بلومبرغ
"سوف تتمكّنون من التأقلم والنجاة، لكنَّ الأمر سيكون قاسياً".. هذه هي النصيحة التي قدّمها مؤسس إحدى أولى وكالات الإعلانات في إيران، التي تركز على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الشركات الروسية، بعد أن أمست بلادها هي الأخرى تحت تأثير العقوبات.
قال أحمد نوروزي، الرئيس التنفيذي لشركة "كليك" (Click)، إنَّه استغرق فترة لتقبّل فكرة رحيل عملاء من جنسيات متعددة عن شركته إلى الأبد، لكنَّه استبدلهم بعملاء محليين في غضون فترة قصيرة نسبياً. غير أنَّ أبرز المشكلات التي نجمت عن ذلك، كانت من خلال تهاوي إيرادات شركته السنوية من 2.3 مليون دولار تقريباً قبل ضربة العقوبات الإضافية على إيران في 2018 إلى 285 ألف دولار حالياً.
روسيا هي واحدة من دول مجموعة العشرين، ويقارب حجم اقتصادها 7 أضعاف نظيره الإيراني. مع ذلك؛ وباعتبارها دولة نفطية غنية يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة؛ تقدّم إيران دراسة حالة مثالية بالنسبة إلى وضع روسيا، فيما يتعلق بالعواقب التي قد تتعرض لها، في ظل العقوبات المفروضة عليها منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
اقرأ أيضاً: روسيا وإيران تعتزمان تعزيز العلاقات التجارية في مواجهة عقوبات أمريكا
خضعت طهران لأكثر من حظر وعقوبات اقتصادية منذ أزمة الرهائن الأميركيين في عام 1979، لكن لم يتم تغليظ تلك العقوبات إلا بعد أنْ بدأت الدولة برنامجها السري للوقود النووي. وفي مرتين خلال عامي 2012 و2018 استهدفت تلك العقوبات عزل إيران تماماً عن الاقتصاد العالمي، متسببةً في انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بمعدل 5% و3.5% تقريباً على التوالي في العامين التاليين.
اقرأ المزيد: إيران تختبر ممراً تجارياً جديداً لشحن البضائع الروسية إلى الهند
الإفادة من الثغرات
الدرس الرئيسي الذي تلقّفه المسؤولون الروس من التجربة الإيرانية، هو أنَّ الدولة ونظامها، نجيا إلى حدّ ما، ولم تضطر طهران إلى الإذعان للضغوط الخارجية. كذلك، قد تُقدم تجارب إيران مزيداً من الدروس لروسيا، تبدأ بتقنيات التهريب فيما يتعلق بمجال التصنيع، وصولاً إلى طرق استغلال ثغرات العقوبات.
في أبريل، استضافت روسيا منتدى تجارياً إيرانياً كبيراً على نحو غير معتاد. وفي أواخر الشهر الماضي، ذهب نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الطاقة ألكسندر نوفاك إلى طهران للتحدث مع نظرائه حول طرق التداول بالعملات المحلية، وتجنّب التعرض للدولار الأميركي، إلى جانب مواضيع أخرى.
قال مسؤول روسي من القطاع الحكومي، إنَّ زملاءه يسترشدون بالتجربة الإيرانية بشكل متزايد في جوانب عدة، بوصفها دولة رئيسية منتجة للنفط وخاضعة للعقوبات. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المسألة، أنَّ الحياة ستكون صعبة في البداية، لكن بعد ذلك سيبدأ الاقتصاد في النمو، مثلما حدث إلى حد كبير في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. وقال إنَّ العقوبات ليست مخيفة إلى هذا الحد.
اقرأ أيضاً: "فيتول": الولايات المتحدة قد تسمح بتدفق نفط إيران حتى من دون اتفاق
خيبة من الصين
الصين بدورها، والتي تمثل الأمل الأكبر في التعويض عن الأسواق المفقودة، سواء من ناحية الاستثمارات أو التكنولوجيا، حملت الخيبة في نهاية المطاف، فقد آثرت عدم التعرض بشكل مباشر لعقوبات أميركية أخرى. وبرغم أنَّ الصين حلّت في المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري لإيران في 2021؛ لكنَّ حجم المبادلات الثنائية ظل أقل من نصف ما كان عليه في 2018، عندما بلغ 32 مليار دولار.
كذلك؛ فإنَّ الجهود التي بذلتها إيران لإحلال الواردات، حققت نجاحاً، لكن بشكل جزئي فقط. فعلى سبيل المثال، وبسبب عدم قدرتها على شراء طائرات حديثة؛ لم تتمكّن طهران سوى أن تنظر بعين الحسد إلى روسيا وتركيا المجاورتين، وهما تشتريان أو تستأجران الأساطيل من طائرات الركاب الجديدة لتطوير ناقلاتهما الوطنية الناجحة، والتي ساعدت بدورها في توسيع نفوذهما وتجارتهما الخارجية.
صفقة الطائرات
لم يُكتب النجاح لمشروع إيران المتعلق بشراء أسطولها الخاص من طائرات "بوينغ" و"إيرباص"، والذي أُعلن عنه في أعقاب رفع العقوبات بعد التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 -والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة-، فقد انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات في 2018، مما شكّل في النهاية ضربة قاضية لهذه الصفقة.
بنهاية عام 2019، كان تأثير تلك العقوبات على إنتاج وتصدير النفط من إيران هائلاً، ولم يبدأ تعافي القطاع سوى هذا العام، مع تحوّل تركيز الولايات المتحدة نحو روسيا.
وفي مقارنة مع العراق المجاور، الذي يشترك مع إيران في حقل نفطي ضخم تقدّر احتياطياته بـ38 مليار برميل، نجد أنَّ صادرات العراق النفطية التي كانت في عام 2010، أقل بقليل من صادرات جارته الأكبر حجماً، ارتفعت لتعادل 10 أضعاف الصادرات الإيرانية بحلول نهاية العام الماضي، فيما استخرجت بغداد ضعف النفط الذي استخرجته طهران تقريباً من حقل "مجنون" المشترك، المعروف في إيران باسم حقل "أزاديجان".
خيارات محدودة
كانت وكالة "كليك" التابعة لنوروزي معرّضة بشكل خاص لتداعيات العقوبات، بعد مغادرة عملاء الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات السوق الإيرانية بشكل جماعي في 2019. وحتى العملاء الذين تمكّن نوروزي من المحافظة عليهم، بما في ذلك شركة مواد غذائية، يواجهون صعوبات في استيراد المواد الخام التي يحتاجون إليها لتصنيع منتجاتهم.
قال نوروزي: "الحملات الإعلانية الرقمية التي خططت لها الشركة من أجل هؤلاء العملاء، جرى تعليقها في الوقت الحالي".
أدى الاعتماد الكبير على الصين كذلك، إلى رفع التكاليف على إيران، بسبب محدودية الخيارات الأخرى المتاحة لشراء البضائع من وجهات أخرى، وفق ما يقوله محمود خاغاني، المدير العام السابق لشركة "كاسبين أويل آند غاز" (Caspian Oil & Gas) التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية. وأضاف أنَّ استمرار العقوبات أوجد عدة مصالح خاصة، حيث جنى أصحاب النفوذ الأقوياء في إيران عمولة على الأرباح التي يُتوقَّع جنيها من التهريب واحتكار الواردات.
قال خاغاني: "تمتلك إيران الكثير من الثروات المعدنية والذهب والنحاس والحديد، ولا أحد يعلم من يقوم بتصدير هذه الثروات، أو من الذي يجني الأموال من ورائها. لدينا اقتصاد مظلم، ولن نتركه يتحوّل إلى اقتصاد شفاف أبداً".
اختلافات جوهرية
من المؤكّد أنَّ روسيا قد رتّبت وضعها بالفعل، كنتيجة للعقوبات الأميركية والأوروبية التي استهدفتها بعد ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014، حتى إنْ ظلت تلك العقوبات أقل من تلك التي فُرضت على إيران لغاية العام الجاري. وبالإضافة إلى ذلك؛ هناك اختلافات كبيرة بالطبع بين إيران وروسيا؛ إذ إنَّ روسيا أكبر بكثير، وهي تمتلك ترسانة نووية، وعدد سكانها يبلغ 144 مليون نسمة، فضلاً عن أنَّها تمتد من أوروبا إلى الشرق الأقصى.
لكنَّ روسيا أصبحت أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي، وهذا الأمر فقط، يعني أنَّ لديها أكثر بكثير مما لدى إيران، لتخسره جراء العزلة. سيفتقد المستهلكون الروس سهولة الوصول إلى كل شيء من الأزياء الإيطالية إلى السيارات الألمانية. وبالفعل؛ انهارت صناعة السيارات المهمة في البلاد نتيجة اختناقات سلاسل توريد المكوّنات الأجنبية. ويتوقَّع "صندوق النقد الدولي" انكماش الاقتصاد الروسي بمعدل 8.5% خلال عام 2022.
يشير همايون فلكشاهي، كبير المحللين المتخصصين في النفط والغاز الإيرانيين لدى شركة " كبلر" (Kpler) لبيانات وتحليلات السلع الأساسية، إلى أنَّ الصين لعبت دوراً أساسياً في الإبقاء على صادرات النفط الإيراني في ظل العقوبات. وهذا هو الطريق الذي تعتزم روسيا المضي فيه بالفعل، مع زيادتها مبيعات النفط للصين منذ بداية الحرب، بحسب قوله.
دروس في البقاء
مع ذلك؛ هناك بعض المجالات التي يمكن للتجربة الإيرانية أن تقدِّم فيها درساً أو اثنين.
أحد هذه المجالات، هو أنَّه على الرغم من أنَّ الإعفاءات من العقوبات وأسعار النفط المرتفعة يمكن أن تحدّ من تأثر إيرادات الميزانية؛ إلا أنَّ هذه الدفاعات تتفكك بمجرد تراجع الأسعار.
أما المجال الثاني؛ فيكمن في الشبكة المعقدة التي طوّرتها إيران للإفلات من العقوبات.
يقول فلكشاهي، إنَّ إيران تخزّن النفط في ناقلات تغلق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، لتختفي في اللحظات الحرجة، غالباً لدى وصولها إلى المياه الماليزية. هناك يقومون بغسل المنتج عن طريق نقله إلى سفن أخرى تبحر بشكل مكشوف وعلني عبر مضيق ملقا، ليتم تسليم النفط الذي يظهر وكأنَّه قادم من جهة أخرى إلى الأسواق الآسيوية.
لا يقل هذا الأمر أهمية عن الخبرة التي اكتسبتها إيران في التناوب على إغلاق آبار النفط، والتي إذا جرى إغلاقها لأكثر من بضعة أشهر؛ يمكن أن تتضرر بشكل دائم.
مع وجود الكثير من الإنتاج الروسي في منطقة شمال الأورال، حيث يمكن أن يكون الشتاء قاسياً، تعتبر مثل هذه المشكلة أكثر حدة، مقارنة مع تلك التي تواجهها الحقول في الصحاري الإيرانية الحارة، حيث يبقى النفط الخام فيها أقل لزوجة. ويضيف فلكشاهي: "لم يُخفّض الإنتاج بمثل هذا الحجم في روسيا من قبل".
من المرجّح أن تخلق درجات الحرارة الأكثر برودة في روسيا، جنباً إلى جنب مع تأثر البلاد أكثر بمشكلات سلاسل التوريد العالمية، بعض التحديات للرئيس فلاديمير بوتين، التي لم تواجهها إيران.