أميركا تواجه ركوداً بفعل الاحتياطي الفيدرالي.. ورئاسة بايدن قد لا تنجو من آثاره

time reading iconدقائق القراءة - 17
جو بايدن وجيروم باول. أقرَّ الاحتياطي الفيدرالي أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود في 15 يونيو. - المصدر: بلومبرغ
جو بايدن وجيروم باول. أقرَّ الاحتياطي الفيدرالي أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود في 15 يونيو. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

الأسعار المرتفعة تُضِر بالأميركيين، كما أن العلاج سيكون مؤلماً أيضاً. وقد يتطلب الأمر ركوداً اقتصادياً للقضاء على التضخم، حيث يُحتمل أن يحدث هذا في عهد الرئيس جو بايدن.

الركود الذي كان بالكاد متوقعاً حتى قبل بضعة أشهر فقط، تزايدت احتمالات وقوعه إلى درجة ثلاثة من أصل أربعة، وفقاً لأحدث تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس".

أقرّ الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، حيث يأخذ مسألة مكافحة التضخم إلى مستوى مفرط. وعندما يحاول محافظو البنوك المركزية جاهدين إبطاء الاقتصاد، فإنهم غالباً ما ينتهي بهم المطاف إلى قلب الأمور إلى الاتجاه المعاكس تماماً.

علاوةً على ذلك، يُسارع المستثمرون للمراهنة على هذا النوع من النتائج السيئة، ما يؤدي إلى انخفاض الأسهم والسندات. وتقول الأسر الأميركية، التي تقف متفرجة على صناديق تقاعدها وهي تتضاءل مع ارتفاع فواتير البقالة والمرافق، إنها متشائمة بشأن الاقتصاد أكثر من أي وقت مضى منذ أكثر من أربعة عقود.

تجدر الإشارة إلى أن كل هذا يحدث فيما ينعم المستهلكون الأميركيون بتدفق السيولة النقدية، وتقترب معدلات البطالة من أدنى مستوياتها التاريخية. حيث قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول يوم الأربعاء إنه "لا توجد علامة" على تباطؤ أوسع. وتُشير توقعات الاحتياطي الفيدرالي، وتوقعات أخرى أبرزتها الإدارة، إلى أن الركود ما يزال غير مرجح، ما يوضح كيف يمكن للنماذج الاقتصادية المختلفة أن تنتج مجموعة واسعة من النتائج.

لكن مع ذلك، تدهور المزاج بوتيرة مقلقة، ما عرّض بايدن لخطر الانضمام إلى نادٍ غير محسود: بدءاً من جيمي كارتر، ومروراً بجورج إتش. دبليو بوش، ووصولاً إلى دونالد ترمب؛ وهم رؤساء الولايات المتحدة الذين تولوا فترة ولاية واحدة خلال نصف القرن الماضي وكانت آمالهم في إعادة انتخابهم تُمنى بخيبات قاتلة بسبب الآثار المستمرة للركود.

يُسبّب هذا الاحتمال بالفعل اضطرابات في معسكر بايدن وذلك قبل الانتخابات النصفية الحاسمة في نوفمبر عندما يتعين على الديمقراطيين أن يدافعوا عن أغلبية ضئيلة في الكونغرس، أو يخاطرون بفقدان قدرتهم على تمرير التشريعات، بما في ذلك التدابير اللازمة للارتقاء بالاقتصاد في حالة الركود.

مؤشرات السوء

يقول الناخبون لمنظمي استطلاعات الرأي الديمقراطيين إنهم يرون العواصف الاقتصادية تتأجج. حيث إن القرارات الرئيسية بشأن قضايا مثل قروض الطلاب مشلولة بسبب مخاوف التضخم، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على مداولات البيت الأبيض. تبحث الإدارة عن إصلاحات مبتكرة لإظهار أنها تجتهد لأجل الأسر التي تعاني من ضغوط شديدة، حيث تشمل جهودها فرض ضريبة مكاسب مفاجئة على أرباح النفط، وطلب التزامات من جانب تجار التجزئة بخفض الأسعار في حال تم إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع الصينية. ويطرح اقتصاديوها حججاً بأن ارتفاع تكلفة المعيشة ليس خطأ بايدن وأن الاقتصاد أفضل بكثير مما يعتقده الناخبون.

لتوضيح مدى صعوبة هذه المهمة الآن، ظهر مقياسان رئيسيان الأسبوع الماضي بمستويات تكاد تكون كارثية من منظور البيت الأبيض.

حيث ارتفع التضخم بشكل غير متوقع ما أدى إلى مرحلة أخرى من تراجع سوق الأسهم، ودفع الاحتياطي الفيدرالي إلى موقف أكثر تشدداً. وانخفضت ثقة المستهلكين الأميركيين (وهم الناخبون أيضاً) إلى أدنى مستوى مسجّل منذ عام 1978، وهي الفترة التي تشمل ثلاث من أسوأ فترات الركود في التاريخ الأميركي.

يُشار إلى أن ارتفاع الأسعار مهيأ بالفعل ليكون أهم قضية في انتخابات هذا العام. وبسبب أزمة سلسلة التوريد الناجمة عن الجائحة، والتحفيز المالي الهائل، والزخم الجديد المرتبط بصدمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، وصل التضخم إلى مستويات لم يشهدها معظم الأميركيين في حياتهم.

من خلال الجمع بين معدلات التضخم والبطالة، فإننا نحصل على مقياس يسميه الاقتصاديون مؤشر البؤس. وقد ارتفع هذا المقياس الآن إلى مستويات تاريخية، وهو أعلى في الواقع مما كان عليه في العديد من فترات الركود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

في هذا الصدد، تُشير توقعات "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن الأميركيين سيظلون بائسين للغاية حتى حلول يوم الانتخابات النصفية. وقد لا يكون الاقتصاد في حالة ركود بحلول ذلك الوقت -وهذا احتمال واحد فقط من كل أربعة- ولكن بالنسبة للعديد من الناخبين فإن الأمر سيبدو كذلك بالنسبة لهم.

تعليقاً على الموضوع، تقول سيليندا ليك، إحدى أكبر منظمي استطلاعات الرأي حول بايدن خلال انتخابات عام 2020، إن مجموعات التركيز الخاصة بها غارقة في الحديث عن ارتفاع تكلفة الغاز والإسكان، وكيف أن الأجور لا تواكبها. وفي الآونة الأخيرة، ظهر أيضاً القلق بشأن انخفاض قيمة صناديق التقاعد التي تعمل بموجب خطة "401k".

وتقول ليك، رئيسة شركة "ليك ريسيرتش بارتنرز" (Lake Research Partners): "نسأل الناخبين: 'لو كان الاقتصاد طقساً، فكيف ستصفه؟ وكان الناخبون يذكرون العواصف والعواصف الرعدية".

انخفض مؤشر الأسهم "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 20% تقريباً عن ذروة شهر يناير، وتضاعف متوسط فائدة قرض الرهن العقاري تقريباً منذ ذلك الحين، حيث قفز إلى ما يقرب من 6%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008.

وفي الواقع، فإن هذه التحركات في السوق مدفوعة بسياسة الاحتياطي الفيدرالي. وهي توضح كيف أنه قبل وقت طويل من أن تتمكن السياسة الجديدة للبنك المركزي من تحقيق الكثير في سبيل تهدئة الأسعار، فإنها تعمل بالفعل على تقويض الثروة وزيادة التكاليف المالية للأميركيين العاديين.

في البيت الأبيض الذي يرأسه بايدن، يقول المسؤولون إن الاقتصاد الأميركي ما يزال قوياً على الأرجح بما يكفي لتجنب الركود؛ وهم يشيرون إلى أن التضخم المرتفع مشكلة عالمية مدفوعة إلى حدٍّ كبير بالجائحة والحرب.

ومع ذلك، ما تزال المخاوف بشأن التضخم تُؤثّر على المناقشات السياسية حول أسئلة مثل ما إذا كان سيتم الإعفاء من قروض الطلاب أو إزالة الرسوم الجمركية التي فُرضت في عهد ترمب على البضائع الصينية، وتأخير القرارات التي كانت معلقة منذ شهور، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على المناقشات قال إن مساعدي بايدن لا يرغبون في اتخاذ أية خطوة من شأنها إما أن تسهم في التضخم أو تمنح الجمهوريين نقطة نقاش حول الاقتصاد.

بعد المفاجأة السيئة الأسبوع الماضي بشأن الأسعار، أكد اثنان من كبار الاقتصاديين في الإدارة -سيسيليا روس وبريان ديزي- أن مهمة الاحتياطي الفيدرالي أن يتزعم مكافحة التضخم. إلا أن معسكر بايدن يبحث في طرق أخرى لتهدئة الأسعار أيضاً.

الجدير بالذكر أن حليفاً رئيسياً لبايدن في مجلس الشيوخ اقترح هذا الأسبوع ضريبة فيدرالية جديدة على أرباح صناعة النفط. كما طلب البيت الأبيض من كبار تجار التجزئة الالتزام بخفض أسعارهم إذا قام الرئيس بتخفيض بعض الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، حيث يدفعهم لتقديم تفاصيل حول السرعة التي قد يحدث بها ذلك، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وقال مسؤول في البيت الأبيض: "هذا تواصل نموذجي لفهم كيف يمكن لقرار سياسي محتمل أن يؤثر على أصحاب المصلحة".

وقال الأشخاص المطلعون إن الجهود لم تنجح حتى الآن، حيث أشارت الشركات إلى عدم فهم أسباب التضخم. في حين يسعى فريق بايدن إلى إلقاء بعض اللوم على الأقل في التضخم على جشع الشركات، على الرغم من قلة الاقتصاديين الذين يتبنون هذه الفكرة.

الحاجة للاستقرار

تُركّز نقاط الحوار الاقتصادي الخاصة بالإدارة على الانتعاش من الركود الذي تسببه كوفيد الذي كان مثيراً للدهشة وفقاً لمعايير تاريخ الولايات المتحدة الحديث، وأقوى بكثير من نظراء أميركا العالميين.

في هذا الصدد، تقول هيذر بوشي، عضوة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة بايدن: "لقد رأينا هذا التعافي القوي بشكل لا يصدق، والذي يحطم الأرقام القياسية بشكل لا يصدق في الوظائف ودخل الأسرة".

كما تقول بوشي: "كنا نعلم أنه سيكون سباق سريع للخروج من هذا الركود الناجم عن الجائحة، وكنا بحاجة إلى سحب كل شيء بسرعة كبيرة؛ أما الآن فنحن بحاجة إلى الاستقرار ضمن نوع من السرعة الماراثونية، حيث لا يمكننا الاستمرار في الركض بسرعة إلى الأبد. وهذه ليست الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد".

يتمثّل الخط الجمهوري في أن بايدن وفريقه يتحملون المسؤولية عن ارتفاع الأسعار لأنهم ضخوا 1.9 تريليون دولار أخرى لتحفيز الاقتصاد في مارس 2021 عندما كان الاقتصاد يتعافى بالفعل.

وفي هذا السياق، يقول ديفيد وينستون، خبير استطلاعات الرأي والاستراتيجي في الحزب الجمهوري الذي يساعد في صياغة الرسائل الاقتصادية للقيادة الجمهورية في الكونغرس: "إنهم يضعون الأموال في جيوب الجميع، لكنهم لم يفعلوا أي شيء فيما يتعلق بقضايا سلسلة التوريد؛ وعندما يزيد الطلب دون أن تعرف كيف تزيد العرض في نفس الوقت، فإنك تحصل على التضخم".

ما من شكٍ في أن الحزب الجمهوري يحتاج إلى تطوير مقترحات ملموسة خاصة به لإصلاح التضخم، وهو أمر لم ينجح بايدن في طرحه، كما يقول وينستون: "التحدي الذي يواجه الجميع ليس فقط إخبار الناس باستمرار كم هو الوضع سيء، ولكن ماذا ستفعل حيال ذلك؟"

يُقِرُّ مسؤولو البيت الأبيض بأن سلسلة من الصدمات، بما في ذلك صدمات أوميكرون، وعمليات الإغلاق الصينية الجديدة، والحرب في أوكرانيا، قد أعاقت الانتعاش في جانب العرض وأعطت زخماً جديداً للتضخم في الوقت الذي كان من المتوقع أن يهدأ فيه - وأن صدمة أخرى قد تُعرّض للخطر فرص تجنب الركود.

يُشار إلى أن مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض قال إن الاقتصاديين في الإدارة وضعوا نماذج لسيناريوهات متطرفة -مثل وجود متغير جديد لفيروس كورونا وارتفاع أكبر في أسعار النفط- حتى يكونوا مستعدين للتصرف بسرعة في حالة الطوارئ.

سمة الركود

يُروّج الاقتصاديون في الإدارة لقصة أكثر تفاؤلاً حول الاقتصاد. حيث قال مسؤول كبير آخر، إن المدخرات المرتفعة للأسر، والأرباح الكبيرة للشركات، والتكاليف المنخفضة لخدمة الديون ليست سمات مميزة لتراجع وشيك، مستشهداً بتوقعات خاصة تضع احتمال حدوث ركود في مكان ما بين 25% و35%.

وفوق كل شيء، فإن الخطاب الاقتصادي لفريق بايدن أمام الناخبين يُسلط الضوء على وفرة الوظائف في الولايات المتحدة. فمن خلاله وصوله إلى 3.6%، يقترب معدل البطالة من أدنى مستوياته منذ نصف قرن، بعد مرور عامين فقط على طرد أكثر من 20 مليون أميركي من العمل في غضون أسابيع من ضرب جائحة كوفيد للبلاد. وهناك ما يقرب من وظيفتين شاغرتين لكل عامل عاطل عن العمل، وهي نسبة تكاد تكون قياسية، حيث ساعد ذلك الأميركيين ذوي الأجور المنخفضة على وجه الخصوص في المساومة على أجورهم.

تقول بوشي: "تحصل الغالبية العظمى منا في هذا البلد على الغالبية العظمى من دخلها من الوظائف؛ حيث يكمن جوهر الأمن الاقتصادي في القدرة على إيجاد الملائم في سوق العمل".

من المؤكد أن الانتخابات هي أكثر بكثير من مجرد اقتصاد. حيث يعتقد العديد من المحللين أن شعار الحملة الداخلية الشهير لبيل كلينتون منذ عام 1992 -"إنه الاقتصاد، يا غبي"- يبالغ في تقدير القضية في الوقت الحاضر.

في الوقع، بدءاً من حقوق الإجهاض، ومراقبة السلاح، ووصولاً إلى شخصية دونالد ترمب، هناك الكثير من القضايا الساخنة الأخرى التي تجمع الأميركيين وتفرّقهم، وستُؤثر على طريقة تصويتهم.

والأكثر من ذلك، حتى لو سقط الاقتصاد بالفعل في حالة ركود، فهناك متسع من الوقت للارتداد -وسحب تقييمات بايدن صعوداً- قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2024.

يقول كريستوفر وليزين، خبير الاقتصاد السياسي بجامعة تكساس، إذا كان الركود أمراً لا مفر منه، فمن الأفضل لبايدن أن يحدث مبكراً؛ حيث يقول: "كلما جاء ذلك مبكراً، كان أفضل؛ ومن المحتمل أن يؤدي تفاقم الأحوال في عام 2023 إلى إلقاء عبء على الرئيس في عام 2024، حيث سيكون الركود الذي سيحدث في عام 2024 أسوأ".

فضلاً عن ذلك، حتى القراءات المرتفعة التي نُشرت حول مؤشر البؤس الاقتصادي لهذا العام لم تتسبب دائماً في الهلاك الانتخابي. حيث تُظهر توقعات "بلومبرغ إيكونوميكس" أنه بحلول نوفمبر، سيكون المقياس تقريباً حيث كان بالضبط قبل عقد من الزمن، عندما أُعيد انتخاب باراك أوباما بشكل سلسل كرئيس.

لكن هناك اختلاف رئيسي واحد. في ذلك الوقت، كانت البطالة هي السبب الرئيسي للبؤس، والآن إنه التضخم. وهذا مزيج أسوأ بكثير بالنسبة للحكومة الحالية، وفقاً لروبرت شيلر، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل.

يقول شيلر: "يعتقد الناس أنهم ربما لن يكونوا عاطلين عن العمل؛ إلا أن التضخم يؤثر على الجميع. وفي كل مرة يذهبون فيها إلى المتجر يرون التضخم وهذا يجعلهم غاضبين". حيث يكون رد فعلهم، كما يقول، هو: "دعونا نلقي اللوم على شخص ما".

تصنيفات

قصص قد تهمك