الشرق
مع دخول الشهر الأخير من 2022، وفي إطار تغطية "الشرق" لحصيلة العام؛ مثّلت الاستثمارات السعودية في مصر علامة فارقة كمّاً ونوعاً وتأثيراً على أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، في ضوء التحديات التي يواجهها اقتصادها، وسعيها للحصول على الشريحة الأولى من قرض جديد من صندوق النقد قبل نهاية العام.
تعيش مصر إحدى أصعب الأزمات فيما يخص توفير العملة الأجنبية، منذ مارس الماضي حينما تخارج المستثمرون الأجانب من الأسواق الناشئة إثر الحرب الروسية -الأوكرانية.
تعهدت المملكة العربية السعودية في مارس بتقديم 15 مليار دولار لدعم مصر، منها 5 مليارات دولار كوديعة في المركزي، تمّ تجديدها قبل أيامٍ قليلة لعام آخر، قبل حوالي 4 أشهر من موعد الاستحقاق إلى جانب 10 مليارات دولار من المقرر استثمارها في مصر عبر الاستحواذ على حصص في شركات مدرجة في بورصة القاهرة.
تحول الديون لاستثمارات
منصف مرسي، الرئيس المشارك لقسم البحوث في "سي آي كابيتال"، يَعتبر أنَّ "تجديد الوديعة السعودية قبل موعدها، يرسل إشارة للمستثمرين والمؤسسات الدولية بأنَّ جزءاً من المديونيات الخارجية المتوقَّع سدادها العام المقبل أمست في حكم المؤجلة".
وأشار بيان حكومة المملكة عند تجديد الوديعة إلى أنَّه "من المأمول أن تسهم في فتح قنوات تمويلية جديدة مع المنظمات الإقليمية والدولية بما في ذلك تسهيل إتمام اتفاق برنامج صندوق النقد الدولي".
السعودية تجدد وديعة الـ5 مليارات دولار في "المركزي" المصري
يرى هاني جنينة، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية في القاهرة، أنَّ "تجديد الوديعة السعودية في الوقت الراهن يُطمئن بأنَّه لن يجري سحبها العام المقبل"، آملاً أن تتحول الوديعة السعودية بشكلٍ خاص والودائع الخليجية في مصر خلال الفترة المقبلة إلى "استثمارات مقابل الديون". ويتوقَّع نتيجة لتجديد الوديعة أنَّ "موافقة صندوق النقد على القرض لمصر وصرف أول شريحة منه بات على الأبواب".
تحتاج مصر إلى 28 مليار دولار حتى نهاية 2023 لإعادة تمويل ديون مستحقة السداد، ودفع فوائد الديون وتمويل عجز الحساب الجاري، بحسب مصرف "دويتشه بنك"، بجانب 20 مليار دولار إضافية مطلوبة في السنة التالية. وليس بإمكان صافي الاحتياطيات النقدية الدولية لمصر، الذي يفوق بقليل 33 مليار دولار، تحمّل هذا العبء. وتسبّب ذلك في مخاوف من أنَّ مصر ستستمر في حاجتها للجوء إلى أسواق الديون.
صفقات جديدة
بموازاة الودائع البنكية، يلعب صندوق الاستثمارات العامة السعودي دوراً مباشراً في دعم الاقتصاد المصري عبر الاستثمار في شركات مملوكة بغالبيتها للحكومة. فخلال العام الحالي، ضخّت الشركة السعودية المصرية للاستثمار، التابعة للصندوق، حوالي 1.3 مليار دولار للاستحواذ على حصص في 4 شركات مصرية مدرجة في البورصة.
ويعمل الصندوق السيادي السعودي، في الوقت الحالي، عبر شركته التابعة "على إغلاق عدد من الصفقات الجديدة في مصر، تتضمّن الاستحواذ على أجزاء من شركات مقيدة في البورصة وأخرى غير مقيدة بالبورصة"، بحسب مصادر مطلعة على المفاوضات تحدّثت مع "الشرق" شريطة عدم نشر أسمائها.
السعودية تقود الاستثمارات الخليجية في مصر بـ15 مليار دولار
الصندوق السيادي السعودي يستحوذ على حصص في 4 شركات مصرية بـ1.3 مليار دولار
تملّكت الشركة السعودية المصرية، في أغسطس، 25% من "إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية"، و19.82% من شركة "أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، و25% من "موبكو للأسمدة"، و20% من "الإسكندرية لتداول الحاويات".
فتح الله فوزي، عضو مجلس الأعمال المصري السعودي، يوضح أنَّ هناك "إقبالاً كبيراً في الفترة الحالية من الشركات السعودية على الاستثمار في مصر، وخاصة بالقطاع العقاري، وتحديداً في المدن الجديدة كالعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة".
في حين يأمل عمرو الألفي، رئيس البحوث في "برايم المالية"، أن "تطال الاستثمارات شركات جديدة ناشئة، وليست تلك القائمة فقط".
من جانبها، لفتت آية زهير، محللة الاقتصاد المصري في "زيلا كابيتال"، إلى أنَّ تجديد الوديعة المصرية "بنفس الشروط الميسرة جداً بالنسبة للتصنيف الائتماني لمصر؛ سينعكس حكماً على عدم حاجة الخزانة المصرية للاستدانة وتحمُّل تكاليف إضافية لسداد هذه الأموال".
العقار والطاقة المتجددة
وقَّعت المملكة العربية السعودية ومصر، في يونيو، 14 مذكرة تفاهم قيمتها الإجمالية 7.7 مليار دولار بين القطاع الخاص في كلا البلدين على هامش زيارة ولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى مصر.
امتدت المشاريع السعودية في مصر خلال العام الحالي إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، إذ وقَّعت شركة "أكوا باور" السعودية في نوفمبر خلال قمة المناخ "كوب 27" في شرم الشيخ اتفاقاً لبناء محطة طاقة رياح بقدرة 10 غيغاواط في مصر، بكلفة قدرها نحو 10 مليارات دولار.
السعودية ومصر توقعان 14مذكرة تفاهم بقيمة 7.7 مليار دولار
كما من المقرر بدء التشغيل التجريبي لمشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية نهاية شهر مايو 2025، على أن يبدأ التشغيل الرسمي للمشروع الذي تبلغ تكلفته 1.8 مليار دولار على مرحلتين؛ الأولى في يونيو 2025 بقدرة 1500 ميغاواط، والثانية في نوفمبر من العام نفسه بقدرة 1500 ميغاواط أيضاً.
تشكّل ودائع الدول الخليجية لدى المركزي المصري نحو 85% من احتياطي مصر من العملة الصعبة، لذا عملت السعودية والإمارات في الأيام القليلة الماضية على تجديد ودائعها لإعطاء دفعة، واستقرار أكثر للاقتصاد المصري، وإرسال رسالة طمأنة بتخفيف المديونات المستحقة السداد على المدى القصير.