تراجعت ثقة المستهلكين فقد بلغ مؤشر معنوياتهم لدى جامعة ميشيغان، الذي يتابعه كثيرون على نطاق واسع، أدنى مستوياته منذ 2011. يتعارض هذا مع حقيقة ضيق سوق العمل. كان معدل البطالة 9% حين انخفضت الثقة إلى هذا الحد قبلاً وكان الناس قلقين بشأن رجوح الدخول في ركود اقتصادي مزدوج بعد فترة وجيزة من الأزمة المالية العالمية. لكن معدل البطالة الآن ضئيل للغاية عند 3.6% ورغم تباطؤ الأمور إلا أن إنفاق المستهلكين، الذي يمثّل ثلثي الاقتصاد، ما يزال قوياً.
ذهبت إلى مركز التسوق "تانغر أوتليتز" (Tanger Outlets) المحلي في ميرتل بيتش بولاية ساوث كارولينا لقضاء بعض الوقت خلال عطلة نهاية الأسبوع والبحث عن سراويل رياضية قصيرة. كانت معظم المتاجر مكتظة، وهو ما لا تراه حين يكون الناس متشائمين بشأن توقعات الوظائف. سمعنا أذكياء وول ستريت يقولون إن الاقتصاد يتباطأ وإن احتمال الركود يتزايد، لكني لا أرى ذلك عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك. أتمنى لك حظاً وتوفيقاً في السعي لشراء منزل دون أن تواجه منافسة من المشترين حتى مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري.
اقتصادي حائز على "نوبل" يرى "احتمالية كبيرة" لركود اقتصادي في أميركا
لذا ما يثير كآبة المستهلكين هو التضخم الذي يزيد باستمرار وليس الوظائف. تمتلئ نشرات الأخبار المسائية مع ارتفاع أسعار المستهلكين بأسرع من ارتفاع الأجور بتقارير عن ارتفاع أسعار البنزين وحتى الأشخاص الذين ترتفع إيجاراتهم بدرجة أن هناك احتمال أن ينتهي بهم المطاف بلا مأوى.
مخاوف الفقراء
تلك مخاوف حقيقية وليست كالمخاوف التي تنتاب الأثرياء. يمكن للأسر ذات الدخل المرتفع استيعاب الزيادات في أسعار أشياء مثل الغذاء والوقود وتكاليف السكن. تعيش الأسر التي يقل دخلها عن متوسط الدخل البالغ 50 ألف دولار على ميزانية صارمة، وعندما تزيد أسعار الغاز أو الطعام أو الإيجار 20 إلى 30% سيضطرون لاتخاذ خيارات اقتصادية صعبة. لا عجب بانخفاض مؤشر "كونفرنس بورد" (Conference Board) لثقة المستهلكين الذين يتراوح دخل أسرهم بين 35 و50 ألف دولار سنوياً على مدى 12 شهراً بمقدار ضعف المؤشر الذي يتتبع الذين يزيد دخل أسرهم عن 125 ألف دولار.
نمو الوظائف الأمريكية يفوق التوقعات في مايو
إذاً ما جديد كل التقارير التي تظهر ارتفاعاً كبيراً في الإنفاق؟ هل هذه حالة لما يفعله المستهلكون وليس ما يقولونه؟ ليس بالضبط. دائماً ما يكون الجزء الأول من أي حلقة تضخمية مفيداً للاقتصاد، فيميل النشاط الاقتصادي للانتعاش ويتسارع نمو الأجور. بين بداية 1971 ومنتصف 1973، توسع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 6% سنوياً. الخدعة هي عدم الانسياق وراء نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. يصبح التضخم مشكلة إذا أدى إلى دوامة مخيفة في الأجور مثل ما حدث في السبعينيات بعد طفرة النمو الأولية التي جاءت من التضخم.
الأمر الوحيد الذي أدهشني بشأن الوضع الحالي هو مدى قصر فترة التضخم "الممتعة"، حيث استمرت حوالي ستة أشهر فقط قبل أن يبدأ المستهلكون بالشكوى. لكن ربما لا ينبغي أن أتفاجأ نظراً لمدى سرعة انتقال المعايير المتباينة لما يُعرف بمؤشر البؤس، الذي يضيف معدل التضخم إلى معدل البطالة، من أقل بكثير من المتوسط طويل الأجل إلى أعلى منه بكثير، وكان كل ذلك بسبب سرعة ارتفاع التضخم.
وسرعة أم قوة؟
يبدو أننا نتعلم من جديد أنه بينما يؤدي التضخم لبؤس المستهلك، فإنه لا يبطئ الاقتصاد حقاً، على الأقل ليس في البداية. تميل المراحل المبكرة من فترة التضخم لتحفيز النشاط الاقتصادي، حيث يسرّع الناس من مشترياتهم للشراء الآن وغالباً بكميات كبيرة قبل أن ترتفع الأسعار أكثر. إذاً الدرس هو أن مجرد سرعة نمو الاقتصاد لا يعني أنه أقوى.
الركود إن حصل.. لن يكون مرعباً كما يبدو
يُعد هذا اتهاماً لاقتصاد كينزي من نواح عديدة، حيث يدور معظمه حول تسريع الاقتصاد عبر توسيع عرض النقد والائتمان لزيادة الأجور. لكن لا شيء من ذلك يضمن السعادة إذا أدى لمعدلات تضخم أعلى بكثير، وربما يكون الأمر عكس ذلك. ألق نظرة على اليابان، حيث كانت تتعامل في الغالب مع الانكماش الاقتصادي أو انعدام التضخم طوال 30 عاماً، ولديها مجتمع سلمي ومنتج بشكل عام.
قد تقول معظم الأسر ذات الدخل المنخفض أن اقتصادنا الأسرع حالياً ليس أفضل مما كان لدينا من قبل، وسنكون على استعداد لمقايضة معدل بطالة أعلى مقابل تضخم أقل. لكن هل ينصت الاحتياطي الفيدرالي؟