بلومبرغ
لن يطرأ أي تغيير هذا العام على صورة سوق العمل في الولايات المتحدة التي أظهرت إشارات متباينة خلال 2021.
في الوقت الذي سجل فيه معدل البطالة انخفاضاً على مدى أشهر عدة، لم يشهد معدل المشاركة في قوة العمل أي تغيير يذكر. أيضاً، في الوقت الذي ترتفع فيه الأجور، فإنها لا ترتفع بما يكفي لمقابلة زيادة التضخم. أما فرص العمل المتاحة، فتظل أعلى بكثير من مستوياتها قبل تفشي فيروس كورونا، فيما يعاني أصحاب العمل في بحثهم عن عمال مؤهلين لشغلها. ويستمر الفيروس ذاته في إرباك ترتيبات رعاية الأطفال وإثارة مخاوف صحية، بما يضطر الكثير من الأمريكيين إلى البقاء على هامش سوق العمل.
اقرأ أيضاً: نصف الشركات الأمريكية الصغيرة زادت الأجور في ديسمبر
من المرجّح أن تستمر كل هذه الاتجاهات أو معظمها على الأقل خلال النصف الأول من عام 2022، غير أن الاقتصاديين يأملون أن يبدأ عرض العمل في العودة إلى طبيعته أواخر هذا العام، إذا تمت السيطرة على فيروس "كورونا". كذلك، من المتوقع أن تكشف الأرقام الحكومية عن توظيف أصحاب العمل لـ425 ألف عامل بنهاية عام 2021، وهو متوسط تقديرات الاقتصاديين الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم. وينتظر أن ترتفع نسبة المشاركة في قوة العمل إلى 61.9%، رغم أنها مازالت أقل بكثير من نسبة 63.4% قبل ظهور الجائحة.
اقرأ المزيد: ندرة العمالة قد تضغط على الشركات الأمريكية حتى بعد انتهاء كورونا
انتهت فترة إجراء المسح الخاصة بتقرير الوظائف في منتصف الشهر الماضي، ولذلك نشك في أن يظهر لانتشار سلالة "أوميكرون" من فيروس "كورونا" تأثير كبير على سوق العمل في البيانات الأخيرة.
قال بريت ريان، كبير الاقتصاديين في الولايات المتحدة لدى "دويتشه بنك سيكيوريتيز": "سنعرف ما إذا كنا نتحرك على المسار الصحيح خلال الأشهر القليلة الأولى من هذا العام، رغم أن شهر يناير سوف يمثل مشكلة بسبب سلالة أوميكرون. وقد يستغرق الأمر حتى فصل الصيف كي تصبح لدينا فكرة عما إذا كان سوق العمل قد تعافى تماماً، وحتى نمتلك رؤية حول مدى اقترابنا من تحقيق التوظف الكامل".
في ما يلي جوانب مختلفة يمكن أن تظهر بشأن سوق العمل في عام 2022:
المشاركة في قوة العمل
شهد معدل المشاركة في قوة العمل –أي نسبة الأمريكيين الذين يعملون أو الذين يبحثون عن عمل– ركوداً في معظم الأوقات خلال عام 2021.
رغم أن بعض العوامل التي أبعدت الأمريكيين عن العودة إلى سوق العمل قد تنحسر في عام 2022، فإن المخاوف المتعلقة بجائحة كورونا ذاتها قد تستمر في منع الكثيرين من الباحثين عن عمل من العودة إلى السوق، بحسب نيك بونكر، الاقتصادي لدى شركة "إنديد" (Indeed)، الذي أضاف أن أزمة رعاية الأطفال أيضاً، سوف تمنع بعض الناس من البحث عن عمل.
يوجد سبب آخر وراء تباطؤ انتعاش المشاركة في سوق العمل: الكثيرون من كبار السن الأمريكيين تقاعدوا على مدى العامين الماضيين. وقالت سارة هاوس، كبيرة الاقتصاديين لدى "ويلز فارغو": "إن هؤلاء يمثلون جزءاً كبيراً من قوة العمل التي فقدناها ولا نعتقد بأنهم سيعودون".
ربما يكون الاختلاف الوحيد في عام 2022 مقارنة بالأعوام الأخيرة، هو تلاشي المساندة المالية التي كانت أكبر من المعتاد –بسبب سخاء برامج التحفيز الحكومية وإعانات البطالة- مع إنفاق الأسر كثيراً من مدخراتها. وهو ما يعني تشجيعاً لبعض العمال في الهامش على السعي للحصول على عمل.
التوظيف
يتوقع الاقتصاديون نمواً قوياً في التوظيف هذا العام، غير أننا "لا يحتمل أن نشهد الزيادة الشهرية الكبيرة التي شهدناها في العام الماضي، بسبب انكماش أعداد العاطلين عن العمل"، بحسب ريان.
في بداية عام 2021، كان سوق العمل يعاني نقصا بنحو 10 ملايين وظيفة عن مستوى ما قبل الجائحة. والآن، لم يتبق سوى أقل من 4 ملايين وظيفة في انتظار استعادتها.
من المتوقع أن تقود زيادة الوظائف في عام 2022 قطاعات الترفيه والضيافة والرعاية الصحية والتعليم، إذ أن هذه القطاعات تضم أكثر الفرص التي تحتاج إلى تعويضها في مسار العودة إلى مستويات التوظيف التي كانت قائمة في فبراير عام 2020. كذلك، كانت هذه القطاعات هي الأكثر تأثراً بزيادة العدوى بفيروس كورونا، ولذا فإن التقدم في مواجهة الوباء سيلعب دوراً كبيراً في تعافيها.
قال دانيال تشاو، كبير الاقتصاديين لدى شركة "غلاسدور" (Glassdoor): "مازالت هناك مساحة كبيرة من عدم اليقين بشأن الجائحة وكيفية تطور أوضاع الصحة العامة مستقبلاً. إن التقدم الذي يتحقق في مواجهة الجائحة هو تقدم كبير، غير أنه واضح أن الوباء لم يوضع تحت السيطرة الكاملة حتى الآن، وأن ذلك سيستغرق وقتاً".
معدل البطالة
مع توقع استمرار الزيادة في فرص العمل بسبب ارتفاع الطلب عليها، فإن الأمريكيين الذين يبحثون بنشاط عن فرصة عمل، من المتوقع أن يجدونها بسرعة نسبياً.
مع انتقال المزيد من الناس إلى وظائف في القطاع الخاص، يرجح أن ينخفض معدل البطالة إلى مستوى أقل من تقديرات الاحتياطي الفيدرالي "عن اقتصاد يشهد توظيفاً كاملاً" بحلول نهاية العام الحالي، حسب مذكرة كتبها ستيفين ستانلي، كبير الاقتصاديين لدى شركة "أمهيرست بييربونت سيكيوريتيز" (Amherst Pierpont Securities).
يتوقع الاقتصاديون حالياً انخفاض معدل البطالة إلى 3.6% بحلول الربع الأخير من العام، بما يقترب من أدنى مستوى في 10 سنوات الذي بلغ 3.5% قبل انتشار الجائحة.
غير أن التباينات بين الجماعات السكانية المختلفة لا تزال قائمة. فمعدل البطالبة بالنسبة إلى الأمريكيين من أصول أفريقية يقترب من ضعف المعدل بالنسبة إلى الأمريكيين البيض. سوف يواظب الاقتصاديون وصناع السياسة، بمن فيهم اقتصاديو بنك الاحتياطي الفيدرالي، على متابعة ما إذا كانت هذه الفجوة ستنخفض على مدى العام الحالي.
الأجور
أشعلت قوة الطلب على العمال، مع انخفاض العرض انخفاضاً شديداً، زيادة الأجور بنسبة كبيرة في عام 2021. وفي حين أن وتيرة الزيادة في الأجور قد تتباطأ إذا دخل مزيد من الأمريكيين إلى قوة العمل هذا العام، فإنه ينتظر أن يحتفظ العمال بكثير من القوة التفاوضية التي اكتسبوها على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، خصوصاً أن التضخم يرتفع بأعلى نسبة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
قال هاوس: "مع عودة زيادة العرض إلى السوق، فقد يسحب ذلك بعض الحرارة من سرعة المعدلات الأخيرة. غير أن العرض مازال محدوداً جداً، ما سيشجع على زيادة دخل العمل لعام آخر، خصوصاً مع مواكبة ذلك للنمو القوي في إجمالي التوظيف".