بلومبرغ
جعل رئيس السلفادور نجيب بو كيلة نفسه بطلاً أمام مؤيدي "بتكوين" والمؤمنين بمستقبلها، نتيجة لتبّنيه الكامل للعملة المُشفَّرة هذا العام. لكنَّ المستثمرين في السندات، لديهم وجهة نظر مختلفة كلياً تجاه زعيم البلاد.
سجّلت الأوراق النقدية الخارجية للدولة أسوأ أداء في العالم هذا العام، بعد اقتراب الخسائر من 30%، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". ويتم تسعير سنداتها المستحقة في أوائل عام 2023 والبالغة 800 مليون دولار، بأقل من 80 سنتاً للدولار حالياً، مما يزيد الشكوك في إمكانية استرداد حامليها للأموال في الوقت المحدد.
اقرأ أيضاً: السلفادور تستغل هبوط العملات المشفرة وتقتنص 100 "بتكوين"
خطط غير تقليدية
برغم الإثارة التي حرّكها بو كيلة في دوائر معينة من خلال اعتماد "بتكوين" كعملة رسمية للبلاد واستخدام الأموال الحكومية في شرائها؛ إلا أنَّ مسار سوق السندات يُشير إلى أنَّ المموّلين التقليديين يشكّكون في الأمر نتيجة قلقهم من نيته بيع مليار دولار على شكل ديون رمزية مقوّمة بالدولار في أوائل عام 2022. ويخشى الممّولون من أن يكون صندوق النقد الدولي غير راغب في تقديم الدعم المالي، بالنظر إلى الخطط الاقتصادية غير التقليدية، والتوتّرات المتزايدة مع الولايات المتحدة بشأن تحرّكاته لبسط سيطرته على الحكومة.
اقرأ المزيد: بورتريكو "جنة" مستثمري العملات المشفرة الهاربين من "جحيم" الضرائب الأمريكية
قال كارلوس دي سوزا، المستثمر في "فونتوبيل أسيت مانجمنت" (Vontobel Asset Management) في زيورخ: "لا يوحي وجود رجل لا يُمكن التنبؤ بقراراته، ويُسيطر على كل شيء بالكثير من الثقة لدى أي شخص. تجاوز الرجل مجرد مسألة الترويج لـ"بتكوين". لديك رئيس يقوم بالتداول في "بتكوين" بأموال الحكومة على هاتفه، وهذا أمر غير مسبوق".
اقرأ أيضاً: رئيس السلفادور: نسعى لبناء أول "مدينة بتكوين" في العالم
عجز متنام
برغم كل الضجيج حول العملة المُشفَّرة؛ يخشى حاملو السندات من مخاوف تقليدية، إذ يرون أنَّ معاناة دولة نامية من عجز كبير في الميزانية قد توصلها إلى عدم القدرة أو الرغبة في سداد ديونها. نما إجمالي المديونية إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020، وهو في طريقه للوصول إلى 98.6% في السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
زاد بو كيلة من تعقيد توقُّعات المستثمرين، بعدما قال، إنَّه يخطط لإصدار سندات قيمتها مليار دولار لأجل 10 سنوات بعائد 6.5% خلال عام 2022 على "ليكويد نتوورك" (Liquid Network) التابعة لـ"بلوك ستريم" (Blockstream)، وسيتم استخدام نصف العائدات لشراء "بتكوين". يخشى بعض حاملي السندات في "وول ستريت" من أن يدفع الإصدار الناجح الحكومة إلى الابتعاد أكثر عن الأسواق المالية التقليدية وصندوق النقد الدولي.
قال جاريد لو، مدير الأموال لدى "ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت" (William Blair Investment Management) في نيويورك، والذي كان أول المحذّرين من الاستثمار في ديون السلفادور في أغسطس 2020: "يعتمد مسار استرداد الأموال حقاً على هذا النموذج، ويعتمد هذا النموذج على أسعار "بتكوين" ".
تحذيرات صندوق النقد
حذّر صندوق النقد الدولي من المخاطر الكبيرة لتبني "بتكوين" من قبل السلفادور، وانتقدت الولايات المتحدة إدارة بو كيلة لافتقارها إلى الشفافية، وفرضت عقوبات على العديد من المسؤولين وسط مزاعم بالفساد في شهر ديسمبر. و ردَّ بو كيلة بالقول، إنَّ "الولايات المتحدة لا تريد التعاون أو الصداقة أو التحالف، وتريد الاستعباد المطلق أو اللا شيء ".
تتمتع الولايات المتحدة بأكبر حصة تصويتية في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، الذي تعتبر موافقته على برامج التمويل شرطاً لصرف الأموال. وقد أعلن وزير المالية السلفادوري أليخاندرو زيلايا عن خطط مع صندوق النقد الدولي لتمويل موسع قيمته 1.3 مليار دولار في شهر مارس، ولكن البرنامج لم يُحقق نتيجة حتى الآن.
في مذكرة بتاريخ 13 ديسمبر، كتبت المحللة ريسا غريس-تارغو لدى مجموعة "يوراسيا" (Eurasia)، أنَّ "الصراع الدبلوماسي المتصاعد سيُصعّب تأمين برنامج صندوق النقد الدولي على بو كيلة بشكل أكبر"، مضيفة أنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة والسلفادور "تدهورت بشكل حاد".
خيارات بو كيلة
يرى بعض المحللين طرقاً لسداد السلفادور مدفوعات ديونها، حتى إنْ فشلت رهاناتها على "بتكوين". كتب أليخاندرو أريزا، ونستور رودريغيز، الاستراتيجيان لدى "باركليز"، في مذكرة الشهر الماضي، أنَّه يمكن أن يجلب بو كيلة الأموال اللازمة من خلال تأميم صناديق التقاعد، أو الخيار الآخر الذي يتعلق بإقناع الكونغرس بالسماح له بإصدار المزيد من الديون محلياً.
انهيار أسعار السندات
يُمثّل تشاؤم حاملي السندات بشأن السلفادور تحولاً قاسياً منذ أبريل الماضي، عندما تم تداول بعض أوراقها المالية بما يصل إلى 116 سنتاً للدولار، وسط التفاؤل بدعم برنامج صندوق النقد الدولي لموارد البلاد المالية. غير أنَّ أسعار هذه الأوراق النقدية المستحقة في عام 2052، انخفضت منذ ذلك الوقت إلى 62 سنتاً.
برغم انهيار أسعار السندات؛ مازال بو كيلة يتمتع بشعبية كبيرة داخل البلاد؛ فقد وصلت نسبة تأييده إلى 85% في ديسمبر، وفقاً لاستطلاع أجرته المؤسسة الإعلامية المستقلة "إل بي جي داتوس" (LPG Datos). وقد يُسهّل هذا المستوى من الدعم على بوكيلة استئناف خطط الإنفاق غير الحكيمة، أو الشروع في مناورات مالية أخرى غير تقليدية.
قال لو من "ويليام بلير": "المنحنى الذي سلكته سندات السلفادور، جعل عملية تداولها صعبة للغاية. ولكن يمكن القول، إنَّ هذا هو الأسوأ على الإطلاق. ستؤدي قضايا الحوكمة إلى ضائقة مالية حادة".