مزارعو أوكرانيا يقاتلون على جبهة أزمة الغذاء العالمية

time reading iconدقائق القراءة - 18
جرار يعمل بالقرب من آلية عسكرية روسية مدمرة بالقرب من كييف، 15 أبريل 2022. أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
جرار يعمل بالقرب من آلية عسكرية روسية مدمرة بالقرب من كييف، 15 أبريل 2022. أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في هذا الوقت من العام، اعتاد ياروسلاف أندروشكو الإشراف على زراعة المحاصيل في مزرعته التي تبلغ مساحتها 1000 هكتار في منطقة فينيتسا بوسط أوكرانيا. لكن بدلاً من ذلك، استبدل ملابس العمل بالملابس الرسمية، وانضم إلى الجيش بعد يوم من غزو روسيا لبلاده.

قال أندروشكو، الرئيس التنفيذي لشركة زراعية صغيرة: "كان المزارع دائماً مزارعاً، لكن الظروف تطلبت منا حمل السلاح".

بينما يقاوم الأوكرانيون الآلة العسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقدم الرجل البالغ من العمر 36 عاماً نموذجاً على المرونة التي أظهرها العديد من الأوكرانيين في حماية بلادهم.

يواصل أندروشكو والمزارعون أمثاله الدفاع عن ركيزة أساسية في سلسلة إمداد المواد الغذائية العالمية، التي تتعرض لخطر متزايد، حيث تعد أوكرانيا أكبر منتج لزيت عباد الشمس عالمياً وأحد أكبر ستة مصدرين للقمح، والذرة، والدجاج، وحتى العسل.

بلغت إيرادات أوكرانيا من الزراعة 28 مليار دولار العام الماضي. أصبحت تلك الإيرادات أكثر حيوية في الوقت الحالي بسبب المجهود الحربي، كما أصبح الإنتاج أكثر أهمية للعالم، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية لمستويات قياسية، وتزايد المخاوف بشأن الأمن الغذائي.

تعتمد مصر وتركيا على الحبوب الروسية والأوكرانية، وتعانيان من تصاعد وتيرة التضخم. تدرس الحكومة المصرية رفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ أربعة عقود، بينما يجبر نقص زيت عباد الشمس في أوروبا الموردين إلى البحث عن بدائل، ووصل الأمر إلى أن قيدت محلات السوبر ماركت بكافة أنحاء بريطانيا كمية زيت الطهي التي يمكن للعملاء شراؤها.

تسبب ذلك في ارتفاع أسعار الزيوت النباتية في مناطق بعيدة مثل الهند، حيث اضطر الباعة الجائلون هناك إلى التبخير بدلاً من قلي الطعام. كذلك زاد الطلب على زيت النخيل، الذي يرى البعض أنه أحد أسباب إزالة الغابات.

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن روسيا أحد أكبر مصدري المحاصيل الزراعية، تستهدف عن عمد الأراضي الزراعية، وزرع الألغام الأرضية في الحقول، وتدمير المعدات ومرافق التخزين. وقد أكد مفوض الاتحاد الأوروبي جانوس فويتشوفسكي تلك المزاعم، حيث قال إن الاتحاد يسعى لمساعدة المزارعين في أوكرانيا.

بعد الطاقة.. أزمة غذاء

خلال الشهر الماضي، قال وزير الزراعة الأوكراني إن بلاده لم تعد غير قادرة على التصدير بسبب قطع طرق العبور فقط، ولكنها أصبحت بحاجة إلى الاحتفاظ بإمداداتها المحدودة من المنتجات لضمان بقائها.

وكرر رئيس الوزراء الأيرلندي ميشيل مارتن التحذير في 20 أبريل عقب اجتماعه مع نظيره الأوكراني الذي كان في طريقه إلى واشنطن قائلاً: "هناك هدف واضح لخلق أزمة غذاء بالإضافة إلى أزمة الطاقة، إلى جانب شن حرب غير أخلاقية وغير عادلة على أوكرانيا".

كرر الجيش الروسي تأكيده عدم استهداف منشآت مدنية، رغم الأدلة العديدة التي تؤكد عكس ذلك.

مع انسحاب القوات الروسية المحدود من كييف، أصبح بإمكان المزارعين العودة لزراعة المناطق المحتلة سابقاً، مثل تشيرنيهيف، ولكن قد ينخفض إنتاج بعض المحاصيل الزراعية الأكثر أهمية هذا العام في أوكرانيا إلى النصف.

يصعب وصف أهمية الزراعة بالنسبة لأوكرانيا التي يطلق عليها اسم سلة الخبز في أوروبا، بسبب تربتها الخصبة السوداء الغنية التي تعتبر مثالية للزراعة. تساهم الزراعة بأكثر من 10% من اقتصاد أوكرانيا، و40% من صادراتها السلعية قبل الحرب.

يتم اعفاء المزارعين في أوكرانيا من أداء الخدمة العسكرية لضمان استمرار الصناعة.

قرر أندروشكو، المجند السابق، الانضمام إلى الجيش ولديه ثقة في مواصلة عماله الزراعة والحصاد. لكنه في الواقع محظوظ نسبياً، حيث قال إنه يزرع القمح والذرة وعباد الشمس والتفاح في منطقة لم تشهد قتالاً حتى الآن، على الرغم من عدم توافر الأموال اللازمة، وتعطل إمدادات الوقود.

دمرت الحرب بعض التقدم الذي حققته أوكرانيا على مدى عقود من توسيع نطاق الزراعة، حيث وصل محصول القمح في عام 2021 إلى أكبر إنتاج منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود، بينما سيتعين على المزارعين إعادة تجهيز أراضيهم وتخليصها من القذائف والتلوث الكيميائي.

حذرت "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" من التأثير البيئي "الكارثي المحتمل"، وسط ضعف مياه الشرب والتسربات الكيماوية والفيضانات.

قال أوليغ نيفيفسكي، الأستاذ المساعد في "كلية كييف للاقتصاد": "عليك استعادة سلاسل الإمداد، والأشخاص، ورأس المال اللازم، لاستعادة الإنتاج، والعودة إلى مستويات التصدير السابقة، وأرى أن الأمر سيستغرق من عامين إلى 3 أعوام، وهذا ما يؤكده المزارعون أنفسهم".

يتم نقل كميات صغيرة فقط من الحبوب وغيرها من المنتجات في الوقت الحالي عن طريق السكك الحديدية، عقب إغلاق روسيا موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وقصف البنية التحتية الحيوية. بينما تطلب أوكرانيا من أوروبا توفير مراكب نهرية وشاحنات للحفاظ على تدفق الصادرات الذي يشهد تباطؤاً.

دول تحت الضغط

تتدافع الدول حول العالم التي تعتمد على زيت عباد الشمس وعلف الحيوانات المستورد من أوكرانيا للعثور على إمدادات بديلة. وتسارع الشركات لاستبدال زيت عباد الشمس الذي يدخل في صناعة العديد من الأغذية من البسكويت إلى رقائق البطاطا. كما تبحث بعض محلات السوبر ماركت وبيع السمك والبطاطا المقلية في بريطانيا عن استبدال زيت عباد الشمس بزيت النخيل، ما يرفع الأسعار إلى مستويات قياسية.

خضع زيت النخيل لتدقيق متزايد في السنوات الأخيرة باعتباره أحد أسباب إزالة الغابات، وتم إلقاء اللوم على إنتاج الزيت بسبب دوره في تدمير موطن أنواع مهددة بالانقراض مثل إنسان الغاب، وفقاً لـ"الصندوق العالمي للحياة البرية".

نفدت لدى المزارعين في أوروبا الأعلاف الحيوانية غير المعدلة وراثياً التي تأتي عادة من أوكرانيا، بينما يخفف "الاتحاد الأوروبي" قواعد الاستيراد لتسهيل الاستيراد من أمريكا الجنوبية.

وانقطعت المساعدات الغذائية للدول المعرضة لخطر الجوع، حيث تحصل الصومال على نحو 70% من وارداتها من القمح من أوكرانيا، والباقي من روسيا، ما يجعلها مهددة بأسوأ موجة جفاف منذ سنوات.

كذلك تحصل تونس وليبيا على أكثر من ثلث وارداتهما من القمح من أوكرانيا، وفقاً لبيانات التجارة للأمم المتحدة، إضافة إلى تعطل المساعدات الغذائية من البازلاء والشعير من ميناء أوديسا الأوكراني إلى غرب أفريقيا، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي.

قالت لورا ويليسلي، الباحثة البارزة في "تشاتام هاوس" (Chatham House) في لندن، في تصريحات لها عن تأثير الصراع في 13 أبريل الجاري: "تعاني البلدان ذات الدخل المنخفض من عجز غذائي وهي الأكثر عرضة للخطر، لكن الاقتصادات والأسر منخفضة الدخل حول العالم تعاني بالفعل من انعدام الأمن الاقتصادي والغذائي".

سجلت الأسعار بالفعل مستويات قياسية قبل الأزمة، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وأزمة الخدمات اللوجستية، وسط تعافي الاقتصاد العالمي من الوباء. وقد فرضت دول مثل مصر، والمجر، وإندونيسيا، ومولدوفا، وصربيا قيوداً على صادرات بعض الأغذية.

يتزامن ذلك مع استمرار تصدير روسيا الحبوب إلى بعض أكبر عملائها، رغم ارتفاع تكاليف الشحن وسعي بعض التجار إلى تجنب السلع الروسية. كما تسعى بعض الدول إلى عقد صفقات جديدة مع روسيا، فقد اشترت إسرائيل، التي عادة ما تشتري من أوكرانيا، بعض القمح الروسي الشهر الماضي، وفقاً لشركة بيانات المحاصيل "أغفلو" (Agflow) ومقرها جنيف.

مستقبل الزراعة

اعتاد المزارعون في أوروبا على الشكوى من واردات أوكرانيا الغذائية الأرخص ثمناً. والآن يؤجل "الاتحاد الأوروبي" تطبيق القواعد البيئية المرتبطة بالزراعة، بما في ذلك وقف القيود المخطط لها على استخدام مبيدات الآفات، والتخطيط لتحرير نحو 4 ملايين هكتار من الأراضي البور لزراعة المزيد من المحاصيل التجارية.

قال مفوض الاتحاد الأوروبي جانوس فويتشوفسكي في 17 مارس: "ما يحدث في أوكرانيا سيغير نهجنا بالكامل ووجهة نظرنا بشأن مستقبل الزراعة، وعلينا تنفيذ سياسة تضمن الأمن الغذائي".

يرى أندروشكو من وسط أوكرانيا، أن التحدي أكثر إلحاحاً. فعلى الرغم من عدم مساس الحرب بأراضي شركته، لكن تأثير انقطاع سلاسل التوريد يزيد من صعوبة الاستمرار في الزراعة. وقال عبر الهاتف إنه بحاجة ماسة إلى الوقود لمواصلة عمله، ورفض الكشف عن موقعه بالضبط نظراً لاعتبارات الأمن العسكري.

اعتادت مزرعة أندروشكو على إرسال إنتاجها من التفاح عبر روسيا إلى أوزبكستان، بينما تحاول الآن تسليمه باستخدام طريق بديل أطول وأكثر تكلفة، عبر البلقان وتركيا.

يختتم أندروشكو حديثه عن خدمة بلده بالقول: "فعلت ما يقتضيه شرفي".

تصنيفات

قصص قد تهمك