بلومبرغ
الأجور المنخفضة، والعمل المتطلّب، والافتقار إلى المزايا، أسباب جميعها دفعت العاملات في مجال رعاية الأطفال للخروج من الصناعة إلى الأبد أثناء الجائحة، ما خلّف آثاراً كبيرة على الجزء المتبقي من قطاعات الاقتصاد الأمريكي.
فما يزال التوظيف في خدمات الرعاية النهارية يقل عن مستويات ما قبل كوفيد، بنسبة تزيد عن 10%، مقارنة بنسبة 1% فقط لسوق العمل ككل. كما تُشير بيانات "لينكد إن" إلى أن العديد من هؤلاء النساء - عمل رعاية الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة يكاد يكون مقتصراً على النساء بالكامل - انتقلن إلى وظائف أخرى، بشكل رئيسي في مجال التعليم.
الانتقال إلى وظائف أخرى
إحداهن هي سارة ماليت، 32 سنة، كانت عملت في منشأة للطفولة المبكرة في ولاية ماين لنحو تسع سنوات، حيث كانت تكافح من أجل سداد قروضها الطلابية اعتماداً على أجرها بالساعة، لكنها غادرت هذه الوظيفة في نهاية المطاف أثناء الجائحة، وانتقلت للتدريس في مدرسة عامة.
تقول ماليت عن العمل مع الأطفال الأصغر سناً: "كان هذا هو المكان الذي وجدتُ فيه قلبي وروحي؛ ولكن عندما أغلقنا أبوابنا، ولم نعمل لمدة ثلاثة أشهر، علمت حينها أني بحاجة إلى تحويل مصدر دخلي وأمني، وإيجاد طريقة أخرى للحصول على المزايا".
آباء بلا خيارات
يترك نقص الموظفين - مقترناً بآلاف مراكز رعاية الأطفال التي لم تُعاود فتح أبوابها أبداً بعد الجائحة - نحو 460 ألف أسرة تكافح لإيجاد بدائل، وفقاً لتقديرات "ويلز فارغو أند كو" (Wells Fargo & Co). وهو ما يُبقي بعضاً من الأباء، وخاصة الأمهات، خارج القوى العاملة. كما قال الاقتصاديون في "ويلز فارغو" في ملاحظة خلال الشهر الماضي: تحديات قطاع الرعاية النهارية تجعل التوظيف أكثر صعوبة وتكلفة بالنسبة لكافة القطاعات.
رعاية الأطفال.. سر نجاح أكثر المؤسسات تنوعاً بين الجنسين في العالم
وكانت جائحة كوفيد-19 فاقمت النقص الموجود أصلاً في قطاع معروف بارتفاع نسبة الدوران الوظيفي به، وتسببت في خسارة مئات الآلاف لوظائفهم مع إغلاق دور الرعاية النهارية خلال الوباء.
لكن مع تعافي الاقتصاد، دفع سوق العمل الضيق أرباب العمل في قطاعات تمتد من تجارة التجزئة وحتى سلاسل المطاعم، إلى زيادة الأجور إلى ما لا يقل عن 15 دولاراً في الساعة، وتوسيع تغطية المزايا، وتوفير المرونة الوظيفية لجذب المتقدمين للعمل. وفي الواقع، كان قطاع رعاية الطفولة المبكرة غير قادر على المنافسة مالياً، وهذا يعني في المتوسط أن الأشخاص الذين يعتنون بالرضّع والأطفال الصغار غالباً ما يكسبون أقل بكثير من أولئك الذين يعملون في المتاجر أو المستودعات المحليّة.
فضلاً عن ذلك، يقول مقدمو هذه الخدمات إنهم لا يستطيعون زيادة الرسوم المفروضة على الأهل، حيث تُنفق الأسر في المتوسط نحو 13% من دخلها على رعاية الأطفال في الولايات المتحدة. وصحيح أن أموال الإغاثة من الجائحة ساعدت بعض دور الرعاية النهارية على زيادة الأجور مؤقتاً، لكن بدون دعم حكومي مستمر، يقول أصحاب الأعمال إنهم لا يستطيعون تحمل زيادات مستدامة في الأجور.
رفع الأجور
تعليقاً على الموضوع، قال تييراني رايس، مالك "غيلمور بريب أكاديمي"، وهي حضانة مقرها غرير في ساوث كارولينا: "تريد أن تدفع للموظفين ما يجب أن يتقاضوه، في الوقت ذاته هذا يعني أن عليك زيادة الرسوم على الأهالي حتى تتمكن من القيام بذلك".
يُشار إلى أن متوسط ما تتقاضاه الموظفة في الرعاية النهارية يبلغ نحو 12.40 دولار في الساعة، أو 25 ألفاً و790 دولاراً سنوياً، وفقاً لبيانات مايو 2021 من مكتب إحصاءات العمل. وهذا بالكاد يعلو فوق مستوى الفقر لأسرة مكونة من ثلاثة أفراد في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات حكومية. حيث يبلغ متوسط الأجر في جميع المهن 28.01 دولار في الساعة.
في ولاية ماين، حيث يقل متوسط أجور العاملين في مجال رعاية الأطفال بالساعة عن 15 دولاراً، تقول تارا ويليامز، المديرة التنفيذية في "جمعية ماين لتعليم الأطفال الصغار" إنها شاهدت معلمات في مرحلة الطفولة المبكرة تغادرن للعمل في سلاسل محلية، أو أحد المتاجر الكبرى، أو صالونات تصفيف الشعر، أو حتى لبدء عمل في التصوير الفوتوغرافي.
وأضافت ويليامز: "نرى لافتات في كل مكان: من المتاجر الكبرى، وحتى محال التجزئة، والمقاهي، والمطاعم، حيث يبحث الجميع عن موظفين. وجميع اللافتات تتحدث عن 17 دولاراً، 18 دولاراً، 19 دولاراً في الساعة، وغالباً ما تتضمن مكافآت البدء بالعمل، وحزم من المزايا الوظيفية".
الخزانة الأمريكية: فشل نظام رعاية الأطفال يعيق تعافي الاقتصاد
في هذا الإطار، يشير تحليل أجراه موقع "لينكد إن" أن نسبة مستخدميه في الولايات المتحدة ممن يعملون في رعاية الأطفال، تقلصت بنسبة 11% في عام 2020، وعادت لتنخفض بنسبة 16% إضافية في عام 2021. وكانت هذه النسبة قد نمت، خلال السنوات الثلاث وإن كان ذلك بوتيرة متناقصة.
وباستثناء الأدوار التعليمية، تشمل الأدوار الشائعة للأشخاص الذين يغادرون مجال رعاية الأطفال: المساعدة الإدارية، والمبيعات، وخدمة العملاء. كما شغل البعض وظائف في التمريض أو كموظفي استقبال.
الدعم الحكومي
تأثير هذا النقص على جودة الرعاية هو واسع الانتشار، حيث قال ثلثا المعلمين في مرحلة الطفولة المبكرة إن نقص الموظفين يؤثر على قدرتهم في خدمة الأسر، وفقاً لمسح أجرته الرابطة الوطنية لتعليم الأطفال الصغار في وقت سابق من هذا العام.
من جهتهم يشير المدافعون عن القطاع إلى الحاجة لتمويل حكومي يساعد مقدمي الخدمات على زيادة أجور العاملين، الذين غالباً ما يُطلب منهم امتلاك درجة البكالوريوس، والتحلّي بالقدرة على تسرية الأعمال التجارية لدى دور الرعاية.
يُذكر أن الولايات المتحدة هي دولة تتخلّف عن بقية الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث تستثمر القليل من المال العام نسبياً في رعاية الأطفال الصغار جداً. وبدلاً من ذلك، يعتمد النظام الذي يتسم بكونه تابعاً للقطاع الخاص إلى حد كبير على إنفاق الآباء، الذين في الغالب يمتلكون موارد محدودة، وفقاً لتقرير صادر عن "مشروع هاميلتون" في "معهد بروكينغز".
وعلى الرغم من أن إصلاح قطاع رعاية الأطفال يحظى عموماً بدعم من الحزبين، إلا أن الحكومة الفيدرالية لم تكن قادرة على الموافقة على تشريع جديد.
من جانبه أوقف السناتور الديمقراطي جو مانشين خطة "إعادة البناء بشكل أفضل" التي وضعها الرئيس جو بايدن وتضمنت 400 مليار دولار لرعاية الأطفال ومرحلة ما قبل المدرسة، وفي المقابل، قدّم مانشين حزمة مخففة لا تشمل رعاية الأطفال.
حتى بعد انتهاء الوباء.. تطبيق "زووم" يدخل في صميم النماذج التعليمية
كذلك قدّم عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان تيم سكوت، وريتشارد بور، مشروع قانون في 22 مارس من شأنه إعادة السماح بـِ"منحة رعاية الأطفال ونمائهم" التي توفر نحو 6 مليارات دولار سنوياً لدعم رعاية الأطفال في الأسر العاملة، وتحسين معدلات تسديد التكاليف للشركات حتى تتمكن من تعيين الموظفين والاحتفاظ بهم.
تقول سيندي لينهوف، مديرة "الرابطة الوطنية لرعاية الأطفال"مصير مشروع هذا القانون ما يزال غير معروف، لكن في حال تم تمريره، فقد يُوسّع من إمدادات قطاع رعاية الأطفال ويساعد في تغطية التكاليف التي يتكبدها مقدمو الرعاية.
كذلك يقول تشارلي جوغين، المتحدث باسم "فيرست فايف ييرز فاند" (First Five Years Fund)، وهي مجموعة مدافعة عن القطاع: "لا شك في أن هذه ليست أزمة ستتحسن من تلقاء نفسها؛ والحل الوحيد هو التمويل الكبير والمستدام من الحكومة الفيدرالية".
علاوةً على ذلك، كانت راشيل شيلتون، وهي معلمة سابقة في مدرسة عامة وأم لطفلين في أشفيل بولاية نورث كارولينا، تعمل في الحضانة التي التحق بها طفلاها قبل الجائحة، إلا أنها أُغلِقتْ خلال مارس 2020 مع الجائحة، ومن ثم أغلقتْ أبوابها بشكل نهائي. وهي الآن تتطلع إلى ترك التدريس بالكامل.
حيث قالت شيلتون، 36 عاماً: "كمجتمع، لم نُقدّر هذا العمل بالطريقة التي نُقدّر بها المهنيين الآخرين" وأضافت: "أنا لا أبحث عن وظائف في هذا المجال حالياً، مع ذلك فأنا أتمنى لو كان الوضع مختلفاً، لأنّي أعتقد أنّي جيدة في هذه المهنة، وأمتلك مهارات جيدة".