بلومبرغ
تمكنت الشركات الصينية التي تسعى إلى توسعة أعمالها في الخارج عن طريق الاستحواذ من الوصول إلى هدفها وعقد صفقات استحواذ ناجحة في أمريكا اللاتينية، وذلك على الرغم من التحديات التي واجهتها على مدار العام.
تراجع حجم استثمارات الشركات الصينية الموجهة للاستحواذ خارج البلاد لتصل إلى 31.1 مليار دولار، وبلغت بذلك أدنى مستوياتها على مدار أربع سنوات منذ العام 2017 وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ. وعلى الرغم من ذلك، استحوذت أمريكا الجنوبية وحدها على 7.7 مليار دولار من تلك الاستثمارات بما يفوق قيمة الاستحواذ على شركات في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية مجتمعين.
ويواجه المستثمرون الصينيون تدقيقاً شديداً لتدفق استثماراتهم إلى أوروبا وأمريكا في ظل اتهامات لها بأنها استحواذات عدائية وخاصة في ظل ما فرضته تداعيات جائحة كورونا، مما زاد الهواجس المرتبطة بالأمن القومي لتلك البلدان ودفع مستثمري أكبر اقتصادات آسيا إلى التوجه لأمريكا اللاتينية؛ وذلك بالتزامن مع خروج العديد من الشركات الأجنبية من تلك الأسواق خلال السنوات الماضية؛ في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاجتماعي.
وتعقيباً على ذلك التوجه قال ألفريدو أراهوتيس أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كوميلاس بمدريد "لقد أصبح لدى المستثمرين الصينيين أصحاب الاستثمارات الاستراتيجية طويلة المدى فرصة قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر"؛ مضيفاً أن "الصينيين يمكنهم شراء أصول جيدة بأسعار جيدة وقد يستمر وجود تلك الفرص لسنوات مقبلة".
الصينيون يستهدفون شركات الطاقة في أمريكا اللاتينية
شهد الشهر الماضي، اتفاق شركة "غريد" الحكومية الصينية (Grid Corp) على شراء حصة حاكمة في شركة لتوزيع الكهرباء في تشيلي في صفقة بلغت قيمتها 4.3 مليار يورو (5.2 مليار دولار) متضمنة ديون الشركة. وكانت الشركة نفسها قد نفذت أكبر استحواذات الشركات الصينية في الخارج عندما استحوذت في وقت سابق من العام الجاري على شركة "سيمبرا إنرجي" (Sempra Energy).
كما اشترت "باور انفستمنت" الحكومية الصينية شركة الطاقة "زوما" (Zuma Energia) أكبر شركة خاصة للطاقة المتجددة في المكسيك. كما قامت شركة "تشاينا ثري غورجس" (China Three Gorges Corp) عملاق الطاقة الصيني المملوكة للحكومة بالاستحواذ على أعمال شركة "سيمبرا" في بيرو في صفقة بلغت قيمتها 3.6 مليار دولار.
أنتوني هونغ: هدف الشركات الصينية لا يقتصر على شراء الشركات بأمريكا اللاتينية، بل يمثل البداية لهدف أكبر من ذلك بكثير
وبحسب أنتوني هونغ رئيس قسم منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة "بانكو ستاندرد" (Banco Santander SA) فإن الشركات الصينية لديها القدرة على شراء شركات كبرى في أمريكا اللاتينية وضخ استثمارات لتغطية احتياجاتها من الإنفاق الرأسمالي.
ويرى هونغ أن "هدف الشركات الصينية لا يقتصر على شراء الشركات في أمريكا اللاتينية، لكنها تمثل البداية لهدف أكبر من ذلك بكثير" ويوضح: "الهدف من تلك الاستحواذات يتمثل في ضخ مزيد من الاستثمارات في تلك الشركات لتعزيز قيمتها لكافة أصحاب المصالح على المدى الطويل".
فرص استثمارية
وعلى صعيد القارة الأوروبية، فقد بلغت قيمة صفقات استحواذ الشركات الصينية 3.5 مليار دولار فقط خلال العام الجاري بانخفاض 71% عن العام الماضي وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ؛ حيث لم يجد سوى إسبانيا والبرتغال من بين الأسواق القليلة التي ترحب باستثماراتها. وقد استحوذت شركة "تشاينا ثري غورجس" في أغسطس الماضي على 13 من أصول مجمعات الطاقة الشمسية في إسبانيا والمملوكة لشركة "إكس إليو إنرجي" (X-Elio Energy SL)
ولدى ميغان بينغ رئيسة تمويل الشركات الآسيوية في "بانكو بلباو فيزكايا" (Banco Bilbao Vizcaya) توقعات "إيجابية باستمرار استحواذات الشركات الصينية خارج البلاد في كل من إسبانيا والبرتغال وأمريكا اللاتينية خلال العام 2021 وما بعد ذلك". وتقول بينغ إنه "لازالت هناك فرص استثمارية متاحة للاستحواذ أمام الشركات الصينية والتي تتضمن ما يمكن أن يطلق عليه الجائزة الكبرى".
ألفريدو أراهوتيس: يركز الصينيون على بناء قاعدة لاستثماراتهم الدولية في أسواق محددة ومنها أمريكا اللاتينية وإسبانيا واختيار صناعات محددة مثل الطاقة والبنية التحتية
وتواجه الشركات الصينية التي تتعرض استثماراتها خارج البلاد لتوترات جيوسياسية من الدول التي تستثمر بها ضغوطاً من الداخل أيضاً؛ حيث تطبق السلطات الصينية إجراءات صارمة لوقف تنفيذ صفقات معينة لتخوفها من تصاعد وتيرة تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد وزيادة أعباء ديون الشركات بشكل مفرط.
وفي الواقع، انخفضت استثمارات الشركات الصينية خارج البلاد بشكل ملحوظ خلال العام الجاري مقارنة بفترة الذروة في العام 2016 عندما استحوذت الشركة الوطنية للكيماويات الصينية (China National Chemical Corp) على شركة تصنيع الكيماويات الزراعية السويسرية "سينغينتا ايه جي" (Syngenta AG) في صفقة تبلغ قيمتها 43 مليار دولار.
كما أفرطت مجموعات استثمارية مثل "إتش إن إيه" (HNA Group Co) ومجموعة "أنبانغ للتأمين" (Anbang Insurance Group Co) في شراء أصول متنوعة امتدت من العقارات إلى شراء حصص في "دويتشه بنك" لينتهي بها المطاف إلى تصفية تلك الاستثمارات تحت إشراف حكومي.
وقال أراهوتيس من جامعة كوميلاس "لقد أصبح المستثمرون الصينيون أذكياء للغاية في استحواذاتهم". وأضاف "الصينيون لم يعودوا يشترون أصولأ بمضاعفات عالية بشكل كبير دون رؤية إستراتيجية. إنهم يركزون الآن على بناء قاعدة لاستثماراتهم الدولية في أسواق محددة، ومنها أمريكا اللاتينية وإسبانيا واختيار صناعات محددة مثل الطاقة والبنية التحتية".