عندما نتحدث عن وكلاء السيارات فإننا وباختصار نقصد تلك المرائب الضخمة لعرض المركبات، التي تعجّ بالموظفين المدربين على فن إفراغ تلك المرائب بأسرع ما يمكن، وتكرار العملية إلى ما لا نهاية. لكن عام 2021 كان عاماً غريباً بالنسبة إلينا جميعاً، بما في ذلك بالنسبة إلى هؤلاء التجار، إذ أُفرغت مرائب عرض السيارات تلك، ثم بقيَت في كثير من الأحيان فارغة نتيجة مشكلات سلاسل التوريد التي أربكت وعطّلت مصانع السيارات. تشير الأرقام الصادرة هذا الأسبوع إلى أن المبيعات كانت أفضل قليلاً مما كانت عليه في عام 2020 –العام الذي نكبته أيضاً جائحة كورونا- ولكن أقل بنحو مليون وحدة مما كانت عليه في السابق.
اقرأ أيضاً: تراجع مبيعات السيارات بسبب أزمة الرقائق لن ينتهي قريباً
من ناحية أخرى، حتى في خضمّ تفشي فيروس كورونا، يحبّ الأمريكيون شراء السيارات والشاحنات. لذلك فإنه في الوقت الذي بِيع فيه عدد أقل من السيارات، كانت أسعار هذه السيارات مرتفعة. ربما انخفض الحجم 7% مقارنة بعام 2019، لكن الهامش الإجمالي لكل مركبة بلغ الضعف تقريباً.
اقرأ المزيد: حصة المركبات الكهربائية من صناعة السيارات تتعاظم
مكانة مهدّدة
رغم أنهم حصلوا على العصير من برتقال العام الماضي، فإنّ الوكلاء يواجهون تحدياً متزايداً يتعلق بمكانهم في صناعة السيارات.
في نوفمبر، ظهرت شركة "ريفيان" (Rivian) للمرة الأولى في سوق الأوراق المالية، ووصلت بسرعة إلى تقييم يزيد على 100 مليار دولار، رغم عدم إبلاغها عن تحقيق أي إيرادات. انضمت هذه الشركة إلى قائمة متزايدة من الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية ذات القيمة العالية التي توازي مجتمعة الآن -بما يشمل "تسلا"- القيمة السوقية لقطاع تصنيع السيارات الحالي بالكامل. هناك شيء ما إلى جانب البطاريات يجمع بين مصنّعي المركبات الكهربائية، وهو أنهم لا يعتمدون وكلاء مستقلين لبيع مركباتهم، بل يفضلون البيع للعملاء بشكل مباشر.
هذا الأمر بالكاد يستحق الذكر لو أنه يتعلق بأي منتج استهلاكي آخر، لكن الوكلاء محميون بدرجات متفاوتة في معظم الولايات الأمريكية بقوانين جرى تمريرها منذ عقود لمعالجة السلوك الجامح والضارّ لشركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى. فهذه القوانين تفرض وبشكل فعّال أن تمرّ مبيعات السيارات وصيانتها عبر الوكالات المستقلة.
صدارة "تويوتا"
مع ذلك فإنّ سوق اليوم تختلف قليلاً عن خمسينيات القرن الماضي؛ لم تعُد الشركات الثلاث الكبرى كبيرة بعد الآن. الأخبار المفاجئة التي صدرت هذا الأسبوع بأن شركة "تويوتا" تفوقت على شركة "جنرال موتورز" في مبيعات الولايات المتحدة العام الماضي قد تعكس الخصائص المميزة للوباء، لكن السوق كانت تنافسية بالفعل، حتى قبل الجائحة.
رغم أن الوكلاء لا يزالون مجزَّأين، فقد ابتعدوا عن نموذج الأعمال الصغيرة الذي كان سائداً في الأيام الخوالي، إذ تحقق الشركات العشر الكبرى مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار من العائدات سنوياً.
واقع مختلف
ربما الأهم من ذلك أنه عندما كان أيزنهاور رئيساً، لم يكن لدى أي شخص سيارة كهربائية مليئة بالرقائق تأخذ تحديثات البرامج على الهواء. ولم يكن هناك هاتف ذكي متصل بعدد هائل من مواقع التجارة الإلكترونية.
الأولوية في نموذج الوكلاء التقليدي هي لبيع المخزون من المركبات -تصفية تلك الكمية- وتحقيق هوامش أعلى من خلال الخدمة ما بعد البيع. في هذه الأثناء، عادة ما يتطلب مشترو السيارات الكهربائية للمرة الأولى بعض الإرشادات في ما يتعلق بأشياء مثل النطاق وخيارات تحديد الرسوم والقيادة بدواسة واحدة. يتطلب ذلك توعية العملاء، ربما عبر تفاعلات عدة، بدلاً من البيع الفوري. وتحتوي المركبات الكهربائية على عدد أقل من الأجزاء المتحركة، ما يحدّ من إمكانات صيانتها المستقبلية.
سعت شركة "تسلا" أولاً إلى البيع مباشرة، والآن تبعها في ذلك صانعو المركبات الكهربائية الآخرون. ولذلك تخندق أصحاب المناصب لخوض حرب قانونية، ظهرت معالمها حتى الآن في ثلث الولايات الأمريكية تقريباً، إذ يجري تحديد أو حظر المبيعات المباشرة لشركات تصنيع السيارات.
ميشيغان.. ومحاولة التشريع
ولاية ميشيغان -الولاية الأبرز على هذا الصعيد باعتبارها مركز صناعة السيارات الأمريكية- تقدّم حالة دراسية مثيرة للاهتمام. في عام 2014، بعد أن قررت محكمة في ولاية ماساتشوستس أن قوانين البيع في تلك الولاية لا تنطبق على "تسلا" لأنه لم يكن لديها وكلاء خاصون بها، عدّلت ميشيغان قانونها الأساسي لضمان عدم تمكّن "تسلا" من الاعتماد على مثل هذه الثغرة. بدورها، قدمت "تسلا" طعناً دستورياً، وفي عام 2020 وافق المدعي العام في ميشيغان على السماح فعلياً للشركة بإجراء مبيعات وصيانة مباشرة من خلال تفسير ضيق للقانون.
لكن عندما أصبح من الواضح أن شركات السيارات الكهربائية الأخرى ستحذو حذو "تسلا"، اقترح المشرعون في ميشيغان قانوناً جديداً كان من شأنه أن يمنع بشكل فعّال أي شركة مصنعة للسيارات من إجراء مبيعات أو صيانة مباشرة في الولاية، عدا "تسلا"، عبر صياغة بارعة لعبارات تضمنها النص القانوني. لكن التطور الأخير هو أنه جرى حذف هذا الاستثناء عندما جرى تمرير مشروع القانون في مجلس النواب.
لم يتبنَّ مجلس الشيوخ في ميشيغان التشريع قَط، لكن الملحمة حتى تلك النقطة أظهرت كل شيء بالفعل. فعندما يُضطرّ المشرعون إلى اللجوء إلى مثل هذه الالتواءات لحماية النظام القديم، ستُكتشف طرقهم وتُواجَه.
قوانين لحماية التجار
يشير دانيال كرين، المتخصص في مكافحة الاحتكار في كلية الحقوق التابعة لجامعة ميشيغان، إلى أن جماعة الضغط العاملة لصالح الوكلاء سعت إلى إعادة صياغة هذه القوانين -التي جرى تمريرها صراحة لحماية التجار– حمايةً للمستهلكين عبر خفض الأسعار من خلال التنافسية بين الوكلاء. ومع ذلك، كما كتب كرين في ورقته البحثية، فإنّ التكامل العمودي لا يكون مضاداً للتنافسية إلا إذا كان يمنع المنافسين بطريقة ما من الوصول إلى بعض المواد الخام الحيوية أو منافذ التوزيع، إذ يقول كرين إنه "لا يوجد ما يشير إلى أن (تسلا) أو أي شركة أخرى تعوق المنافسة بين العلامات التجارية من خلال إنشاء منافذ توزيع السيارات الهامة الخاصة بها". النقطة هنا ليست أنه يجب سلب الوكلاء قوتهم، ولكن يجب ألا يتمتعوا بحالة حماية تعوق الوافدين الجدد إلى السوق.
هناك بعض الأدلة على أن الحفاظ على قوانين الولاية القديمة يعوق المركبات الكهربائية التي طورتها إلى حد كبير الشركات الناشئة. تشهد الولايات التي لا تقيد المبيعات المباشرة تغلغلاً للمركبات الكهربائية أعلى بكثير من تلك التي تفعل ذلك. بالطبع هذا الارتباط ليس بالضرورة سببياً، لكن لنأخذ في الاعتبار ولايتين كبيرتين، فلوريدا ونيويورك. الأخيرة لديها أهداف أكثر طموحاً بكثير لإزالة الكربون، بما في ذلك حظر مبيعات السيارات التي تستهلك كثيراً من الوقود اعتباراً من عام 2035، ولديها دعم حكومي سخي للسيارات الكهربائية. ومع ذلك، من حيث شراء السيارات الكهربائية، فهي تتخلف عن ولاية فلوريدا التي لا تقدم أي دعم حكومي. يتمثل أحد الاختلافات في أن نيويورك تتصدر المبيعات المباشرة –علاوةً على أنه لديها واحداً من تلك الاستثناءات الغريبة لصالح "تسلا"- في حين أن فلوريدا ليس لديها مثل هذا الأمر.
التبرّع للسياسيين
إذا كان القانون يجعل من الصعب الدفاع عن أمر ما، فلا يعني ذلك أنه محكوم عليه بالفشل. لسبب واحد، يمكن العثور على وكلاء سيارات في كل دائرة انتخابية تقريباً، وهم يتبرعون للسياسيين بسخاء، وأكثر بكثير مما يفعله المصنّعون.
مع ذلك، حتى شركات صناعة السيارات الحالية تُجري حالياً استثمارات كبيرة في مجال السيارات الكهربائية والقيادة الذاتية، وتستكشف طرقاً جديدة مختلفة لبيع منتجاتها. في يوليو الماضي، روَّج جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة "فورد"، للتصنيع للطلبات القائمة. بالتأكيد لا يزال تسليم هذه المركبات (وصيانتها لاحقاً) يحدث عبر الوكلاء، لكن عندما يصبح بإمكان العملاء تحديد خياراتهم والأسعار عبر الإنترنت، يتحول حينها وكلاء بيع السيارات إلى ما يشبه مراكز التوزيع لا أكثر.
ساعدت قوانين البيع شركات صناعة السيارات التقليدية من خلال العمل كمكبح على الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية، ولكن لأن هذه الشركات الناشئة تتفوق على الشركات القائمة في التقييم على أي حال، وتبدأ في تغيير طريقة بيع السيارات وصيانتها، فإنّ القوانين أصبحت تبدو وكأنها خندق دفاعيّ أشبه بجدار مُقيد.