على شركة "كاتربيلر" أن تقلق؛ فالآلات الصينية تمضي قدماً نحو تبوء مركز القطب الذي تحتله شركة تُعتبر صاحبة الريادة الاقتصادية.
فيما يدمر قطاع العقارات المنكمش وسياسة صفر كوفيد الطلب، يبحث أكبر صُنّاع معدات البناء في الصين، الذين لم يتأثروا بضبابية الموقف، عن فرص أفضل. يستورد هؤلاء الصُنّاع أكواماً من آلات التنقيب والحفارات، إذ يقتطعون من حصة كبار منافسيهم العالميين في السوق. ارتفعت إيرادات هذه الشركات في الخارج بشكل كبير هذا العام، إذ حقق بعضها زيادة في الإيرادات قدرها 54%، وبوتيرة أسرع عما قبل.
رغم المخاوف من تحول أزمة اقتصادية عالمية وشيكة، استمر الطلب على هذه المعدات الثقيلة. تشير تعليقات "كاتربيلر" ونظيراتها إلى تكوين بؤر من النشاط القوي مع تراكم الطلبيات المتأخرة. ساعد ارتفاع أسعار السلع وزيادة الإنفاق على البنية التحتية في تعزيز نشاط التعدين والبناء في بعض أنحاء العالم. المشكلة هي أن العرض –أو الإنتاج– بدأ يقل بسبب عدم توافر الكثير من القطع والمكونات.
تحقيق التقدم في الخارج
لسد الفجوة، دفعت الشركات الصينية، مثل "ساني هيفي إندستري"، بآلاتها إلى أوروبا وأميركا الجنوبية والولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا، حيث هناك حاجة إليها. في تقرير نصف سنوي صدر مؤخراً، ذكرت عملاقة معدات البناء أنها حققت "تقدماً ممتازاً" في الخارج بنمو في خانة العشرات، وإيراداتها الدولية مثّلت أكثر من ربع إجمالي الإيرادات.
استُخدمت الرافعات، التي صنعتها شركة "زومليون هيفي إندستري ساينس آند تكنولوجي"، في بناء استاد لوسِل، وهو الأكبر في قطر وتُقام فيه مباريات كأس العالم لكرة القدم. رفعت الشركة حصتها من السوق في آسيا في الفصول الأخيرة أيضاً.
تبدأ شركات أخرى في الاستعداد للإنتاج في المكسيك، لتبتعد عن الرسوم الجمركية والاستثمار في البحث والتطوير خارج الصين لرفع مكانتها العالمية. بتحقيق ذلك، بدأت هذه الشركات تمثل تهديداً حقيقياً لهيمنة "كاتربيلر"، وشركات عملاقة أخرى في صناعة المعدات، في السوق.
قيود سلسلة التوريد
ليس بإمكان "كاتربيلر" عمل الكثير في الوقت الحالي. استمر النقص في قطع الغيار على مدار العامين الماضيين. رغم أنها تمكنت من رفع الأسعار للحد من ارتفاع التكلفة، قالت الشركة، خلال إعلان نتائج الأعمال في مطلع نوفمبر، أن إجمالي المبيعات كان سيصبح أعلى لولا القيود على سلسلة التوريد.
تعمل الشركة مع الموردين لتخفيف وقع النواقص التي تسببت في أوجه الضعف بالتصنيع. في وقت سابق من العام الجاري، أبقت "كاتربيلر" المصانع تعمل، حتى مع نقص المكونات، لكي تستمر في الإنتاج قدر الإمكان. كما أن المخزون عند الوكلاء منخفض.
"كاتربيلر" تتوقع انخفاض الطلب القادم من الصين مع تباطؤ البناء. يعني ذلك أنه إذا أصبح من الصعب الحصول على حفارات الشركة الأميركية الأسطورية وآلاتها، سيتجه المشترون إلى خيارات أخرى من المحتمل أن تكون أرخص وعلى نفس القدر من التنافسية، خصوصاً مع استمرار الطلب.
التحول إلى التشغيل بالكهرباء
هناك أسباب أخرى للتحوّل. تنتج "ساني"، إحدى أكبر شركات صناعة الآلات في العالم، ونظيراتها، معدات البناء التي تعمل بالكهرباء الآن، مثل معدات النقل المُستخدمة في التعدين وآلات الموانئ والرافعات الأمامية. رغم محدودية الإنتاج إلى الآن، يساعد ذلك عملاءها، مثل شركات التعدين في أميركا الجنوبية– التي تتعرض عادةً لهجوم بسبب عملياتها الملوثة للبيئة، على الادعاء بأنها تعمل على خفض الانبعاثات.
هذا أفضل مما حققته شركات أخرى لإنتاج معدات ثقيلة حتى الآن. استثمرت "كاتربيلر" المزيد من أجل "النمو المُربِح"، وهو ما يعني في قول آخر إنها تصنع المزيد من المعدات التي تستخدم التقنيات المتقدمة وغالية الثمن دون التأثير كثيراً على الأرباح. لكن مجاراة السوق ستكون صعبة.
هذا تحول في حظوظ شركات مثل "كاتربيلر"، التي اعتمدت في الماضي على سخاء بكين، وهو ما سيرفع حتماً الإنفاق على البنية التحتية والبناء، وبالتالي مبيعاتها في البلاد. منذ عامين، تحدثت "كاتربيلر" عن قوة السوق في الصين، وأنها ستبقى هناك لفترة. في الفصول الأخيرة، لم تذكر الشركة الصين كثيراً.
شركات منافسة يُعتد بها
تحقق الشركات المحلية المنافسة للشركة هناك، التي كانت لها أسواق محدودة بالخارج تاريخياً، تقدماً الآن وتتحول إلى كيانات منافسة يُعتد بها. شهد قطاع صناعة السيارات اتجاهاً مماثلاً، مما أثار ضجة بين صُنّاع السياسات في أوروبا.
بالطبع هناك احتمال أن يأخذ الاقتصاد الصيني منحنى نزولياً بشكل كبير، مثلما يود المستثمرون المتشائمون أن تقتنع. رغم ذلك، أظهرت الشركات المحلية في البلاد أنها يمكن أن تتمتع بالمرونة، من خلال استقصاء الطلب العالمي والتوسع في أسواق جديدة وصنع منتجات حديثة. لا يمكن لكل شركات البناء الكبيرة أن تتباهى بتحقيق ذلك اليوم.