جيرالد فورد.. أطاح به التضخم رغم تعهده بالقضاء عليه

time reading iconدقائق القراءة - 6
حاول فورد تجنيد عضو فرقة البيتلز جورج هاريسون وعازف الأورغ الشهير بيلي بريستون في حملته لمكافحة التضخم - المصدر: بلومبرغ
حاول فورد تجنيد عضو فرقة البيتلز جورج هاريسون وعازف الأورغ الشهير بيلي بريستون في حملته لمكافحة التضخم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد سنة من الجدل، بات التضخم أمراً واقعاً، وكذلك المناشدات المتنامية للرئيس جو بايدن من أجل مواجهته باستخدام سلطاته الرئاسية.

حتى هذه اللحظة، يرفض الرئيس هذه الدعوات، ويحرص على التأكيد للأمريكيين أنَّ الأسوأ يكاد ينتهي.

ربما يعود قرار بايدن هذا لما شهده في بداية حياته السياسية كعضو في مجلس الشيوخ خلال فترة صعبة من ولاية الرئيس جيرالد فورد القصيرة.

بعد استقالة نيكسون؛ تولّى فورد رئاسة الولايات المتحدة التي كانت تواجه انقساماً شديداً وتضخماً من رقمين. وكان نيكسون قد سبق وحاول فرض التحكم بالأجور والأسعار على كامل الاقتصاد.

اقرأ أيضاً: التضخم يهدد بعودة السياسة الأمريكية إلى حقبة ريغان

حصدت خطوة نيكسون التي كانت الأولى من نوعها منذ حالة الطوارئ خلال الحرب العالمية الثانية، شعبية في بداية الأمر، ولكن سرعان ما تراجعت الحماسة تجاهها بعد أن رفع القيود، مما أدى إلى زيادة التضخم إلى معدلات قياسية. أمّا فورد الذي أدرك فشل هذا البرنامج، فراح يبحث عن بدائل أخرى.

اقرأ المزيد: التضخم في الولايات المتحدة يبلغ أعلى مستوى منذ عام 1982

حرب فورد "الوطنية"

يروي المؤرخ يانيك ميكزكوسكي أنَّ استراتيجية فورد انبثقت عن الاجتماعات الاقتصادية التي عقدت في سبتمبر عام 1974. فقد حثّه العديد من المستشارين في الدائرة المقربة منه على دراسة برنامج يجنّد الأشخاص العاديين لمحاربة التضخم. أعجب فورد بهذه الفكرة، ودرس حالة اعتماد نهج طوعي "يفضّله غالبية الأمريكيين، ويتماشى مع تقاليد النظام الأمريكي".

رأى فورد ومستشاروه أنَّ الاستراتيجية الأفضل ستكون من خلال تصوير حملة مواجهة التضخم على أنَّها أشبه بالمجهود الحربي الذي يتطلب تضحية وطنية. فإذا تفهّم الأميركيون النضال من هذا المنطلق، فهم بالتأكيد سيؤدون دورهم، أليس كذلك؟ توقَّع فورد أنَّه حين "يشدّ الأمريكيون الحزام طوعياً، وينفقون أقل من السابق؛ فإنَّ الطلب سوف يتراجع، وستبدأ معدلات التضخم بالانخفاض".

مستشارو فورد الذين كانوا على ثقة بهذا البرنامج، انتقلوا إلى العمل المهم المتمثل في إطلاق تسمية عليه.

اقترحوا في البداية الاختصار "آي إف" (IF) الذي يمثّل الحرفين الأولين من مصطلح: "محاربو التضخم" (Inflation Fighters) بالإنجليزية. فأي مؤسسة أو مستهلك يتعهد بالمحافظة على ثبات الأسعار لستة أشهر، يحصل على ملصق يضعه في نافذة العرض، إلى جانب شعار مثل: "إذا كنت تريد أمريكا أفضل، امنح الأولية للمتاجر التي تضع هذا الملصق".

الاستعانة بشركة إعلانات

إلا أنَّ هذه الفكرة بقيت حبراً على ورق. فاستخدام أسلوب "الشرط" هذا في مناشدة المواطنين لاتخاذ خطوات حاسمة، لم يرق لبعض مستشاري فورد الذين اعتبروا الأمر سخيفاً. وقد دفعهم شعورهم بالإحباط إلى الاستعانة بشركة الإعلانات "بنتون آند بولز" (Benton and Bowles) المعروفة بابتكار شخصية "السيد ويبل" (Mr. Whipple)، بائع البقالة الذي يطلب من اثنتين من المتسوقات في إعلان تلفزيوني عام 1960، عدم الضغط على لفائف أوراق حمام تحملانها.

انتهى الأمر باختيار الشعار الفائز، وهو: "اضرب التضخم الآن" (Whip Inflation Now)، واختصاره "وين"، أو (WIN) بالإنجليزية، وتعني الفوز.

في 8 أكتوبر 1974، ألقى فورد خطاباً اعتبر فيه التضخم "عدو الشعب الأول"، وكرّر الدعوة إلى مكافحته. ثم أخرج زراً مطلياً باليد يحمل أحرف "فوز" (WIN)، وعلّقه على طية صدر سترته.

للأسف، نصيحة فورد للأمريكيين فُهمت على أنَّها تعني "اشتروا أقل، ادخروا أكثر". وبعد أسبوع، ألقى خطاباً حثَّ فيه الأمريكيين على "التسوق بحكمة، والبحث عن صفقات جيدة، واختيار السلع الأرخص ثمناً، والأهم التفاخر بالبحث عن الصفقة الجيدة".

استجابة جيدة.. ولكن!

في البداية، حققت هذه الدعوات استجابة إيجابية فاقت التوقُّعات. فقد وجّه نحو ربع مليون أمريكي عدة رسائل إلى البيت الأبيض دعماً للبرنامج، كما تبنّى الفكرة عدد من الشركات. كما أنَّ سيرك رينغلينغ وإخوانه، وبارنوم وبيلي، تقدّم بطلب إلى البيت الأبيض بعد أن تحمس لجعل برنامج "وين" موضوع عرض السيرك لذلك العالم. إلا أنَّ فكرة تكريس برنامج سيرك كامل لمؤشر أسعار المستهلك، والحدّ من التضخم، للأسف لم تبصر النور.

اعتبر العديد من أعضاء حكومة فورد حملة "وين" مناورة سياسية غريبة. وقال وزير الخزانة ويليام سيمون: "في كلّ مرة كانت تطرح فيها مسألة (وين)، كنا في مجلس السياسة الاقتصادي نخبِّئ رؤوسنا حرجاً". من جهته، وصف ألان غرينسبان، رئيس مجلس إدارة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة فورد هذا البرنامج بـ"الدرك الأسفل من صنع السياسات الاقتصادية في الإدارة".

الأسوأ من ذلك أنَّ فورد طبق أيضاً شعار "اشتر أقل، ادخر أكثر" على صعيد التوظيف في البرنامج، فقام بتوظيف متطوعَين اثنين فقط بدوام كامل، وموظَّفين اثنين بدوام جزئي. وقد فاق الاهتمام الهائل بالبرنامج طاقتهم لدرجة أنَّهم أخفقوا في إيداع التبرعات الطوعية المرسلة لدعم المبادرة.

الصراحة والثقة

إلا أنَّ المشكلة الأكبر هي أنَّ فورد لم يكن صريحاً بالكامل مع الشعب. فالتضخم ليس أمراً يمكن معالجته من خلال زرع حديقة أو التسوق في متجر للأغراض المستعملة. فحين زعم الرئيس أنَّ مثل هذه الإجراءات المتواضعة يمكن أن تحدث فرقاً، فقد أثار الشكوك حول البرنامج برمته.

في معظم التقييمات حول كارثة "وين"، نادراً ما يتم ذكر أنَّ فورد قدّم في الوقت عينه عدداً من المقترحات المدروسة والتفصيلية على صعيد السياسات، تشمل تغييرات كبرى في مجال إنتاج وتنظيم قطاع الطاقة، ورفع الأطر الناظمة فيما يخص تصدير الحبوب، ومراجعة القوانين المتعلقة بها، وإدخال تعديلات إلى قانون الضرائب، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات الأخرى.

هل كانت هذه الإجراءات ستساعد في الحدّ من التضخم؟ هذا الأمر قابل للنقاش. إلا أنَّ القليل من اقتراحات فورد تحوّل إلى قوانين، وذلك يعود بجزء لا يستهان به إلى تبديد الرئيس معظم رصيده السياسي على حملة العلاقات العامة هذه التي تم إعدادها وتطبيقها بشكل سيئ.

بالتالي؛ لم "يقاوم" فورد التضخم جيداً كما في الأغنية الشهيرة (whip it good) لفرقة السينثبوب "ديفو" في نهاية العقد، بل في الختام؛ فإنَّ التضخم أطاح به.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

واشنطن

9 دقائق

11°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى 10°/12°
16.7 كم/س
89%

"الفيدرالي" أمام خيارين.. استمرار التعامل السيء مع التضخم أو استعادة المصداقية

time reading iconدقائق القراءة - 5
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد أرقام التضخم الساخنة الصادرة في الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضية، لن يكون من الحكمة بل من المؤسف أن يقاوم البنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه للسياسة النقدية الأسبوع الجاري ما أصبح مطالبات واسعة بمضاعفة وتيرة تقليص مشترياته الشهرية من السندات، وفي الواقع، يتعين على الفيدرالي أن يذهب إلى أبعد من ذلك.

للأسف، لم يكن مؤشر أسعار المستهلكين عن شهر نوفمبر الصادم نوعاً ما استثناءً، وإنما أعاد التأكيد على بيانات أخرى تشير إلى عملية تضخم أقوى وأكثر ديمومة مما اعتقد الفيدرالي.

ارتفع التضخم السنوي إلى 6.8% من 6.2%، وهو مستوى غير مشهود منذ 1982 في قلب فترة بول فولكر في الفيدرالي، وصعد المقياس الأساسي للتضخم - والمفترض أن يستثني المكونات الأكثر تقلباً تاريخياً رغم أن تأثيرها على الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان تكون مضرة بشكل خاص - بنسبة 4.9% من 4.6%، وأيضاً هي الأعلى في عدة عقود.

فشل التوقعات

بعد أن فشلوا في توقع ارتفاع التضخم المشهود العام الجاري، وبعد مقاومتهم مراراً لتعديل تفكيرهم بالقدر الكافي بناء على المعلومات المحدثة والأكثر إقناعاً، يبدو أنه لا تزال هناك قلة من المدافعين عن التضخم يوم الجمعة يميلون للتمسك بفكرة المحركات "المؤقتة" للتقليل من شأن صدمة أسعار مدمرة فعلياً.

بالتالي، يفشلون في تصور ازدياد احتمالية بروز ظاهرتين معروفتين بسماتهم غير المريحة لهؤلاء الذين إما اختبروا أو درسوا نوبات التضخم المرتفع السابقة:

الأولى، المسألة لا تتعلق بما إذا كانت المحركات الأكثر قوة للتضخم ستفقد قوتها أم لا، فهي بالتأكيد ستفعل، وإنما تتعلق بما إذا كان سيحدث هذا بعد أن تزرع بذور آلية التضخم الأوسع، وهو ما تفعله بالفعل.

الثانية، المسألة لا تتعلق بما إذا كانت آلية التضخم الأوسع تلك ستنعكس أم لا، فهي ستفعل، وإنما تتعلق بالحد من الضرر الذي سيحدث أثناء وبعد هذا الانعكاس.

تاريخياً، وباعتباره أقوى بنك مركزي في العالم، كان الفيدرالي يعيش في قلب هاتين المسألتين المأثرتين محلياً ودولياً.

توقعات تضخمية جامحة

عبر الفشل في إظهار فهم موثوق للتضخم والتصرف وفقاً لذلك في الوقت المناسب، يمكن أن يصبح الفيدرالي نفسه سبباً لتوقعات تضخمية جامحة، وهو ما يخلق آلية أكثر قوة وإشكالية بكثير من المحفز الأصلي للتضخم، والذي هو في هذه الحالة نقص مفاجئ للمعروض الكلي بسبب اضطرابات سلسلة التوريد ونقص العمالة.

بينما يصبح التضخم أعلى وأكثر ديمومة مما كان ليكون، تزداد مخاطر، ليس فحسب التباطؤ الاقتصادي غير الضروري، وإنما الركود الصريح، وتاريخياً، كان ذلك نتاج اضطرار الفيدرالي للضغط على مكابح السياسة في محاولة متأخرة وغير منظمة لاستعادة السيطرة على مصداقيته ومهمة التضخم.

كل ذلك يلحق الضرر بسبل العيش بطريقتين غير ضروريتين، كلتاهما تضرب الفقراء بقوة بشكل خاص: من خلال تآكل القوة الشرائية خاصة لهؤلاء الأقل قدرة على الشراء، ومن خلال التسبب في البطالة.

يتأخر الفيدرالي بالفعل بشكل خطير عن التطورات على الأرض وما تتطلبه سياسياً، وكان يتعين عليه، كما جادلت منذ شهور، التحرك منذ وقت طويل لتخفيف قدمه عن "الضغط الأقصى" على المسرّع من خلل خفض مشتريات السندات في أواخر الربيع وأوائل الصيف، وبدلا من ذلك، واصل ترديد شعار التضخم المؤقت، وفي خضم هذه العملية قوّض الخطوات التي اتخذتها حكومة بايدن لكبح التضخم.

3 طرق

لحسن الحظ، لا يزال أمام البنك المركزي فرصة، وإن كانت صغيرة وتتقلص سريعاً، للتصرف بطريقة منظمة تقلل للحد الأقصى الضرر غير الضروري لسبل العيش، وهذا يتطلب الذهاب إلى أبعد من مطالب الإجماع السياسي الحالي بثلاثة طرق الأسبوع الجاري:

  • أن يكون صادقاً وشفافاً بشأن سبب الفشل بشدة في قرار التضخم (وهو ما وصفته منذ أشهر قليلة كواحد من أسوأ قرارات الفيدرالي بشأن التضخم على الإطلاق، وواحد يهدد بخطأ سياسي كبير).
  • أن يذهب إلى أبعد من مضاعفة القدر الذي يقلصه من مشترياته الشهرية للأصول.
  • بدلاً من بيان آخر يؤكد على أن تقليص المشتريات لا يشير إلى أي شيء حول رفع الفائدة، يجب أن يقر باحتمالية أنه قد يضطر إلى رفع الفائدة بمجرد إنهاء التيسير الكمي.

لدى الفيدرالي اختيار بسيط الأسبوع الجاري، فإما يواصل تعامله السيئ بالكامل مع التضخم أو بدلاً من ذلك يبدأ استعادة مصداقيته وسيطرته على سيناريوهات التضخم والسياسة النقدية.

إذا مال للاختيار الأول، فإن مكانته المؤسسية ستتضرر أكثر، ما سيقلل فعالية سياسته في المستقبل وستعاني سبل عيش الكثيرين بلا مبرر، وستزداد ثلاثية عدم المساواة المقلقة بالفعل في الدخل والثروة والفرصة سوءاً، وستتفاقم انقساماته الداخلية.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.