بلومبرغ
يمكن للرأي العام حالياً معرفة الطريقة التي توصل بها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن" بريكست".
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي أثناء ظهورها المُكتسي بالحيوية والغموض بعد الاستفتاء عام 2016 "بريكست يعني بريكست"، وهو ما يعني خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي. ولم يكن واضحا بعد ذلك أو لفترة طويلة ما يعنيه "بريكست".
وبعد نحو خمس سنوات واستقالتين من رئاسة الوزراء، حدد بوريس جونسون أخيرا معالم "بريكست". فقد واجه رئيس الوزراء البريطاني الحالي مخاطر الخروج من الاتحاد الأوروبي مع عدم وجود اتفاق تجاري، لذا يستحق التوصل لاتفاق الاحتفال بجدارة.
أكبر شريك تجاري
وبغض النظر عن التكاليف الاقتصادية والضرر الذي يلحق بالسمعة، فإن "بريكست" بدون صفقة كان سيضع ضغطًا رهيباً على بريطانيا المشحون بالفعل إزاء أسكتلندا والعلاقات المسمومة مع الاتحاد الأوروبي- الذي لا يزال أكبر شريك تجاري لبريطانيا وأكبر سوق منفردة في العالم.
ويمثل الإعفاء الذي تم التعبير عنه مراراً وتكراراً، في المؤتمر الصحفي للاتحاد الأوروبي للإعلان عن التوصل لاتفاق يوم الخميس، معياراً منخفضا لاتفاقية التجارة الحرة.
وعند النظر في سياق العقود الأربعة الماضية، يمثل ما توصل إليه الجانبان (بريطانيا والاتحاد الأوروبي) التسوية التجارية الأكثر رجعية بين الدول الديمقراطية الحديثة. وبدلاً من تعزيز التعاون وخفض الحواجز، فإن الاتفاق يشمل معظم المجالات التي يتعامل فيها الشركات والمستهلكون.
الشخصية الأكثر أهمية
كما يجعل الاتفاق بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، الشخصية الأكثر أهمية منذ أيام رئيسة الوزراء الحديدية السابقة مارغريت تاتشر، باعتباره راديكالياً وليس محافظاً. خاض جونسون حملته في الانتخابات العامة البريطانية لعام 2019 بوعده بـ "اتمام بريكست" بطريقة تستعيد "السيادة" على القوانين والمحاكم والحدود والأموال البريطانية. ووفى جونسون بما وعد.
لقد كان الاتفاق في نهاية المطاف بمثابة استراحة كبيرة، أو بريكست من الاتحاد الأوروبي أصعب من ذاك الذي سعت إليه رئيسة الوزراء السابقة ماي.
واستفادت لندن من موقفها التفاوضي الأضعف من خلال التهديد بالتخلي عن البنود الواردة في اتفاقية الانسحاب العام الماضي للحفاظ على حدود مرنة في أيرلندا والابتعاد عن وصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة.
المصداقية
وعلى عكس تهديد ماي المماثل بعدم تبني أي صفقة، كان تحذير رئيس الوزراء جونسون الذي أنجز "بريكست" ذا مصداقية. وعلى عكس موقف ماي، كان لدى جونسون مجلس وزراء موحد يدعم "بريكست" وأغلبية 80 مقعداً لدعمه.
وعلى الرغم من نشر ملخص فقط للاتفاق، إلا أن الخطوط الرئيسية كانت معروفة منذ شهور. وعرض الاتحاد الأوروبي - كما فعل منذ البداية - وصول البضائع البريطانية بدون رسوم جمركية أو التزام بحصص تصديرية، وهو أمر مهم جدا.
حتى اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وكندا لا تتخلص من جميع التعريفات المفروضة على تجارة السلع. لكن لم يكن من الصواب القول، كما فعل جونسون في بداية المؤتمر الصحفي للإعلان عن الاتفاق يوم الخميس، إنه "لن تكون هناك حواجز جمركية أمام التجارة".
وعلى العكس من ذلك، فإنه في حين يُعد بطء الإجراءات الإدارية من أكبر شكاوى المشككين تجاه أوروبا ضد بروكسل، كان من الأفضل أن تعتاد بريطانيا على الكثير من القواعد واللوائح الإضافية.
استعدادات الشركات
وستحتاج الشركات المصدرة عبر القنال الإنجليزي إلى ملء استمارات الإقرارات الجمركية والتصديق على شهادة منشأ منتجاتها للتصدير، كما سيتعين عليها تقديم المنتجات الحيوانية للفحوصات الصحية والامتثال للوائح. وسيكون على الشركات دفع ثمن تلك الشهادات في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
وبينما كانت الشركات الكبيرة تستعد لبعض الوقت – فيما يتعلق بنقل الموظفين إلى القارة أو تعيين مخلصين جمركيين ومستشارين من أطراف ثالثة للمساعدة في حل التعقيدات التجارية الجديدة - لم تقم معظم الشركات إلا ببعض الاستعدادات.
وركز الكثير من الشركات ببساطة على تفادي تداعيات عمليات الإغلاق وكانت تفتقر إلى المعلومات اللازمة للاستعداد لـ "بريكست" على أي حال. ولم يتفق الجانبان على أي فترة سماح للشركات لتكيف أوضاعها حسب الظروف الجديدة
وفي مقابل الإعفاء من الرسوم الجمركية والالتزام بالحصص، وافقت المملكة المتحدة على عدم التراجع عن المعايير الحالية بشأن البيئة وسوق العمل وغيرها من المجالات فيما يسمى أرضية "تكافؤ الفرص" مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن مساعدة الدولة.
وإذا اختارت بريطانيا الاختلاف بطريقة تؤثر بشكل واضح على التجارة، يمكن فرض التعريفات بآلية تحكيم جديدة منفصلة عن محكمة العدل الأوروبية.
ولدى لندن خيار السير في طريقها الخاص، ولكنها ستخضع للعقوبات إذا كان ذلك يضر شركات الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن الصناعة المالية في مدينة لندن كانت بعيدة عن تهديد الانتقام المتبادل (حيث يتم معاقبة أحد القطاعات لخرق القواعد من جانب آخر)، لا يزال لدى الاتحاد الأوروبي الحق في سحب المعاملة المتساوية (التكافؤ) للممولين البريطانيين.
كل هذه الأمور بعيدة جداً عن رؤية جونسون الأصلية بإقامة علاقة تبقي على "الأصدقاء مع تحقيق المنافع".
استمرار التنقل والدراسة بدول الاتحاد
"سيظل البريطانيون قادرين على الذهاب والعمل في الاتحاد الأوروبي، للعيش والسفر والدراسة وشراء المنازل والاستقرار " هكذا كتب جونسون في مقاله الأول في صحيفة التلغراف بعد التصويت على "بريكست"، مستشهداً بما قال اتحاد الأعمال الألماني (بي دي أي BDI)، "ستستمر التجارة الحرة والوصول إلى السوق الموحدة".
بالنسبة إلى البريطانيين الذين يرغبون في السفر أو العمل أو العيش أو الدراسة في الاتحاد الأوروبي، هناك أطواق جديدة للقفز من خلالها، وجميع التكاليف التي قلل جونسون من شأنها في إعلان صفقته.
ولا شك أن بريطانيا المنهكة من "بريكست" تأمل في التوقف عن الحديث عن الموضوع تماما، ولكن هناك العديد من الطرق التي تنبئ بها هذه الاتفاقية عن استمرار المفاوضات لسنوات.
وفي حين تم حل نقطة الخلاف المتنازع عليها بشدة، والمتعلقة بوصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد البريطانية في الوقت الحالي باتفاق ينص على أن يخفض التكتل حصته بنسبة 25% على مدى خمس سنوات ونصف، ستكون هناك مفاوضات سنوية بعد ذلك.
ويمنح الاتفاق كلا الجانبين المرونة لبدء مراجعة رسمية لبنوده، وهو باب مفتوح يغري المتشددين بشأن "بريكست" في حزب جونسون للمضي قدما وإثارة المتاعب.
رسم تخطيطي
ووعد زعيم المعارضة البريطانية كير ستارمر بالتصويت لصالح المعاهدة، ولكن "البناء على" العلاقة التي تقيمها في المستقبل يشير إلى أن خطوط المعركة مع أوروبا لم تزُل تماماً بل يُعاد رسمها فقط .
وأعرب دونالد توسك الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، عن أسفه ذات مرة لأن جونسون وحزبه قادوا الحملة لمغادرة الاتحاد الأوروبي دون "رسم تخطيطي لخطة" لكيفية القيام بذلك. ولم يكن مخطئا.
في النهاية، توصل أنصار "بريكست"، رغم معارضتهم، إلى خطة تقبل حدود الوصول التي سيسمح بها الاتحاد الأوروبي ضمن مطالب بريطانيا للسيادة الكاملة. وتضع الاتفاقية الجديدة أساساً للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وستكون عملية طويلة ومُضنية لبناء هيكل محيط جديد وقوي بشكل صحيح.
وقال جونسون عشية عيد الميلاد: "الأمر يكمن في نيل الحرية، لكن كيف نستخدمها، ونستفيد منها إلى أقصى حد، هذا هو ما يهم الآن ". وهذه هي الطريقة التي يتم بها تقييم أداء جونسون.