يحتاج اقتصاد الصين إلى كل دعم يمكنه أن يحصل عليه. فالجهود الصارمة التي تتخذها البلاد بهدف احتواء تفشي "كوفيد-19" تؤدي إلى تهاوي آفاق النمو وإضعاف اليوان. أما الأمر الإيجابي في كل ذلك، فهو أن بكين لم تتخلّ للأسواق عن سيطرتها الكاملة على عملتها.
يعتبر ضعف اليوان مشكلة جيدة هذه الأيام، إذ يمكن أن يضيف حافزاً للاقتصاد من خلال دعم الصادرات التي لعبت دوراً بارزاً على هذا الصعيد في العام الماضي. غير أن المسؤولين يريدون أن تبقى الأمور تحت السيطرة.
اقرأ أيضاً: اليوان يسترد قوته مع خفض البنك المركزي نسبة احتياطي النقد الأجنبي الإلزامي
خسرت العملة الصينية أكثر من 3% من قيمتها مقابل الدولار هذا الشهر، مسجلة في وقت ما أكبر خسارة لها منذ عام 2015. وتشعر بكين بالقلق من حالة عدم الاستقرار المالي وهروب رؤوس الأموال، وهي لذلك، اتخذت عدداً من التدابير لتلافي حدوث المزيد من الانزلاق.
في وقت متأخر من يوم الإثنين، خفّض البنك المركزي حجم الأموال التي يجب على البنوك أن تخصصها لحيازات النقد الأجنبي. والقصد من ذلك، هو زيادة المعروض من الدولارات، وبالتالي تحفيز الطلب على اليوان مقابل الدولار. وسبق للسلطات الصينية أن نشرت مثل هذه التعديلات لتوجيه العملة.
اقرأ المزيد: الصين تؤكد قدرتها على احتواء تبعات رفع الفائدة الأمريكية
في العام الماضي، عندما كان اليوان يزداد قوة بشكل متسارع، بادرت الصين إلى رفع معدل الاحتياطي، وقد حققت هذه المبادرة بعض النجاح، على الأقل في البداية، حيث ارتفع اليوان قليلاً ليُتداول عند حوالي 6.55 يوان للدولار الأمريكي الواحد.
قوى السوق
السبب الرئيسي وراء الانخفاض الأخير لليوان، هو أن الاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة كبيرة جداً وفقاً لبعض المقاييس، في الوقت الذي يرفع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة من أجل كبح التضخم. في المقابل، أسعار الفائدة في الصين متدنية، و"بنك الشعب الصيني" يعتمد سياسية التيسير النقدي. وما يدعم "بنك الشعب الصيني" في هذا المجال، هو أن التضخم في الصين لم يرتفع كما هو الحال في أمريكا، حيث سجلت أسعار المستهلكين أكبر زيادة في أربعة عقود خلال شهر مارس الماضي. وبلغ معدل التضخم السنوي في الصين الشهر الماضي 1.5%، مقابل 8.5% في الولايات المتحدة. وبالتالي، عندما تكون الاختلافات في الموقف النقدي حادة للغاية، لا يكون من المنطقي أن تحارب بكين قوى السوق.
قد يرى البعض، أن على الصين أن تخفض أسعار الفائدة في ظل الظروف التي يعيشها الاقتصاد. لكن، على الرغم من خفض "بنك الشعب الصيني" تكاليف الاقتراض خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن تحركاته كانت دقيقة. فقد أبقى هذا الشهر على أسعار الفائدة دون تغيير، الأمر الذي أثار دهشة معظم الاقتصاديين، في وقت كان الانخفاض الأخير في كمية الاحتياطيات التي يجب أن يحتفظ بها المقرضون في المتناول، أقل مما كان متوقعاً.
تعثر الانتعاش
هذا هو الموضع الذي يتعين فيه على الدولة أن تتبنى أدوات رفع إضافية للاستفادة منها. فاليوان ليس عملة معوّمة بشكل حُر مثل الدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني. وبالتأكيد، ستتدخل وزارة الخزانة الأمريكية أو البنك المركزي الأوروبي في بعض الأحيان، لكن هذا الأمر نادر الحدوث. وعلى النقيض من ذلك، فإن بكين لم تخلِ يديها تماماً. وحتى عندما يكون التداول متباطئاً، يحدّد البنك المركزي معايير التقلبات من خلال التثبيت اليومي.
من غير المرجح أن يشكو المصدّرون من هذا الأمر. فالدور الحيوي للصين في سلاسل التوريد العالمية، فضلاً عن مكانتها كدولة صناعية من الدرجة الأولى، يعني أن الشحنات في الخارج كانت جزءاً أساسياً من الانتعاش، مقارنة بالانكماش الذي حدث في أوائل عام 2020. ومع ذلك، فإن هذا الانتعاش يتعثر، حيث تضغط عمليات الإغلاق الصارمة على إنفاق المستهلكين، وتجعل من الصعب على الناس الذهاب إلى العمل. وبينما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4.8% مقارنة بالربع الأول من العام السابق، تراجعت مبيعات التجزئة وارتفعت البطالة.
عواقب الإغلاق
تعني استراتيجية الإغلاق التي تتبعها الصين للتخلص من فيروس "كوفيد" بشكل تامّ، أنه يمكن إغلاق المزيد من المدن مع كل ما تحمله هذه الخطوة من عواقب وخيمة محتملة. لقد جذبت محنة شنغهاي في الآونة الأخيرة الكثير من الاهتمام، باعتبارها العاصمة المالية للصين. وتظهر المؤشرات الأولية أن الاقتصاد تعرّض للهبوط في أبريل، حيث انخفض مؤشر "بلومبرغ" الكلي المكوّن من ثمانية مؤشرات مبكرة، إلى ما دون المستوى الذي يفصل بين التحسّن والتدهور، ليصل إلى أدنى مستوى منذ أبريل 2020. كذلك، خفّض "مورغان ستانلي" توقعاته للنمو الصيني هذا العام إلى 4.2%، أي أقل من هدف الحكومة البالغ حوالي 5.5%. وفي هذا الإطار، من غير المستبعد أن يكون هناك المزيد من الإجراءات لاستعادة الثقة.
من حيث القيمة المطلقة، لا يمكن وصف هذا بأنه توسع سنوي هائل لمثل هذا الاقتصاد الضخم. سيظل معدل النمو أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو عند 3.7% و2.8% على التوالي. لكن مع ذلك، يبقى هذا المعدل بعيداً كل البعد عن معدلات السنوات الماضية. ففي عام 2005، عندما أنهى "بنك الشعب الصيني" ربط اليوان الثابت بالدولار وأدخل بعض المرونة، نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بمعدل 11.3%.
حتى مع تخفيف القبضة على اليوان، فإن سياسة العملة في بكين لا تخلو من الانتقادات. ويُحسب للمسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني، تجاهلهم لهذه الانتقادات وعدم تخليهم عن السيطرة الكاملة على زمام الأمور. وفي النهاية، فإن انهيار اقتصاد الصين، هو آخر ما يمكن أن يتحمله العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبالتالي، لا بد من تقديم كل الوسائل الممكن لدعم هذا الاقتصاد.