بلومبرغ
يوشك مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على توضيح "الألم" الذي حذروا منه خلال الأسابيع الأخيرة بالأرقام عند نشر توقُّعاتهم المُحدثة للاقتصاد، والتي قد تكشف عن ارتفاع كبير في أسعار الفائدة والبطالة في المستقبل باعتباره يمثل ثمناً تقديرياً لتخفيض التضخم في الولايات المتحدة.
سيصدر البنك المركزي الأميركي أحدث توقُّعاته الفصلية اليوم الأربعاء عقب اجتماع السياسة النقدية الذي سيستمر ليومين في واشنطن، إذ من المنتظر أن يزيد المسؤولون سعر الفائدة الأساسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية لثالث مرة على التوالي.
مثل هذه التحرك سيرفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ ما قبل الأزمة المالية في 2008. تتضمن المرحلة التالية من دورة تشديد السياسة النقدية مخاطر أكبر، والتي من المحتمل أن تنعكس على توقُّعاتهم المعدلة.
تباطؤ أكبر
هبط معدل التضخم قليلاً منذ جولة التوقُّعات الأخيرة خلال يونيو الماضي، مما دفع صنّاع السياسة النقدية إلى تبني موقف أكثر شدة. كما تتزايد شكوكهم في التقديرات القديمة للعلاقة بين البطالة والتضخم، والتي ربما تكون جزءاً من السبب الذي يجعلهم يميلون حالياً نحو ترجيح تباطؤ أكبر في النشاط الاقتصادي.
قال بريت رايان، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في مصرف"دويتشه بنك" في نيويورك: "سيكون لمسار أسعار الفائدة الأعلى تأثير هائل، قطعاً على البطالة، ونتوقَّع اقتراب معدل البطالة من 4.5% في التوقُّعات الحديثة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فهم ما زالوا يروجون لسيناريو (الهبوط السلس)، لكنَّه سيحمل مخاطر ركود مرتفعة في طياته".
البطالة
في يونيو، بلغ متوسط توقُّعات صناع السياسة النقدية لمعدل البطالة زيادة بمقدار نصف نقطة ليصل إلى 4.1% بنهاية 2024. منذ ذلك الوقت، كانت البيانات الشهرية لأسعار المستهلكين محبطة، ففي أحدث تقرير نشرته وزارة العمل في 13 سبتمبر الجاري، ظهر أنَّ التضخم خلال السنة الماضية كان ما يزال عند 8.3%.
في هذه الأثناء، كثّف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ومسؤولون آخرون من تحذيراتهم العلنية إزاء رفع أسعار الفائدة. في خطاب مهم في جاكسون هول في 26 أغسطس، ألمح باول إلى أنَّهم "سيتسبّبون في بعض الألم للأسر والشركات"، مما يعبر عن "التكاليف المؤسفة لخفض التضخم".
قال خبراء الاقتصاد آنا وونغ وأندرو هوسبي وإليزا وينغر أن الموضوع الأساسي للتوقعات سيكون: التأهب لمعدل بطالة أعلى، إذ سيحتاج الأمر لمزيد من زيادات أسعار الفائدة وفترة أطول من المعدلات المتشددة قبل أن يخضع التضخم للسيطرة. يصل تقدير السوق الحالي لسعر فائدة التمويل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي النهائي إلى 4.4%، وعلى الأرجح سيرى صناع السياسة هذا التسعير منصفاً".
رأي بلومبرغ إيكونوميكس
تشارلز إيفانز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، والذي كان يُنظر إليه في الأغلب خلال فترة ولايته التي استمرت 15 سنة على أنَّه أحد صناع السياسة النقدية الأكثر تشاؤماً في البنك المركزي، قال في 8 سبتمبر إنَّه "متفائل بأنَّنا سنكون قادرين على تجاوز هذا الوضع وإبقاء معدل البطالة عند 4.5% تقريباً مع حلول الوقت الذي ننتهي فيه"، مضيفاً أنَّ مثل هذا السيناريو "سيكون نتيجة جيدة للغاية، برغم أنَّه سيكون مكلفاً بالنسبة لبعضهم".
سوق العمل
لكن لا يعد التضخم المتواصل نقطة البيانات الوحيدة التي تزيد من التشاؤم داخل الاحتياطي الفيدرالي تجاه مسار التحرك مستقبلاً. إذ تساهم الأرقام القياسية للوظائف الشاغرة، وربما ينذر الجدل العام المتنامي حوله منذ يونيو بتقديرات أعلى لمعدل بطالة يراه مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي متوافقاً مع التضخم المتوقَّع أن يكون متراجعاً ومستقراً على المدى البعيد.
بلغ متوسط تقديراتهم لهذا المعدل بأن يكون مستقراً عند 4% تقريباً منذ فترة ما قبل تفشي وباء فيروس كورونا، لذا؛ فإنَّ الزيادة ستشكل تحولاً ملموساً في تفكير اللجنة. أشار باول، في مؤتمر صحفي أجراه في 27 يوليو الماضي، إلى هذه الإمكانية عندما قال "لا بد أنَّه قد ارتفع بصورة ملموسة"، مشيراً إلى تراجع معدلات شغل الوظائف الشاغرة.
تتمثل الفكرة في أنَّه مع وجود وظيفتين شاغرتين لكل فرد عاطل باحث عن عمل– في مقابل معدل 1.2 فرصة تقريباً في الأعوام التي سبقت ظهور الوباء – يتعين أن يصعد معدل البطالة حالياً بدرجة أعلى مما كان عليه حينها لجعل المعروض من العمالة أكثر اتساقاً مع الطلب ويحد من الضغوطات التصاعدية على الأجور.
خسائر الوظائف
مع بلوغ معدل البطالة 3.7% في أغسطس الماضي، وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 6 ملايين أميركي ممن يبحثون بنشاط عن وظيفة. سيؤدي صعوده إلى 4.5%، مع افتراض عدم حدوث تغير في حجم القوى العاملة، إلى زيادة الخسائر في الوظائف نحو حوالي 1.3 مليون.
لكنَّ المعاناة لن يتم توزيعها بطريقة متساوية، بحسب ميشيل هولدر، أستاذة الاقتصاد في كلية "جون جاي" للعدالة الجنائية في نيويورك.
أشارت هولدر إلى أنَّ البطالة وسط الأميركيين من أصحاب البشرة السمراء ومن أصل إسباني تميل إلى الصعود بصورة أسرع من معدلات البطالة للأميركيين البيض في فترات الانكماش الاقتصادي. يوجد أيضاً خطر ارتفاع حالات التشرد والجوع بين الأسر منخفضة الدخل جراء خسارة الوظائف، فضلاً عن التأثير طويل الأجل على الأرباح والقدرة على الحصول على وظيفة من المكوث من دون عمل.
قالت هولدر: "ما أخشاه هو أنَّه في حال كان لهذه التوقُّعات هامش خطأ ضخم؛ فإنَّنا نتحدث عن هبوط ملموس في مكاسب توظيف أصحاب البشرة السمراء في هذه البلاد"، كما أعتقد أنَّ ما لايدركه بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ هو أنَّ الألم لن يكون من النوعية المتواضعة بالنسبة للفئات كافة".