تصعيد بوتين في أوكرانيا يعجّل انهيار تركيبة روسيا السكانية

الحرب تفاقم الأزمة السكانية التي تعود جذورها إلى التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانخفاض معدلات الخصوبة

time reading iconدقائق القراءة - 6
جنود من الحرس الوطني الروسي في دورية حول منطقة كاتدرائية سانت باسيل بالميدان الأحمر، في موسكو، روسيا.  - المصدر: بلومبرغ
جنود من الحرس الوطني الروسي في دورية حول منطقة كاتدرائية سانت باسيل بالميدان الأحمر، في موسكو، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أمضى الرئيس فلاديمير بوتين سنوات في السباق ضد عقارب الساعة الديموغرافية لروسيا، وما كان منه إلا أن يصدر أوامره بغزو أوكرانيا، ما أودى بعدد سكان بلاده إلى انخفاض تاريخي.

إلى جانب الخسائر في أرواح الآلاف بساحة المعركة، يؤدي تجنيد 300 ألف جندي احتياطي للانضمام إلى القتال، ومعدلات هروب أكبر للرجال إلى الخارج، إلى عرقلة أهداف بوتين المتمثلة في البدء في تحقيق الاستقرار السكاني بالفعل هذا العام.

الاضطرابات المعوّقة الناجمة عن الحرب تقترب من أزمة سكانية تعود جذورها إلى التسعينيات من القرن الماضي، وهي فترة من الصعوبات الاقتصادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي الذي أدى إلى انخفاض معدلات الخصوبة. يصفها عالم الديموغرافيا المستقل أليكساي راكشا بأنها "عاصفة عاتية".

طالع المزيد: حرب بوتين تعيد اقتصاد روسيا أربعة أعوام إلى الوراء

أهداف غير واقعية

حددت خطط حكومة بوتين هدف البدء في تغيير اتجاه الانخفاض في عدد السكان خلال عام 2022 قبل استئناف النمو في عام 2030. ومع ذلك، قبل أسابيع من الإعلان عن التعبئة في سبتمبر الماضي، أظهر تقرير داخلي جرى إعداده في اجتماع مغلق أن المسؤولين خلصوا بالفعل إلى أن تلك الأهداف كانت غير واقعية.

وفي إشارة إلى العواقب المترتبة على فيروس كورونا وتدفقات الهجرة، أشار التقرير بدلاً من ذلك إلى مراجعة تتضمن انخفاضاً قدره 416700 شخص في عام 2030.

وإذا استمرت العمليات العسكرية في الأشهر المقبلة، كما هو متوقع، فقد تشهد روسيا أقل من 1.2 مليون مولود العام المقبل، وهو الأدنى في التاريخ الحديث، وفقاً لإيغور إفريموف، الباحث والمتخصص في التركيبة السكانية في معهد "غيدار" في موسكو. ويبلغ متوسط إجمالي الوفيات في روسيا ما يقرب من مليوني شخص سنوياً، إلا أن العدد زاد خلال فترة تفشي الوباء مقترباً من 2.5 مليون في العام الماضي.

اقرأ أيضاً: تعبئة بوتين للجيش تضرب الاقتصاد الروسي المتدهور في مقتل

ضربة رئيسية

قال إفريموف: "الضربة الرئيسية لمعدل المواليد ستكون غير مباشرة، لأن معظم العائلات سيتضرر أفق تخطيطها تماماً نتيجة لذلك. وسيكون التأثير أقوى كلما طال أمد التعبئة ".

جرى الإحصاء السكاني في روسيا، التي يتعطش اقتصادها للموظفين الشباب، وهو الآن مُعرّض لخطر الركود، أو ما هو أسوأ لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب. وتشير تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" الحالية إلى أن معدل النمو المحتمل لروسيا يبلغ 0.5%، بانخفاض نقطتين مئويتين عما قبل الحرب، حيث تمثل العوامل الديموغرافية حوالي ربع التراجع.

رجّح الاقتصاديون في "رينيسانس كابيتال" (Renaissance Capital) في تقرير هذا الشهر أن التركيبة السكانية غير المواتية في مناطق أوكرانيا التي يخطط بوتين لضمها ستفاقم التحديات التي تواجهها روسيا نتيجة العبء السكاني المتزايد.

على الرغم من أن الصدمات الديموغرافية عادة ما تستمر على مدى عقود، فإن تداعيات الغزو تجعل أسوأ السيناريوهات أكثر احتمالاً، بل وأقرب بكثير مما كان متوقعاً.

طالع أيضاً: تقرير حكومي سري يرسم صورة قاتمة لمستقبل اقتصاد روسيا بعد الغزو

رأي خبراء "بلومبرغ إيكونوميكس"...

قال ألكسندر ايزاكوف، الاقتصادي المتخصص بالشأن الروسي: "ينخفض عدد سكان روسيا وستؤدي الحرب إلى تقليص العدد بشكل أكبر. فما الأسباب؟ الهجرة وانخفاض الخصوبة والخسائر البشرية نتيجة الحرب. سيؤدي هذا إلى تآكل النمو المحتمل وتوسيع نطاق السياسة المالية، حيث تحاول الحكومة تغيير مسار تراجع القوى العاملة من خلال سياسات داعمة للإنجاب".

تؤدي التعبئة إلى التأثير بشدة على العائلات، فيما قد تعد أكثر الفترات خطورة على الإطلاق بالنسبة للتركيبة السكانية الروسية، حيث انخفض عدد النساء في سن الإنجاب بنحو الثلث في العقد الماضي. كما أن ذلك يتزامن مع أحد أعلى معدلات الوفيات في العالم، فضلاً عن سوق العمل المستنزفة والآخذة في التلاشي، جنباً إلى جنب مع تدفقات الهجرة الخارجة والشكوك حول قدرة روسيا على جذب العمال من الخارج.

بالنسبة إلى بوتين، الذي بلغ السبعين من عمره، لطالما كانت الديموغرافيا الروسية مشكلة وجودية، وفي العام الماضي فقط أعلن أن "المحافظة على الشعب الروسي هي أولويتنا الوطنية القصوى". وقاد الجهود المبذولة لكسب الوقت بسياسات مكلفة ساهمت في تحقيق زيادة حادة في طول العمر، وتراوحت بين مدفوعات مقطوعة للأمهات الجُدُد إلى إعفاء من الرهن العقاري للعائلات.

"التمويل الدولي": اقتصاد روسيا سينكمش 15% بسبب العقوبات

ولكن مع اقتراب روسيا من غزو أوكرانيا في فبراير الماضي، الذي شكّل السنة الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تفاقمت بسبب الوباء، في ظل انخفاض عدد السكان منذ عام 2018. ووصل العدد إلى 145.1 مليون مطلع أغسطس الماضي، وهو انخفاض بمقدار 475500 منذ بداية العام، مقارنة بـ148.3 مليون في عام 1991، عندما انهار الاتحاد السوفيتي.

أمر كارثي

استمرار العملية العسكرية والتعبئة حتى نهاية الربيع المقبل سيكون أمراً "كارثياً"، وفقاً لإفريموف، والذي رجّح أن ينخفض ​​عدد المواليد إلى مليون فقط في الأشهر الاثني عشر حتى منتصف عام 2024. وقال إن معدل الخصوبة قد يصل إلى 1.2 طفل لكل امرأة، وهو مستوى لم تشهده روسيا إلا مرة واحدة في 1999-2000.

هناك حاجة إلى تحقيق معدل خصوبة قدره 2.1 طفل للحفاظ على استقرار السكان دون الهجرة.

قالت إيلينا تشوريلوفا، زميلة باحثة في المختبر الدولي للسكان والصحة بالمدرسة العليا للاقتصاد: "من المحتمل أنه في ظل ظروف عدم اليقين، سيؤجل العديد من الأزواج إنجاب الأطفال لبعض الوقت حتى يستقر الوضع. وفي عام 2023، من المحتمل أن نشهد انخفاضاً إضافياً في معدل المواليد.".

تصنيفات

قصص قد تهمك