بلومبرغ
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تقديم العديد من القروض لدولة مولدوفا الصغيرة لمساعدتها على تحمل التداعيات الاقتصادية التي سببتها الحرب الدائرة في الجوار، حيث بلغ سوء الأوضاع المحفوفة بالمخاطر الحد الذي ناشد فيه "صندوق النقد الدولي" الدول لتقديم مساعدات نقدية عاجلة.
يزيد الصراع من الضغوط التي تتعرض لها الدولة السوفيتية السابقة التي بدأت مؤخراً محاولة إصلاح للحد من الكسب غير المشروع وعلاج المشاكل الهيكلية الأخرى.
تبقى مولدوفا عالقة بين عالمين، حيث تأمل في الانضمام إلى "الاتحاد الأوروبي" بينما يستمر اعتمادها على موسكو في إمدادات الطاقة. يتزامن ذلك مع تصاعد التوترات في إقليم ترانسنيستريا الانفصالي الموالي لروسيا، ما يثير مخاوف من احتمال دخول مولدوفا في صراع أوسع.
قد تدفع الحرب في أوكرانيا مولدوفا إلى الانفصال بشكل كامل عن الماضي، حيث سرّعت الحكومة مسار انضمامها إلى "الاتحاد الأوروبي"، وأصبحت منذ فبراير الماضي لديها القدرة على التحول من شبكات الكهرباء والغاز الروسية إلى شبكات الكهرباء والغاز الأوروبية.
تعاني مولدوفا من ارتفاع معدل التضخم إلى 22% على أساس سنوي، وتباطؤ معدل النمو بشكل حاد من 14% ما بعد كوفيد في عام 2021 ليصل معدل النمو المتوقع هذا العام إلى 0.3%، وسط تعطل الصادرات والتحويلات المالية. كما قد يتسبب الصراع في زعزعة استقرار الدولة التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة.
أشار رودغرز شاواني، الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في مولدوفا، إلى وجود مخاطر من تزايد الاقتراض لدعم البلاد من الصدمات الخارجية التي محت تداعياتها ما أثمرته الإصلاحات المحلية. وتساءل شاواني: "متى يمكنهم التركيز على أجندتهم الخاصة؟"، كما أعرب عن قلقه من اقتصار دور مؤسسات مثل "صندوق النقد الدولي" على تقديم القروض فقط، ما سيوجه الإيرادات المستقبلية التي كان ينبغي إنفاقها على التنمية إلى سداد تلك الديون المتراكمة. وقال شاواني أثناء حديثه من مكتبه في تشيسيناو، عاصمة مولدوفا: "المشكلة أنهم قد يصبحون مثقلين بالأعباء، ولذلك نطلب من الدول الداعمة تقديم المزيد من المنح".
دعم صندوق النقد
قبل الحرب، توقع "صندوق النقد الدولي" أن تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في مولدوفا 40% في عام 2022، مقارنة بنسبة 27.9% في عام 2019. ويقول شواني إن تقديرات الصندوق تشير إلى أن أي زيادة في تلك النسبة عن مستوى 45% لن تستطيع مولدوفا تحملها.
تعهد "صندوق النقد الدولي" منذ ديسمبر بتقديم 815 مليون دولار لدعم الميزانية (جزء منها ينتظر الموافقة النهائية)، حيث تسعى مولدوفا لسد عجز يقدر بنحو 1.7 مليار دولار، ما يمثل نحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والذي تسببت تداعيات الحرب في جزء كبير منه.
تخطط مولدوفا لشراء مرفق لتخزين الغاز الطبيعي وتنتظر موافقة مجلس إدارة "البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير" على تسهيلات تمويلية بقيمة 300 مليون دولار للمرفق. سبق ذلك مئات الملايين الأخرى لإنفاقها على البنية التحتية وغيرها من المساعدات التي قدمها الحلفاء والمؤسسات الدولية، حيث قدم الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي 150 مليون يورو. يعكس تدفق الأموال مدى الثقة في حكومة مولدوفا الحالية.
ألمانيا قادرة على وقف شراء الغاز الروسي
في عام 2018، علق "الاتحاد الأوروبي" مساعداته لمولدوفا، عقب عدم التزامها بتنفيذ سلسلة من التعهدات الإصلاحية، والتي تزامنت مع فضائح غسيل أموال ضخمة.
بعد ذلك بعام، تولت حكومة بقيادة رئيسة الوزراء آنذاك -الرئيسة حالياً- مايا ساندو السلطة، حيث تعهدت بتحسين معايير الحوكمة، والتخلص من مؤسسات الدولة التي تستنزف الإيرادات، وإصلاح القضاء المسيس. لكن تلك الجهود تراجعت بعد ذلك بشكل مؤقت، وأعقب التراجع تفشي فيروس كورونا، ثم ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وصولاً إلى تكاليف الحرب في أوكرانيا حالياً، والحاجة إلى دعم 450 ألف لاجئ من بينهم 95 ألفاً قرروا الإقامة في البلاد.
من بين تكاليف الحرب الأخرى، تأتي تحويلات العاملين في الخارج التي بلغت أقل بقليل من 1.5 مليار دولار في عام 2020، بما يعادل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن تلك التحويلات تتراجع بالفعل، مع اقتراب تحويلات المولدوفيين العاملين في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا إلى بلادهم من الانهيار، الأمر الذي ينطبق على التجارة مع نفس البلدان.
النقطة الأضعف
أما الأخبار السارة، كما يقول جيورجي شاغيدز، الرئيس التنفيذي لـ"مولدوفا أغرويند بنك" (Moldova Agroind bank)، أكبر البنوك في البلاد، فهي أن القطاع المصرفي، الذي انهار في عام 2015، أصبح أقوى، والبنك المركزي أصبح يملك احتياطيات كافية، والمستهلكون لم يفرطوا في الاقتراض، وأضاف شاغيدز: "هذه الأرقام لا تثير المخاوف".
أضاف شاغيدز: "الأمر المثير للمخاوف ما يحدث للودائع والاستثمار الداخلي، وتدفقات الاستثمار الخارجة نتيجة للصراع". حيث يحمل مئات الآلاف من سكان مولدوفا جوازات سفر رومانية ويمكنهم نقل أموالهم عبر الحدود إلى الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، إذا شعروا بعدم الأمان في كيشيناو.
قد تكون النقطة الأضعف في اقتصاد مولدوفا تتمثل في اعتماده طويل الأمد على مزيج الطاقة من "غازبروم" الروسية وترانسنيستريا حيث ركز مخططو الحقبة السوفيتية معظم صناعة الجمهورية، بما في ذلك محطة طاقة تعمل بالغاز.
لم يكن لدى مولدوفا بديل حتى وقت قريب. حيث أعلن وزير الدولة للبنية التحتية والتنمية الإقليمية، كونستانتين بوروسان، عن افتتاح خط غاز يربطها برومانيا في أكتوبر الماضي. كانت مولدوفا قد اعتادت على شراء القليل من الغاز من سوق التعاملات الفورية في أوروبا، حيث كانت تدفع 10 أضعاف ما تدفعه لشركة "غازبروم" خلال كوفيد، وقد وقَّعت مولدوفا عقد توريد غاز مدته 5 سنوات مع "غازبروم" في أكتوبر الماضي.
ارتفع الاستهلاك مع إضافة اللاجئين إلى السكان. بينما تبقى أسعار الغاز الذي يتم شراؤه من روسيا أرخص بكثير من الأسعار في السوق الفورية في أوروبا.
لدى مولدوفا اتصال بشبكة الكهرباء في أوكرانيا. وقال بوروسان إنه رغم ذلك قد مدد عقداً كان قد انتهى لمدة شهر جديد مع شركة كهرباء إقليم ترانسنيستريا، لأن سعره يعادل نصف ما عرضته أوكرانيا.
أضاف بوروسان: "نعم هناك تضامن" مع أوكرانيا، ولكن "كيف يمكننا أن نقول لشعبنا إننا نشتري كهرباء بتكلفة أكثر. ومن المستفيد؟"
ترى أنغيلا ساكس، رئيسة بعثة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مولدوفا، أن هناك فرصة ضائعة، فيما أشادت بتوجهات الحكومة الإصلاحية، وقالت: "لقد كانوا في أزمة استمرت من الوباء إلى الطاقة". و"الفرصة لن تدوم طويلاً".