أوجاع مصر بعد اتفاق صندوق النقد درس للدول المثقلة بالديون

ارتفاع تكلفة تأمين الديون يزيد أعباء الوفاء بالالتزامات المالية على الدولة

time reading iconدقائق القراءة - 7
زبائن يشترون فواكه وخضروات طازجة في سوق المنهل بحي مدينة نصر في القاهرة بمصر  - المصدر: بلومبرغ
زبائن يشترون فواكه وخضروات طازجة في سوق المنهل بحي مدينة نصر في القاهرة بمصر - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تبدو الاستراتيجية الخاصة بمصر التي يقودها صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمة الديون بمثابة وصفة ممتازة لارتفاع ديون البلاد، إلا أن صناديق إدارة الثروة تشكك في تنفيذ هذه الخطة.

في تسلسل سريع للأحداث خلال الشهر الماضي، حصلت الدولة التي تقع في شمال أفريقيا على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وجمّدت سداد مليارات أخرى من التمويلات الثنائية، وتبنّت نظام عملة أكثر مرونة وزادت من أسعار الفائدة. لكن سرعان ما تبدد أي توقع بأن موجة الأنباء السارة ستُحدث انتعاشة في السوق حيث بدأ تراجع السندات المصرية وارتفعت تكلفة تأمين ديون البلاد ضد التخلف عن السداد.

الاستجابة المتشككة من جانب حاملي السندات تجاه الإعلانات المصرية الحاسمة والمفاجئة ربما تقدم درساً للدول التي تعاني من نقاط ضعف مالية مشابهة على غرار باكستان والأرجنتين وغانا. فلم تعد الوعود المجردة كافية لتبديد هذه الشكوك، إذ يطالب المستثمرون بتقديم دليل على أن البلدان تتخذ الإجراءات الحاسمة اللازمة لسد فجوات التمويل والحد من الديون. علاوة على ذلك، أضعف أحدث تحرك لتشديد السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إقبال المستثمرين على برامج التحوّل المحفوفة بالمخاطر في العالم الناشئ.

الأصول الخطرة

قال تود شوبرت، رئيس وحدة أبحاث الدخل الثابت في مصرف "بنك أوف سنغافورة": "إصرار بنك الاحتياطي الفيدرالي على سياسته التقشفية يضعف الإقبال على الاستثمار في الأصول الخطرة، خصوصاً الأسواق الواعدة (frontier markets) مثل مصر، ويحتاج تعافي السندات المصرية إلى تحسن المناخ العالمي لتداول الأصول الخطرة وخطة أشد واقعية تتعلق بسبل تعامل البلاد مع احتياجاتها التمويلية غير اليسيرة".

حققت سندات مصر للمستثمرين سابع أفضل عائدات في أكتوبر الماضي من بين 72 دولة نامية تتعقبها بلومبرغ مع قرب بلوغ المفاوضات بينها وبين صندوق النقد الدولي نهايتها. لكن خلال الشهر الجاري، تأتي السندات المصرية متراجعة عن غالبية أقرانها بخسائر طفيفة. في هذه الأثناء، صعدت عقود مقايضة مخاطر الائتمان فئة 5 أعوام 210 نقاط أساس خلال 5 أيام لتبلغ 1245 نقطة وهو ما يُعدّ أعلى كثيراً من مستوى ألف نقطة أساس الذي يعتبره محللون مثل جوردون باورز من شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments) بمثابة نقطة بداية الضائقة.

قال باورز: "تبقى مصر نموذجاً لمنطق (أرني الدليل)، وتُعدّ مشاركة صندوق النقد الدولي بمثابة نقطة جيدة لضبط السياسة المالية، ولكنها لن تعالج بمفردها أياً من مشكلات التمويل الخارجي إذ إن نجاح البرنامج يعتمد بدجة كبيرة على تنفيذ أجندة الخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر، والتي ما زال المستثمرون متشككين فيها آخذاً في الاعتبار خيبات أملهم السابقة".

إنفوغراف: مصر أكبر دولة عربية مدينة لصندوق النقد

يُعدّ ذلك إنذاراً لحكومات أخرى بالأسواق الناشئة التي تعاني من ديون متعثرة وجدول أعمال غير مكتمل من إجراءات الإصلاح الاقتصادي. فقد حذّر صندوق النقد الدولي الأرجنتين من التدابير غير التقليدية الخاصة بالعملة. وفي غانا، قال الصندوق إنه يتعين على المسؤولين الوفاء بالتزامات إعادة الهيكلة لكي تكون البلاد مؤهلة للحصول على المساعدة في حالة اعتبار ديون الدولة غير مستدامة.

حان وقت العمل

قيمة القرض الذي ستناله مصر من صندوق النقد الدولي -3 مليارات دولار- تتماشى مع الحد الأدنى من التوقعات، في حين قدّر مصرفا "غولدمان ساكس" و"بنك أوف أميركا" أن مصر قد تحتاج للحصول على 15 مليار دولار.

تحتاج البلاد إلى 28 مليار دولار حتى نهاية 2023 من أجل عملية إعادة تمويل ديونها مستحقة السداد، ودفع فوائد الديون وتمويل عجز الحساب الجاري، بحسب أبحاث مصرف "دويتشه بنك"، بجانب 20 مليار دولار إضافية مطلوبة في السنة التالية. ليس في إمكان صافي الاحتياطيات النقدية الدولية لمصر، الذي يفوق بقليل 33 مليار دولار، تحمّل هذا العبء. وقد تسبب ذلك في مخاوف من أن مصر ستواصل اللجوء إلى أسواق الديون.

بخلاف 2016.. تحرير صرف الجنيه لم ينعش بورصة مصر حتى الآن

أكدت علياء المبيض، التي تتولى منصب مدير عام وحدة الاقتصاد والاستراتيجية بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة "جيفريز إنترناشيونال" (Jefferies International) أن المستثمرين يحتاجون لتوضيح آفاق التمويل الخارجي للبلاد بعد الـ12 شهراً المقبلة، ورؤية استثمارات أجنبية مباشرة تدخل مصر من حلفائها بدول الخليج.

جاذبية السندات

لكن مديري الثروة الذين يفتشون عن الديون المتعثرة ذات القيمة الرخيصة لم يتخلوا عن مصر بصورة كاملة، إذ إن سنداتها المستحقة في 2029 و2030 اكتسبت جاذبية إضافية عقب مسارعة المستثمرين بشراء السندات ذات آجال الاستحقاق الأقصر والأطول في غضون الأسابيع الأخيرة، بحسب "دويتشه بنك".

كتب محللو "دويتشه بنك" بمن فيهم سميرة كالا وأنتوني وونغ في تقرير: "من المفترض أن تدعم الإجراءات الإصلاحية التي يقودها صندوق النقد الدولي مع مرونة سعر صرف العملة أداء الاقتصاد الكلي وأن تسهم في جذب التدفقات الأجنبية".

الاستثمارات الأجنبية في شركات مصر الناشئة تتجاوز نصف مليار دولار في 2022

هذا البرنامج الكبير هو الثاني لمصر مع صندوق النقد الدولي منذ عام 2016. رغم ذلك، فإن إحراز تقدم على صعيد الإصلاحات اتسم بالبطء في بعض المجالات، وفقاً لما كتبته كالي ديفيس، خبيرة الاقتصاد في شركة "أكسفورد إيكونوميكس أفريكا" (Oxford Economics Africa)، في تقرير. التي قالت إن الدولة -وبصفة خاصة الجيش- تمارس درجة هائلة من التحكم في الاقتصاد، وقد حقق برنامج الطروح العامة الأولية للحكومة نجاحاً محدوداً للغاية حتى الآن.

استعانت مصر، بوصفها مستورداً رئيسياً للمواد الغذائية، بجهات إقراض دولية للحصول على الدعم عقب معاناتها من صعود أسعار السلع الأساسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وربما تضررت أيضاً إيرادات قطاع السياحة جراء وصول أعداد أقل من الزوار القادمين من روسيا، والتي تُعدّ سوقاً رئيسية لها.

متطلبات الاتفاق

وفقاً للاتفاق الأخير، طالب صندوق النقد الدولي مصر باتخاذ تدابير إصلاح مالي ترمي إلى تقليص الديون وتحسين عمليات تحصيل الضرائب. كما أنه طلب من البلاد تشجيع ودفع نمو القطاع الخاص عبر "الحد من حضور الدولة في الاقتصاد".

قال أدريان دو توا، مدير وحدة أبحاث اقتصاد الأسواق الناشئة في شركة "ألاينس بيرنشتاين" (AllianceBernstein) ومقرها بلندن: "بعض المعطيات والتوقعات التي تدعم برنامج صندوق النقد الدولي الذي نشره المسؤولون تبدو طموحة تماماً، ومن ثم، توجد مخاطر ضخمة وفي ظل استمرار استثمارات السوق ثقيلة في مجال الائتمان نوعاً ما، يمكن للسندات أن تراوح مكانها في المستقبل القريب".

تصنيفات

قصص قد تهمك