حجم التجارة البينية نحو 240 مليار دولار أميركي، كما أنَّ قرابة نصفها عبارة عن واردات عربية من الصين بقيمة 122.9 مليار دولار، بزيادة 2.1% على أساس سنوي، برغم تأثير جائحة كورونا، مما يؤشر إلى توازن العلاقة التجارية وصمودها.

لكنَّ آفاق تعزيز الشراكة بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمنطقة التي تمثل مصدر الطاقة الأول للصين تحمل تحديات، في مقدّمها العلاقات مع إيران حيث ترتبط بكين بشراكة استراتيجية تجارية وعسكرية مدتها 25 عاماً مع طهران، غير أنَّ المجلس الأطلنطي للدراسات والأبحاث يرى أنَّ تلك الشراكة، برغم التساؤلات الكثيرة التي تفرضها، لن تؤثر على تعزيز الصين لعلاقاتها العربية -لاسيما مع دول الخليج- لأنَّ السعودية والإمارات لديهما أيضاً اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة على أعلى المستويات معها.

بحسب المجلس الأطلنطي؛ فإنَّ ما ستحاول الصين فعله خلال السنوات المقبلة هو موازنة علاقاتها مع دول الخليج، التي تمثل أهمية وأولوية بالنسبة لها، مع علاقاتها مع إيران في الوقت نفسه، سعياً للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، وتعزيز نفوذها بالمنطقة.

ويلعب تعزيز العلاقات التجارية دوراً محورياً لتحقيق هذا الهدف، وسلاح الصين في ذلك مبادرة "الحزام والطريق"، التي أطلقتها بكين عام 2013، وتسعى من خلالها إلى التوسع اقتصادياً، وإعادة إحياء "طريق الحرير" التاريخي الذي ازدهرت عبره الإمبراطورية الصينية.

انقطاع ومحاولات إحياء

منذ عام 130 قبل الميلاد حتى عام 1453، اعتُبر "طريق الحرير" شرياناً تجارياً رئيسياً يربط بين الشرق والغرب، فقد كان يمتد لقرابة 10 آلاف كيلومتر من الصين حتى أوروبا، ليمثل حلقة وصل بفرعيه الشمالي والجنوبي بين حضارات قديمة من الصين والهند إلى مصر والرومان.

تلك الطريق امتدت من المراكز التجارية في شمال الصين، ليمرّ الفرع الشمالي منه عبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم حتى البحر الأسود وصولاً إلى البندقية، بينما عبر الفرع الجنوبي منه العراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط، أو عبر سوريا إلى مصر وشمال أفريقيا.

السبب في تسميته بـ"طريق الحرير" يرجع إلى ازدهار تجارة "الحرير الصيني" إلى الإمبراطورية الرومانية، مما دفع المؤرخ الألماني فرديناند فون ريشتهوفن إلى إطلاق ذلك الاسم عليه. لكن الواقع، بحسب ما تقول منظمة "يونيسكو"، يتمثل في أنَّ تلك الطريق لم تكن تجارية فحسب؛ بل امتدت وتطورت بمرور الوقت، وفقاً للسياقات الجيوسياسية المتغيرة عبر التاريخ، كما أنَّها مثلت نهراً ثقافياً بين الشعوب.

في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حلّت اللحظة التي تغيّرت معها مجريات الأمور بالنسبة لـ"طريق الحرير"، حين أعلنت الإمبراطورية العثمانية آنذاك فرض ضرائب كبيرة على التجارة مع الصين، مما دفع بالأوروبيين إلى وقف التجارة عبر هذا الطريق، وهو ما وضع نهايةً لدوره.

لكن منذ ذلك الحين، لم تتوقف محاولات الصين لإعادة إحياء الطريق، ففي مطلع التسعينيات جرت محاولة لإنشاء طريق الحرير الجديد، من ضمنها ما عُرف بـ"الجسر البري الأوروبي الآسيوي"، الذي يصل بين الصين وكازاخستان ومنغوليا وروسيا ويصل إلى ألمانيا بسكك حديدية.

غير أنَّ تلك المحاولات لم تتحول إلى جهود حقيقية مكثفة سوى في سبتمبر من عام 2013، حين أعلن الرئيس الصيني خلال زيارته إلى كازاخستان عن خطته لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا تحت اسم "الحزام والطريق، باستثمارات متوقَّعة تتراوح ما بين 4 و8 تريليونات دولار عند إنجازه بالكامل.

نطاق واسع

عند إطلاقها قبل نحو عقد، تم انضمام 60 دولة إلى المبادرة، وتوسّعت لتشمل حالياً أكثر من 140 بلداً، بما في ذلك دول من أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية.

لاحقاً، يُرتقب أن تستوعب المبادرة أكثر من 2600 مشروع عالمي بقيمة 3.7 تريليون دولار. وتدافع الصين عبر مواجهة انتقادات مشروعها بأنَّ الجزء الرابط بين الصين والشرق الأوسط، تحديداً، يقلل مسافة الرحلات البحرية البالغة 13 ألف كيلومتر إلى 3 آلاف كيلومتر فقط.

تسمية المشروع الصيني جاءت من المسارات الـ6 التي تتبعها المبادرة الجديدة، فالطريق الأولى تمتد على شكل حزام ينطلق من العاصمة الصينية مروراً بآسيا الوسطى، قبل أن تجتاز حدود أوروبا من إسطنبول التركية باتجاه الأراضي الروسية لتعود مجدداً نحو وجهتها الأخيرة.. أوروبا.

هذا بالنسبة للحزام، أما الطريق؛ فبحسب المخطط، ستنشئ الصين ممراً بحرياً عابراً للمحيطات والقارات، وبرغم كونه أطول من الطريق البرية؛ لكنَّه يُعدُّ أكثر حيوية، نظراً لكونه يمثل شرياناً رئيسياً تمر عبره إمدادات الطاقة والتبادلات التجارية.

نصيب العرب

بالنظر إلى خريطة المسارات الستة، لن يكون للدول العربية نصيب في المخطط الأصلي لمبادرة "الحزام والطريق"، لكنَّ الصين تدرك أهمية المنطقة العربية التي تطفو فوق مخزون من النفط يناهز 657 مليار برميل، أي ما يعادل نحو 40% من الاحتياطيات العالمية، وهي المنطقة نفسها التي تحصل منها بكين على ما يقرب من نصف احتياجاتها السنوية من النفط.

ليس هذا فحسب؛ فالمنطقة بموقعها الذي يمتد بين آسيا وأفريقيا، تطل على منافذ حيوية للتجارة العالمية، بدءاً من مضيق هرمز الذي يمر عبره 30% من النفط المنقول بحراً، مروراً بمضيق باب المندب الذي تمر عبره قرابة 25 ألف سفينة سنوياً، وصولاً إلى قناة السويس التي تُعدُّ أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب التي يمر عبرها 40% من بضائع العالم.

تلك المنافذ ترتبط أيضاً بالتبادل التجاري الصيني الضخم مع المنطقة العربية، والذي يناهز 330 مليار دولار سنوياً. ولا يتضمن هذا الرقم استثمارات البنية التحتية في إطار "الحزام والطريق"، والتي بلغت تدفقاتها من جانب الصين أكثر من 120 مليار دولار بين عامي 2016 و2020.

على سبيل المثال، استثمرت شركات صينية في منطقة الدقم المطلة على بحر العرب ما يصل إلى 11 مليار دولار بهدف تحويلها إلى مركز صناعي، بالإضافة إلى تسارع وتيرة التعاون بين القاهرة وبكين إزاء منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بالسويس بعد الإعلان عن "الحزام والطريق". أما في العراق، ثالث أكبر مورد للنفط إلى الصين بعد السعودية وروسيا؛ فقد استثمرت بكين قرابة 11 مليار دولار عام 2021 في مشاريع الطاقة المرتبطة بالمبادرة، مما يعني أنَّ المنطقة العربية تغيب عن المسارات الستة الرئيسية للمبادرة، لكنَّها تقع في قلب استثماراتها ومجالاتها.

بحسب وزارة الخارجية الصينية، استقطبت مبادرة "الحزام والطريق" 20 دولة من المنطقة للإفادة من مشاريع البنية التحتية، جرى توقيع مذكرات تفاهم معها. بينما عقدت الصين شراكات استراتيجية مع 12 دولة عربية ضمن نطاق المبادرة.

تصنيفات

قصص قد تهمك