كيف يمول العالم حرب بوتين في أوكرانيا؟

كانت روسيا متجراً كبيراً للسلع الأساسية يبيع ما يحتاجه العالم النهم، ولا يقتصر ذلك على الطاقة

time reading iconدقائق القراءة - 20
حصادات من صنع شركة \"روستسلماش\" تحصد بيدراً قرب ستافروبول ، روسيا - المصدر: بلومبرغ
حصادات من صنع شركة "روستسلماش" تحصد بيدراً قرب ستافروبول ، روسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وقف الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض مطلع مارس معلناً نيّته توجيه "ضربة قوية لآلة بوتين الحربية" وذلك كان حين رمت الولايات المتحدة وحلفاؤها روسيا بوابل من العقوبات.

لكن بعد مضي 100 يوم على الحرب في أوكرانيا ما تزال تلك الآلة تعمل. تتلقى روسيا دفعاً عبر طوفان سيولة قد يبلغ متوسطه 800 مليون دولار يومياً هذا العام، وهذا ما تجنيه القوة السلعية العظمى من من النفط والغاز فقط.

كانت روسيا لسنوات متجراً كبيراً للسلع الأساسية يبيع ما يحتاجه العالم النهم، ولا يقتصر ذلك على الطاقة، بل يشمل القمح والنيكل والألمنيوم والبلاديوم أيضاً. دفع غزو أوكرانيا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإعادة التفكير بهذه العلاقة. استغرق الأمر بعض الوقت، رغم أن الاتحاد الأوروبي اتخذ خطوة أخرى منذ أيام حين توصل إلى اتفاق حل وسط حول واردات النفط الروسية.

لم تنج روسيا من العقوبات، التي جعلتها منبوذة في جميع أنحاء العالم المتقدم، بلا أضرار، فقد هربت الشركات العملاقة، وتركت كثير منها أصولاً بمليارات الدولارات كما يتجه اقتصادها نحو ركود عميق. لكن بقدرة بوتين أن يتجاهل هذا الضرر راهناً، لأن خزائنه تفيض بعائدات السلع، التي أصبحت مربحة أكثر من أي وقت مضى جرّاء ارتفاع الأسعار العالمية المدفوع جزئياً بالحرب في أوكرانيا.

حتى مع وقف بعض الدول مشتريات الطاقة أو تخفيضها تدريجياً، ستصل عائدات روسيا من النفط والغاز إلى حوالي 285 مليار دولار هذا العام، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" بناء على توقعات وزارة الاقتصاد. من شأن هذا أن يتجاوز رقم 2021 بأكثر من خمسه. لدى إضافة سلع أخرى، سيفوق الرقم 300 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية المجمدة كجزء من العقوبات.

تداعيات اقتصادية

يعلم زعماء الاتحاد الأوروبي أن عليهم التوقف عن الشراء من روسيا وتمويل حرب مدمرة على أعتاب أوروبا بشكل غير مباشر. لكن في مقابل كل هذا الطموح، تدرك الحكومات الوطنية أيضاً أن لذلك تداعيات على اقتصاداتها.

اتفقوا منذ أيام على مواصلة فرض حظر جزئي على النفط الروسي، ما يمهد الطريق لمجموعة سادسة من العقوبات، لكن ذلك أتى بعد أسابيع من المساومة والانقسام.

قال جيفري شوت، الزميل البارز في معهد بيترسون في واشنطن: "هناك دائماً قيود سياسية على استخدام العقوبات. أنت تريد زيادة ألم هدفك وتقليل ألم دائرتك الانتخابية في الوطن، لكن لسوء الحظ هذا سهل قولاً وصعب فعلاً".

يناقش المسؤولون في الولايات المتحدة سبل تصعيد الضغط المالي، ربما عبر المساعدة بفرض سقف على أسعار النفط الروسي أو فرض عقوبات على البلدان والشركات التي ما تزال تتعامل مع الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات. لكن مثل هذه العقوبات الثانوية تسبب انقساماً عميقاً وتهدد بإلإضرار بالعلاقات مع دول أخرى.

حظرت الولايات المتحدة بالفعل النفط الروسي، لكن أوروبا تتخلص ببطء من هذه التبعية. ما يمنح موسكو وقتاً للعثور على أسواق أخرى، مثل الصين والهند الدولتين العملاقتين اللتين تستهلكان كميات كبيرة من السلع، للحد من أي ضرر يلحق بعائدات التصدير وصندوق تمويل الحرب.

الدرس الثالث: حظر الطاقة هو ما قد يضر روسيا. يأتي ثلثا ارتفاع فائض الحساب الجاري هذا العام من صادرات الطاقة فيما يأتي ثلثه من تراجع الواردات. ستمنع العقوبات البحرية الناقلات من شحن النفط من روسيا. كل ما نحتاجه هو الإرادة السياسية...

تجارة رابحة

تضاعف فائض الحساب الجاري، وهو المقياس الأوسع للتجارة في السلع والخدمات، بأكثر من ثلاثة أضعاف في الأشهر الأربعة الأولى من العام ليصل إلى 96 مليار دولار تقريباً. ويعكس هذا الرقم، وهو أعلى رقم منذ 1994 على الأقل، بشكل أساسي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، رغم أن انخفاض الواردات تحت وطأة العقوبات الدولية كان أحد العوامل أيضاً.

أصبح الروبل رمزاً آخر يستخدمه بوتين لإظهار القوة. ومرة سخر بايدن منه ووصفه بأنه "حطام" لدى انهياره في البداية في استجابة للعقوبات، إلا أن روسيا دعمته منذئذ ليصبح العملة الأفضل أداءً في العالم مقابل الدولار هذا العام.

حاول بوتين الاستفادة من مكانة روسيا كقوة عظمى في مجال السلع، وقال وسط القلق حيال نقص الغذاء إنه لن يسمح بتصدير الحبوب والأسمدة إلا في حال رفع العقوبات عن بلاده.

قالت جانيس كلوغ، الزميلة البارزة لأوروبا الشرقية وأوراسيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: "إذا كان هدف العقوبات وقف الجيش الروسي، فلم يكن هذا الهدف واقعياً. ما يزال بإمكان روسيا تمويل المجهود الحربي، وما يزال بإمكانها تعويض بعض الأضرار التي تلحقها العقوبات بسكانها".

يُعد استعداد الدول الأخرى لمواصلة شراء النفط، وإن كان بسعر مخفض في بعض الحالات، إحدى الثغرات الكبيرة في العقوبات المفروضة على روسيا.

الهند والصين

اشترت المصافي الهندية أكثر من 40 مليون برميل من النفط الروسي بين بداية غزو أوكرانيا في أواخر فبراير وبداية مايو، وهو أكثر بنسبة 20% من التدفقات بين روسيا والهند لعام 2021 بأكمله، وفقاً لحسابات بلومبرغ المستندة لبيانات وزارة التجارة. تسعى شركات التكرير للحصول على صفقات خاصة بدلاً من المناقصات العامة لشراء براميل النفط الروسي بأرخص من أسعار السوق.

تعمل الصين أيضاً على تعزيز روابطها في مجال الطاقة مع البلاد، وتأمين أسعار أرخص عبر شراء النفط الذي يحجم عنه آخرون في أماكن أخرى. عززت الصين وارداتها كما تخوض محادثات لتجديد مخزونها الإستراتيجي باستخدام النفط النفط الروسي.

ينطبق الأمر نفسه على شركات صناعة الصلب واستخراج الفحم. فقد ارتفعت الواردات من روسيا للشهر الثالث في أبريل إلى أكثر من ضعف مستوى العام الماضي، وفقاً لبيانات مكتب الجمارك الرسمية. حاول بعض بائعي النفط والفحم الروس تسهيل الأمور على المشترين الصينيين فسمحوا بالتعامل باليوان الصيني.

قال فوتر جاكوبس، مؤسس ومدير مركز إيراسموس للسلع والتجارة بجامعة إيراسموس في روتردام: "لا تشارك غالبية دول العالم بفرض العقوبات. ستستمر التجارة وستكون هناك حاجة للوقود وسيزداد المشترون في آسيا أو الشرق الأوسط".

عقدة الغاز

أما فيما يتعلق بالغاز، فلدى روسيا خيارات أقل لتحويل الإمدادات، لكن الدول التي تقع عند نهاية خطوط الأنابيب المنبثقة من روسيا، التي يمر بعضها عبر أوكرانيا، عالقة أيضاً في تبعية متبادلة.

توفر روسيا حوالي 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وسيكون هذا هو أصعب رابط على الاتحاد قطعه. قفز التسليم الأوروبي في فبراير ومارس حيث تسبب الغزو بارتفاع الأسعار في مراكز الغاز الأوروبية، ما جعل الشراء من شركة "غازبروم" الروسية أرخص بالنسبة لمعظم العملاء الذين لديهم عقود طويلة الأجل.

تراجعت الأحجام منذ ذلك الحين بفضل الطقس الأكثر دفئاً والتدفقات القياسية للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ودول أخرى. كما وقعت اضطرابات بسبب النشاط العسكري، وأوقفت روسيا نفسها الإمدادات إلى بولندا وبلغاريا وفنلندا، الدول التي رفضت مطالبة بوتين بالدفع بالروبل.

حتى مع تقليل الاتحاد الأوروبي اعتماده عليه، تقول ألمانيا إنها خفضت النسبة إلى 35% من 55%، لكن هناك تعقيدات في كل خطوة. بذل عديد من كبار مشتري الغاز الروسي قصارى جهدهم لمواصلة شراء هذا الوقود الحيوي، وتتوقع شركات المرافق مثل شركة "إيني" الإيطالية وشركة "يونبير" (Uniper) الألمانية استمرار الإمدادات.

يبدو أن التوجه هو نحو فرض مزيد من القيود رغم بطء التقدم. سيتصاعد في النهاية الضغط على الاقتصاد الروسي والشؤون المالية لبوتين رغم أن الجدول الزمني غير مؤكد.

يواجه قطاع الطاقة في البلاد أيضاً مجموعة عوامل أخرى غير الطلب، بدءاً من قيود الشحن والتأمين إلى ضعف الطلب المحلي. قد ينخفض إنتاج النفط بأكثر من 9% هذا العام، بينما قد ينخفض إنتاج الغاز 5.6%، وفقاً لتوقعات الحالة الأساسية لوزارة الاقتصاد الروسية.

قالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة مركز الاستشارات السياسية "آر بوليتيك" (R.Politik): "هناك بعض التفاؤل وحتى المفاجأة في الكرملين من أن الاقتصاد الروسي لم ينهرْ بسبب هجمة العقوبات. لكن بالنظر قُدُماً لعامين أو ثلاثة أعوام، فهناك كثير من الأسئلة حول كيفية بقاء قطاعي الطاقة والتصنيع".

تصنيفات

قصص قد تهمك