كان على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي ضُبط في موقف محرج بسبب نظرته للتضخم في الولايات المتحدة، أن يفعل شيئاً ما لتعديل السياق بموجب قراره النهائي بشأن السياسة لعام 2021.
وما يبدو أنه تحول حاد نحو رفع أسعار الفائدة – مع توقع ثلاث زيادات في أسعار الفائدة في عام 2022 - من المحتمل أن يكون مناورة تقول إن اتخاذ موقف أكثر صرامة اليوم سيؤدي إلى مآل اقتصادي أكثر ليونة في السنوات القادمة.
من جانبه، صرح البنك المركزي الأمريكي أمس الأربعاء أنه سيسرع في تقليص مشترياته من السندات، مقلصاً المشتريات بمقدار 30 مليار دولار شهرياً بدلاً من 15 مليار دولار التي أعلن عنها الشهر الماضي فقط.
ويؤدي ذلك إلى نقل تاريخ الانتهاء إلى مارس بدلاً من يونيو، مما يفتح إمكانية قيام صانعي السياسة برفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية من نطاقه الحالي البالغ 0% إلى 0.25% خلال النصف الأول من عام 2022.
رفع الفائدة
وفي الواقع، تُظهر توقعات "المخطط النقطي" المحدثة للمؤشر قصير الأجل توقعاً متوسطاً بين صانعي السياسة لثلاث زيادات في أسعار الفائدة العام المقبل، ارتفاعاً من أقل من واحدة في سبتمبر. ويتوقع مسؤولان زيادة أسعار الفائدة أربع مرات في الأشهر الـ 12 المقبلة، وهو أمر من المحتمل أن يجعل قرار شهر مارس ساري المفعول لجهة رفع الحد الأدنى البالغ صفر.
وفي حال لم يكن الأمر واضحاً بالفعل، فإن التضخم يُلقي بثقله على أذهان مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، الذين قللوا بشدة من قوة بقاء نمو أسعار المستهلك.
كما أن متوسط التوقعات بين صانعي السياسة الآن هو أن يكون مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي عند 2.6% في عام 2022، ارتفاعاً من 2.2% في توقعات سبتمبر، وأن يكون المقياس الأساسي 2.7%، ارتفاعاً من 2.3%.
يُشار إلى أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك بيل دودلي، والذي يكتب لصالح "رأي بلومبرغ"، توقع بشكلٍ صائب أن صانعي السياسة سيشيرون إلى ثلاث زيادات في أسعار الفائدة في عام 2022، بينما كان الإجماع بين الاقتصاديين على اثنين فقط.
ومع ذلك، فقد اعتقد أن المخطط النقطي سيُظهر أربعة أخرى في عام 2023 وما يكفي في عام 2024 للوصول بالمعدل المستهدف المتوقع إلى 2.5%، وهو ما يعتبر "محايداً".
وبدلاً من ذلك، حدّد المسؤولون ثلاث زيادات فقط في أسعار الفائدة في عام 2023 واثنتين إضافيتين في عام 2024، مما ترك البنك المركزي في موقف توافقي.
باول يمهد الطريق أمام "احتياطي فيدرالي" أكثر مرونة بشأن رفع الفائدة في 2022
تحول حاد في موقف الاحتياطي الفيدرالي
بالطبع، ليس من المؤكد أن الزيادات الثلاثة في أسعار الفائدة في عام 2022 ستفعل الكثير لإعادة التضخم إلى 2%، لذلك قد يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي فعل المزيد في السنوات المقبلة.
ومع ذلك، فإن التحول الحاد في الموقف نحو تبني رفع أسعار الفائدة الآن، جنباً إلى جنب مع التوقعات بأن التضخم سيعود بالقرب من 2% بحلول عام 2023، لا يترك مجالاً للشك في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يهدف إلى خفض نمو الأسعار الآن لتجنب الاضطرار إلى المتابعة مع عدد أكبر من زيادات الأسعار لاحقاً، وهو الأمر الذي قد يدفع الاقتصاد إلى حالة ركود في أسوأ الأحوال.
وقد صرح جيروم باول من قبل أننا "سنحتاج إلى توسع طويل" للعودة إلى سوق العمل قبل الجائحة، والذي بدوره سيتطلب السيطرة على التضخم. وهذا يعني في ذهن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي أعيد ترشيحه مؤخراً، أن زيادات أسعار الفائدة ستأتي قريباً.
مراقبة التضخم
فضلاً عن ذلك، تضمن جزء من إطار السياسة النقدية طويلة الأجل الجديد للبنك المركزي التراجع بشكل متعمد إلى حدٍ ما عن منحنى التضخم - مما يتطلّب من المسؤولين مراقبة نمو الأسعار عند أو أعلى من 2% لفترة من الوقت للتعويض عن استمرار التقصير في تحقيق الهدف.
إلا أن واقع التضخم تحرك بسرعة كبيرة ضد مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في الأشهر الأخيرة، حيث وصل مؤشر أسعار المستهلك إلى أعلى مستوى في أربعة عقود.
ووصل الوضع إلى نقطة أصبح فيها عدم إنهاء عمليات شراء السندات بشكلٍ أسرع، وما يعنيه ذلك من فتح الباب أمام زيادات في أسعار الفائدة بدءاً من أوائل العام المقبل، أن يخاطر البنك المركزي بفقدان مصداقيته في الحفاظ على استقرار الأسعار.
تذكّروا أنه تم الضغط على باول في سبتمبر 2020 لتحديد كل معيار من معايير البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة من الصفر. وقد تجنب السؤال إلى حد كبير، إلا أنه وصف مطلب أن "يتجاوز التضخم 2% بشكلٍ معتدل لبعض الوقت" على النحو التالي:
"ماذا يعني معتدل؟ هذا يعني أنه ليس كبيراً. هذا يعني أنه ليس مرتفعاً جداً فوق 2%، وهذا يعني معتدل. أعتقد أن هذه كلمة مفهومة جيداً. أما بالنسبة لعبارة "لبعض الوقت"، فما تعنيه أنه ليس دائماً وليس لفترة طويلة. نحن نقاوم الرغبة في محاولة إنشاء نوع من القاعدة أو الصيغة هنا، وأعتقد أن الجمهور سيفهم جيداً ما نريده. إنه في الواقع واضح ومباشر".
اتضح في الواقع أنه لم يكن كذلك.
شطب مصطلح "التضخم المؤقت"
يُشار إلى أن صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي، مسؤولو إدارة بايدن، أمضوا معظم عام 2021 وهم يستخدمون مصطلح "مؤقت"، فقط لكي يقول باول فجأة في 30 نوفمبر إن "الوقت قد حان بأن تتقاعد" تلك الكلمة.
بعد ذلك بوقتٍ قصير، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة في نوفمبر بأسرع وتيرة سنوية منذ عام 1982.
ويُظهر مسح بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لتوقعات المستهلكين أن متوسط تقدير التضخم بعد ثلاث سنوات من الآن هو 4%، وهو يحوم بالقرب من أعلى مستوى له منذ 2013 على الأقل. وبعد عام واحد من الآن يتوقع الأمريكيون معدل 6% - وهو بالكاد معتدل.
وخلال حوار مهم أثناء مؤتمره الصحفي، ناقش باول ما كان يُطلق عليه "توفير النهج المتوازن"، والذي يبدأ عندما تتوازن أهداف البنك المركزي المتمثلة في التوظيف الكامل واستقرار الأسعار. وقال "إنه سيسمح لنا في هذه الحالة من التضخم المرتفع بأن نتحرك قبل الوصول إلى الحد الأقصى من العمالة".
وأضاف أننا "نحقق تقدماً سريعاً نحو الحد الأقصى من فرص العمل"، و"لا أعرف، سيتعين علينا العمل على ذلك". لكن مجرد ذكر الموضوع يؤكد أنه سيبدأ هو وزملاؤه في سياسة التشديد العام المقبل لإعادة نمو الأسعار إلى الاتجاه المطلوب.
إليكم تعليقاً مهماً آخر على المقايضة بين التضخم وسوق العمل من باول، والذي من المرجح أن يكون الخط الأساسي للاحتياطي الفيدرالي في الأشهر المقبلة:
"أحد أكبر تهديدين للعودة إلى الحد الأقصى من فرص العمل هو التضخم المرتفع في الواقع. لأن العودة إلى حيث كنا سوف تستغرق بعض الوقت حسب الأدلة. وما نحتاجه هو توسع طويل آخر".
"هذا ما يتطلبه الأمر حقاً للعودة إلى نوع سوق العمل الذي نرغب في رؤيته. ولكي يحدث ذلك، نحتاج إلى التأكد من أننا نحافظ على استقرار الأسعار".
لم يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة حتى الآن، ولكن لا تُخطئوا في تحليل ذلك: فهو يبني على اللبنات الأولى. كما يأمل صانعو السياسة في أن السباق السريع في عام 2022 للحاق بواقع التضخم سيسمح للاقتصاد بالاستقرار في وتيرة الماراثون المطولة بدلاً من الجري السريع الذي يحبس الأنفاس.