بلومبرغ
تعد المخابز، في كافة أنحاء منطقة شمال أفريقيا، موردة الغذاء اليومي المدعوم ومقياساً للمزاج العام.
لذلك عندما حاول الرئيس التونسي قيس سعيد التصدي لتقارير تفيد أن المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق باتت شحيحة، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية لبلاده جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، كان صانع الخبز التونسي الذي كان يبدو أن لديه مخزوناً وفيراً، حيث اعتاد التسوق، بمثابة خلفية مفيدة.
أو هكذا كان يعتقد. نظراً لأن مالك المخبز أصر بلطف خلال الشهر الماضي على أن النقص كان حقيقياً، فقد أُضطر سعيد الذي يرتدي معطفاً أسوداً قاتماً، وهو غير مبتسم، عوضاً عن ذلك لمهاجمة المستغلين "الذين يجوّعون الشعب" عبر رفع الأسعار. عقب اتهام معارضين سياسيين بتأجيج النقص، غادر أستاذ القانون السابق ومعه 4 أرغفة في ظل توبيخ شديد من قبل المارة.
تدفع الحرب في أوكرانيا عجلة الركود في تونس، مع تصاعد أسعار الطاقة والسلع وتقلص إمدادات المواد الأساسية حول العالم. تحلق معدلات التضخم قرب مستوى قياسي، ومن المنتظر أن يتضاعف العجز، في حين أن 40% من الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة عاطلون عن العمل، ما يهدد بموجة نزوح جماعي جديدة للمهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا. بطريقة حاسمة، تمر المحادثات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة إنقاذ بأزمة.
عقب أسبوعين من الزيارة، قام سعيد بحل البرلمان التونسي بعد أن عقد المشرعون اجتماعاً افتراضياً في تحد لقراره الصادر في يوليو 2021 بتعليق أعمال مجلس النواب، وهو تحرك أطلق عليه خصومه، بما فيهم حزب النهضة الإسلامي، مسمى انقلاب.
عقب مرور عام تقريباً على خروجه عن مسار عملية ديمقراطية هشة يعود تاريخها إلى أول موجة من الربيع العربي واستيلائه على السلطة التنفيذية، يبدو أن سعيد عالق في مأزق. يقول المنتقدون إنه ليس لديه رغبة أو لا يمتلك القدرة على إعادة بناء الإجماع السياسي اللازم لإخراج الاقتصاد من المستنقع.
بدأ الصبر ينفد
قال بهاء الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعمل بائعاً للملابس في حي التضامن الذي يسوده الاضطراب بالعاصمة، "نحن فقط نريد أن نعيش". وذكر اسمه الأول فقط، في بلد احتدمت فيه حملات قمع المعارضة. وتابع: "في حال استمرار هذا الوضع، سيتجه الشباب إلى القصر الرئاسي ومعهم حجارة ليلقوها عليه".
استعملت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق مئات المتظاهرين، في شهر يناير الماضي، في العاصمة، في مسيرة لإحياء ثورة الربيع العربي في البلاد ومطالبة سعيد بالتخلي عن السلطة. منذ ذلك الوقت، تدهورت الأوضاع الاقتصادية. احتج سائقو سيارات الأجرة على زيادة أسعار الوقود، وتعرض عمال القطاع العام لتأخيرات في سداد رواتبهم ونمت طوابير الخبز في ظل نقص في الإمدادات.
قاوم سعيد، الذي يبلغ من العمر 64 سنة، التدخل لمعالجة المشكلة. تحاشى الحلفاء المحتملين داخل الاتحاد العام التونسي للشغل القوي وأحزاب الأقليات. عوضاً عن ذلك، ما زال مستمراً في أجندته "اللامركزية"، التي تسعى إلى تهميش دور الجماعات السياسية المتصارعة التي يلقي باللائمة عليها في تدمير تونس منذ ثورة 2011 ووضع السلطة بأيدي اللجان المحلية.
أخفقت محاولات متعددة لمناقشة القضايا التي أثيرت في هذا المقال مع المسؤولين في رئاسة الجمهورية والحكومة والبنك المركزي. رفض مسؤولون في الاتحاد العام التونسي للشغل التعليق على الموضوع.
المستثمرون غير سعيدين أيضاً. عاقبوا السندات التونسية، بسبب قلقهم من أن زيادة تكاليف الغذاء والطاقة، وفقدان السياح الروس، قد يسرع من تحرك المُصدر السيادي الذي يعاني من ضائقة مالية باتجاه التخلف عن السداد. ووصل الاقتصاد التونسي حالياً لأقل من 90% من حجمه قبل الثورة قبل عقد من الزمان، بينما تضاعفت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي تقريباً إلى نحو 88%، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ تلك النسبة 99.7% في عام 2025.
احتياطي تونس من النقد الأجنبي يرتفع إلى 8 مليارات دولار
تلتهم أسعار السلع الأساسية التي تعتبر الأعلى منذ عقود الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية، والتي باتت تكفي في الوقت الحالي لتغطية 4 شهور من الواردات. تعتبر منخفضة بما فيه الكفاية للتسبب في جانب من قلق المستثمرين حيال استدامة ديون تونس الخارجية المتراكمة.
تأخير محادثات صندوق النقد الدولي
في الداخل، يتسم المزاج بالقتامة تماماً، حيث قال يوسف شريف من "مبادرة مركز كولومبيا العالمية للأبحاث": "ليس هناك ضمانات بأن الشعب التونسي سيتقبل الإصلاحات التي سيتبعها برنامج جديد لصندوق النقد الدولي". أوضح: "يعد وجود محادثات بحد ذاته مؤشراً يدل على رغبة سعيد في برنامج جديد". وتابع: "لكن في حالة رفض الإصلاحات، فإنه سيوجه اللوم لحكومته".
يعني تصاعد تكاليف الواردات أن عجز الميزانية قد يتضاعف تقريباً إلى 20 مليار دينار (6.6 مليار دولار) خلا السنة الحالية، ليتجاوز الـ4 مليارات دولار التي تقول السلطات إنها ستطلب الحصول عليها من صندوق النقد الدولي. يبدو اتفاق بهذا الحجم طموحاً فعلاً، مع الأخذ في الاعتبار حصة السحب التونسية مع مؤسسة الإقراض، ما يشير إلى أن الحكومة قد تطلب المساعدة وفقاً لمسار الوصول الاستثنائي الخاص بصندوق النقد الدولي، وعلى الأرجح ستنجم عن ذلك شروط أشد صرامة.
تونس تستبعد إعادة هيكلة الديون في اتفاقها مع صندوق النقد
قال دبلوماسي غربي، على دراية بالمناقشات بين المسؤولين التونسيين ودول مجموعة السبع، إن سعيد يظهر أنه يظن أن بإمكانه إجراء عملية إصلاح للبلاد بمفرده، واصفاً إياه بأنه يفتقد للثقة في الآخرين. اعترف الدبلوماسي بأن المسؤولين يبذلون "جهداً كبيراً" إزاء برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، لكنه قال إنه يوجد نوع من التحفظ في معالجة المشكلات المضنية على غرار الشركات المثقلة بالديون والشركات المملوكة للدولة والتي تعد بمثابة حصن للاتحاد العام التونسي للشغل.
الاتحاد التونسي للشغل يهدد بإضراب عام رفضاً لحزمة إصلاحات اقتصادية
قال هشام العجبوني أحد النواب الذين يحاولون استرداد السلطات البرلمانية إن "الاتحاد العام التونسي للشغل سيكون له دور مؤثر في تحريك الأمور بالنسبة لسعيد". وأضاف أن إصلاح الشركات الحكومية "مسألة ضرورية ولكنها صعبة".
وفقاً لمصدر مطلع على العملية، فإن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب أدت لتأخير المحادثات الفنية مع صندوق النقد الدولي بحوالي شهر، حيث يسعى المسؤولون في تونس لوضع اللمسات النهائية للتدابير التي سيتعهدون بالتكفل بها.
قال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن المسؤولين، الذين حددوا تاريخاً مقرراً في شهر أبريل الماضي للتوصل إلى اتفاق، لم يقدموا تأكيدات حتى الآن بأنه بإمكانهم الحصول على إجماع محلي على نطاق واسع للإصلاحات المطلوبة.
لم يتوقع المصدر وجود أي مخاطر للتخلف عن السداد نظراً لأن غالبية ديون تونس تُستحق في فترات متوسطة إلى طويلة الأجل، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن النجاح غير مضمون. في حال اقتربت المفاوضات من الانتخابات البرلمانية التي يعتزم سعيد عقدها خلال شهر ديسمبر المقبل - إذا كان يستطيع تمرير دستور جديد - فستكون هناك تأخيرات إضافية.
من المرجح أن يضع هذا الأمر ولاء التونسيين موضع اختبار على غرار منجية مقني، مالكة متجر "رويال" لأغذية الدواجن بالعاصمة تونس، والتي أيدت استيلاء سعيد على السلطة العام الماضي.
أثناء تعليقها لملصق للرئيس مدون عليه وعد للمتسوقين بتوفير أسعار أقل، بينت أن "الأعمال لم تكن تسير بطريقة جيدة"، لا سيما عقب صعود الأسعار بطريقة هائلة جراء الحرب. وأضافت: "يعد رمضان الحالي الأصعب على تونس".