قضت جائحة كوفيد-19 على محاولة شجاعة لكسر القبضة الخانقة التي تمارسها شركات طيران مثل "الخطوط الجوية البريطانية" (British Airways)، و"دلتا إيرلاينز" (Delta Air Lines) على سوق الرحلات الجوية عبر الأطلسي.
ولن يفاجئ قرار "النرويجية للطيران" (Norwegian Air Shuttle ASA) بوقف خدمات المسافات الطويلة من أجل ضمان إبقاء الشركة أي شخص على دراية بنضالها المستمر منذ سنوات لكسب الربح. ولكن قد لا تكون هذه نهاية محاولات نقل الركاب بأسعار رخيصة بين أوروبا والولايات المتحدة على متن طائرات حديثة ذات كفاءة في استهلاك الوقود.
واستجابت الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، "آي إيه جيه" (IAG SA)، لنهوض "النرويجية للطيران" من خلال تقديم وحدة المسافات الطويلة منخفضة التكلفة الخاصة بها، والمسماة "ليفل" (Level)؛ حتى أنها فكرت لفترة وجيزة في الاستحواذ على "النرويجية للطيران"، مما يدل على التهديد الذي مثلته هذه الشركة الشمالية. وفي الواقع، فقد استفاد الركاب من هذه المنافسة، وإن لم يكن الأمر نفسه ينطبق على صافي أرباح "النرويجية للطيران" مع كل أسف.
ومن الواضح أن الغالبية العظمى سيستنتجون أن رؤية "النرويجية للطيران" محكوم عليها بالفشل: حيث تختلف اقتصاديات أطوال مسارات الطيران التي تزيد عن سبع ساعات اختلافاً كبيراً عن المسافات القصيرة، وقد أثبتت شركات مثل "خطوط ساوث ويست الجوية" (Southwest Airlines)، و"ايزي جيت بي ال سي" (EasyJet Plc)، و"رايان اير هولدنغز" (Ryanair Holdings Plc) منذ فترة طويلة أن نهج التكلفة المنخفضة قد يكون مربحاً جداً.
مع ذلك، فإنني لن أراهن على أن هذا هو الفصل الأخير في التاريخ المؤسف لرحلات الطيران لمسافات طويلة بأسعار منخفضة. وطالما أن هناك رواد أعمال مغامرين ولديهم إمكانية الوصول إلى رأس المال والطائرات، فإن حلم السفر عبر القارات بأسعار رخيصة لن يتبخر تماماً. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو غريباً، إلا أن فترة ما بعد كوفيد-19 قد تكون مناسبة تماماً مثل أي وقت آخر لبدء شركة طيران.
ومنذ أن حاول "فريدي ليكر" جلب رحلات جوية رخيصة عبر الأطلسي إلى الجماهير في السبعينيات، حاولت شركات الطيران نسخ وصقل نموذج الأعمال المحفوف بالمخاطر هذا، دون تحقيق أي نجاح يذكر. وما من شك في أن "النرويجية للطيران" كانت الأكثر طموحاً بينها جميعاً، ولكن حتى قبل أن تمنع جائحة كوفيد-19 معظمنا من الطيران، كانت هناك سلسلة من حالات الفشل في رحلات الطيران لمسافات طويلة منخفضة التكلفة، بما في ذلك "واو اير" (Wow Air)، و"بريميرا اير" (Primera Air)، و"طيران برلين" (Air Berlin). وفي الوقت نفسه، تمرّ وحدة "طيران آسيا إكس" للمسافات الطويلة ذات الخدمات الأساسية، التابعة لمجموعة "طيران آسيا بي اتش دي" (AirAsia Group Bhd)، بعملية إعادة هيكلة حالياً، وهي تقدم خدمات الطيران من كوالالمبور إلى هونولولو، عبر أوساكا.
تحديات المسافات الطويلة لشركات الطيران
ولا يفوتنا أن قدر هذه الشركات الناقلة كان دوماً الكفاح والنضال، حيث لا تنطبق بعض مزايا نموذج المسافات القصيرة منخفضة التكلفة على الطيران العابر للقارات: فلا تُعد التحولات السريعة بين الرحلات ميزة كبيرة عندما يكون معظم وقت السفر في الجو ولا يكون الركاب على استعداد للبقاء متكدسين مثل السردين لفترات طويلة.
ويسخر "دانييل روسكا" الموظف في شركة "بيرنشتاين ريسيرتش" قائلاً: "لا يوجد ما يسمى بالمسافات الطويلة منخفضة التكلفة؛ هناك فقط مسافات طويلة بأسعار رخيصة".
هذا ويُثمّن المسافرون لمسافات طويلة القدرة على الاتصال بخدمات المسافات القصيرة عبر محاور شركات النقل الرئيسية؛ ومن خلال ملء كبائن درجة الأعمال والدرجة الأولى باهظة الثمن، تكون شركات النقل المعروفة أكثر قدرة على تمويل الطائرات والأطقم الكبيرة، فضلاً عن إدارة تكاليف الوقود المتقلبة.
وفي حين وسعت شركة الطيران المجرية ذات الخدمات الأساسية "ويز اير هولدنغز" (Wizz Air Holdings Plc) شبكتها لتمتد من أيسلندا وجزر الكناري إلى أبوظبي وكازاخستان، فإنها تقول إنها لا تتبع استراتيجية المسافات الطويلة منخفضة التكلفة.
الجدير بالذكر هنا أن رئيس شركة "رايان اير"، "مايكل أوليري"، الذي توقع مراراً وتكراراً نهاية "النرويجية للطيران"، كان صريحاً بشكل خاص بشأن التحديات، حيث قال مؤخراً: "إن تبسيط المسألة من خلال الحديث عن تقليص الزمن المطلوب لإنهاء إجراءات الرحلة والبدء برحلة جديدة إلى 25 دقيقة أو تبني فلسفة الوظيفة الإضافية الأساسية لن ينجح أبداً بالنسبة للمسافات الطويلة".
إستراتيجية المسافات القصيرة
وإذا كان هؤلاء الخبراء في تقديم الخدمات الأساسية يرون أنه لا توجد إمكانية للنجاح، فما هي الفرصة المتاحة أمام الجهات الأخرى؟
نظراً لمواردها المحدودة للغاية، فإن قرار "النرويجية للطيران" بالتركيز على مسارات المسافات القصيرة هو أمر منطقي. وحتى مع الإستراتيجية المحدودة، فإنها تحتاج إلى إعادة الرسملة، حيث من المتوقع أن يستغرق الطيران العابر للقارات وقتاً أطول للتعافي بعد جائحة كوفيد-19. وقد يكون نداء شركة الطيران المتجدد للحكومة النرويجية لتطبيق خطة إنقاذ قد أثر أيضاً على إعادة التفكير، حيث رفضت أوسلو سابقاً تقديم المزيد من المساعدة على أساس أن عمليات المسافات الطويلة كانت تتم في مكان آخر ولم تستفد منها النرويج.
إلا أن هذا لا يعني أن الطموحات الأصلية لـ "النرويجية للطيران" كانت بعيدة عن المنطق، حيث لم تفصل الشركة الربحية حسب نوع المسار، وإنما أصر التنفيذيون على أن بعض الخدمات العابرة للقارات على الأقل كانت "أكثر من مربحة". وفي الواقع، فهناك عوامل أخرى أسهمت في نهايتها، ليس أقلها التوسع الحماسي الممول بالديون والأحداث الخارجة عن سيطرتها: حيث مُنِعت طائرتا بوينغ 787 و737 ماكس اللتان طلبتهما الشركة من الطيران لفترات طويلة؛ وواجهت "بريميرا" مشكلات مماثلة مرتبطة بتوافر الطائرات.
إيرباص ذات الممر الواحد تلعب دوراً
السؤال هنا، هل يمكن أن تنجح جهة أخرى حيث فشلت "النرويجية للطيران"؟ من المقرر أن تدخل طائرة إيرباص ذات الممر الواحد والمدى الأطول، (A321 XLR)، الخدمة في حوالي عام 2023، ومن المفترض أن تفتح المزيد من أزواج المسارات العابرة للقارات، كذلك من المحتمل أن تكون اقتصادياتها أكثر جاذبية من تشغيل طائرة نفاثة أكبر ذات ممرين. وبحسب شركة إيرباص فإن الطائرة ستكون قادرة على التعامل مع أزواج المدن مثل من لندن إلى ميامي ومن روما إلى نيويورك.
وصحيح أن اللحظة الآن تبدو غير ملائمة لإضافة المزيد إلى الخدمات الحالية أو حتى بدء شركة طيران جديدة بالكامل، إلا ان هناك عوامل يمكن أن تعمل لصالح الوافد الجديد بمجرد انتهاء قيود السفر. ونظراً لإفلاس شركات الطيران مؤخراً وتقليص النفقات، فهناك فائض من الطائرات والأطقم، كما أن المطارات بحاجة ماسة للعمل.
أما إذا كان سفر الشركات ضعيفاً بشكل دائم، فقد تكافح شركات الطيران ذات الخدمات الكاملة لملء مقاعد درجة الأعمال في رحلات المسافات الطويلة بشكل مشابه لما كان عليه الحال سابقاً. وإذا حاولت التعويض عن طريق رفع أسعار الدرجة الاقتصادية، فسيكون الركاب في أمس الحاجة إلى بديل أرخص. وصحيح أن المساهمين والدائنين لـِ"النرويجية للطيران" قد يكونون متوترين وقلقين، إلا أن المسافرين الدائمين يشعرون بالامتنان للشركة، حيث يكفيها شرف محاولة تقديم خدمات المسافات الطويلة بأسعار مواتية.