شارك في كتابة المقال Daniel Moss
يلوح شبح التضخم في أفق اليابان لأول مرة منذ ثلاثة قرون تقريباً، ويدلّ عليه دجاجها المقلي.
لم يكن رفع سلسلة متاجر الوجبات السريعة "لوسون" (Lawson) سعر دجاج "كاراغي- كون" المقلي بنسبة 10% ليتصدر عادة عناوين الصحف. لكن في غيرها من الدول لم يكن ليمر على مثل هذا المنتج 36 عاماً دون أن يرتفع سعره مرة واحدة. كان هذا أحدث مثال على ما يسمى "حمى رفع الأسعار" في اليابان، حيث أدت عوامل مثل ضعف الين وحرب أوكرانيا لزيادة تكلفة المدخلات والواردات. بدأت الشركات اليابانية ترضح للزيادات المحتومة وتمررها إلى للمستهلكين.
طال هذا جميع السلع بدايةً من سعر الشعرية سريعة التحضير، إلى وجبة الذرة الخفيفة "أومايبو" (Umaibo) المحببة للأطفال، والتي ارتفع سعرها لأول مرة في تاريخها الممتد لأربعة عقود، من 10 إلى 12 يناً (9 سنتات). بات يُرجح على نطاق واسع أن يتسارع تحليق التضخم صوب هدف البنك المركزي عند 2% في أبريل، ما يدفع ببرنامج التحفيز الذي اقترحه محافظ بنك اليابان، هاروهيكو كورودا، إلى دائرة الضوء. كان تباين السياسات النقدية بين بنك اليابان والاحتياطي الفيدرالي، الذي يرفع أسعار الفائدة، كان السبب الرئيسي وراء انهيار الين.
فيما كان ضعف الين ينطوي على نتائج طيبة تاريخياً لليابان كونها قوة تصدير، إلا أن وتيرة تراجع قيمة العملة الوطنية اليابانية تغير الحكاية. فقد أدى انخفاض قيمتها بنسبة 11% هذا العام إلى تفاقم تأثير ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء في الداخل، وهو بالكاد ما يرغب رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، بحدوثه قبل شهور من انتخابات مجلس الشيوخ. تحدث أثرى أثرياء اليابان ومؤسس شركة "يونيكلو" (Uniqlo) للملابس، تاداشي ياناي، نيابة عن معظم الأمة في الأسبوع الماضي، حين أعلن أن ضعف الين "سيئ على اقتصاد اليابان ككل وحسب".
التضخم هدفاً
لكن ليس لدى كورودا حافز كبير لتحويل مسار الانخفاض المستمر للعملة الوطنية، لأن رفع معدل التضخم هو بالتحديد ما كان يسعى إليه منذ أن أصبح محافظاً لبنك اليابان في 2013. كما يوشك البنك المركزي على رفع توقعات التضخم إلى ما بين 1.5% و1.9% للسنة المالية الحالية، مقارنةً بتوقعات 1.1% في يناير، كما نقلت بلومبرغ نيوز الأسبوع الماضي عن أشخاص مطلعين على الأمر.
يعد مثل هذا الارتفاع أمراً مرحباً به، لكنه لا يكفي بأي حال من الأحوال لإثناء بنك اليابان من موقفه المفرط بالتراخي. أكد البنك المركزي لسنوات على رغبته، ليس فقط بوصول معدل التضخم إلى هدف 2% الأساسي، بل الإبقاء عليه قرب هذا المستوى أيضاً. يؤكد كورودا أن التضخم المدفوع بارتفاعات التكاليف الحالية غير مستدام، خاصةً في ظل نمو الأجور المتواضع، وركود سوق العمل أكثر مما كانت عليه قبل تفشي جائحة كورونا. وكل تلك عوامل لا تشجع كثيراً على اتخاذ أي إجراءات جذرية مثل رفع سعر الفائدة.
يرزح بنك اليابان تحت ضغوط مختلفة للغاية مقارنةً بنظرائه في الدول الأخرى. حتى لو بلغ التضخم في اليابان 2% هذا الشهر، سيظل بعيداً عن نظيريه بواقع 8.5% في الولايات المتحدة، و7.5% في منطقة اليورو. كتب محللو "سيتي غروب" حول ذلك هذا الأسبوع أنهم يتوقعون الإبقاء على أسعار الفائدة السلبية حتى انتهاء ولاية كورودا، وأن يعيد خليفته النظر في هذه السياسة بحلول أبريل المقبل.
يصعب أيضاً توقع ارتفاع ذي مغزى للين قبل أن تشهد السياسة النقدية تحولاً يقلص فارق فجوة اسعار الفائدة. يفضل كورودا، ألّا تكون تحركات سعر الصرف سريعة، لكن هناك قليل من الدلائل على انزعاجه من هذا التوجه. بل على العكس، فكانت تصريحات كورودا في مارس بأن ضعف الين كان أمراً إيجابياً بالنسبة للاقتصاد بشكل عام، هي التي سمحت للمتداولين بالانخفاض الحالي.
شكاوى المستهلكين
يتساءل بعض الاستراتيجيين في الوقت الراهن بشأن إمكانية تدخل وزارة المالية في السوق لدعم الين. بينما يدرس بعض آخر إمكانية تنظيم عملية إنقاذ منسقة دولياً، على غرار ما حدث في 1998، عندما اقترب سعر الصرف من 150 يناً مقابل الدولار الأمريكي. غير أن التراجع قد لا يكون ملفتاً بما يكفي حتى الآن، لتحفيز أي من تلك الإجراءات. لكن هناك سياسيين أكثر تأثراً بشكاوى المستهلكين، حيث قال وزير المالية، شونيتشي سوزوكي، الأسبوع الماضي إن تراجع الين مؤذٍ إلى حدٍّ ما، كونه لم يقترن بنمو قوي في الأجور.
قد يعتقد كورودا أن ضعف الين هو الشيء الوحيد الذي من شأنه تحطيم العقلية الانكماشية التي اجتاحت محاولاته لتحفيز زيادة الأسعار. حتى مع بدء ارتفاع أسعار المنتجين في أواخر 2021، سارع بنك اليابان للإشارة إلى أن تغيير توقعات المستهلكين كان أمراً صعباً.
كتب البنك في تقرير توقعاته لشهر يناير: "ترسخ في اليابان سلوك وعقلية يفترضان أن الأسعار لن ترتفع بسهولة خاصة بين الشركات. هناك خطر يتمثل بعدم إحراز أي تقدم على صعيد تمرير إضافة التكلفة إلى أسعار البيع".
يُعدّ كورودا محقاً في قلقه بشأن كون التضخم "الجيد" بعيد المنال. غالباً ما تكون الشركات على استعداد لتقييد هوامش أرباحها أولاً قبل اللجوء إلى رفع الأسعار. لذا تصدر ارتفاع أسعار الدجاج المقلي الأخبار، على وجه التحديد، لكونه أمراً استثنائياً للغاية. كما سيكون رفع الأسعار أصعب بالنسبة لصانعي السلع التي تتمتع بمرونة الأسعار، وسلاسل المنتديات التي تتيح خصومات، والموردين في الجانب الأسفل من سلسلة القيمة. بل أنه سيكون أكثر صعوبة بالنسبة للمتاجر، والمطاعم العائلية التي تعد هوامش أسعارها معدومة فعلياً.
قد تكون جرعة من التضخم "السيئ" وحدها مفيدة في حلحلة هذه العقلية. إذا كان الحال كذلك، يُفضل اعتياد ارتفاع أسعار الدجاج المقلي.