أزمة سلاسل التوريد تشعل رخاء اقتصادياً على حدود الولايات المتحدة والمكسيك

time reading iconدقائق القراءة - 15
تسعى الشركات لتقصير سلاسل التوريد وبناء مصانعها بجوار أسواقها بعد الأزمة التي خلفتها كورونا في قطاع الشحن والنقل - المصدر: بلومبرغ
تسعى الشركات لتقصير سلاسل التوريد وبناء مصانعها بجوار أسواقها بعد الأزمة التي خلفتها كورونا في قطاع الشحن والنقل - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

شهدت مدينة خواريز المكسيكية الصحراوية مترامية الأطراف على الضفة الجنوبية لنهر ريو غراندي على الحدود مع الولايات المتحدة نصيبها من فترات الازدهار الاقتصادي على مدى سنوات.

غير أنَّه ربما لم تكن أي فترة من هذه الفترات مماثلة تماماً لتلك التي تشهدها المدينة حالياً.

توجد الحفارات و"البلدوزرات" كما يبدو في كل مكان، ترفع الكتل الطينية في أكوام عالية، تاركة كل شيء، وكل شخص وراءها تغطيه طبقة من الغبار الذي تنثره الرياح.

المساحة التي تقتطعها هذه الآليات من أرض الصحراء ستصبح موقعاً لقائمة طويلة من المصانع الجديدة التي طلب عدة رؤساء تنفيذيين قلقين من مختلف أنحاء العالم إقامتها، عندما أفسدت جائحة كورونا طرق الإمداد العالمية لمصانعهم.

شركة "أمبو" (Ambu) الدنماركية المتخصصة في صناعة الأجهزة الطبية تنشئ مصنعاً على أطراف المدينة.

بعدها بعدة أميال، تبني شركة "كيزون تكنولوجي" الصينية المتخصصة في صناعة الأثاث مصنعاً ثانياً لها بعد شهور فقط من فتح مصنعها الأول.

ومؤخراً افتتحت شركة "بويد" (Boyd)، ومقرها في ولاية كاليفورنيا مصنعاً لها في المدينة، وتعتزم بناء ثلاثة مصانع أخرى.

وبدأت شركة "إم جي إيه إنترتينمنت"، المتخصصة في صناعة لعب الأطفال، ومقرها في كاليفورنيا، في إنتاج عربات الأطفال "ليتل تايكس كوزي كوبيه" من مصنعها الشهر الماضي حتى قبل أن ينتهي عمال البناء من إزالة أكوام الركام، أو تمهيد منطقة انتظار السيارات.

ما وجه العجلة عند شركة "إم جي إيه"؟

لدى الشركة 750 حاوية من لعب الأطفال عالقة في جحيم سلسلة التوريد في موانئ تحيط بمدينة لوس أنغلوس. هذه المنتجات التي صنعت في الصين كان يفترض أن تكون معروضة على الأرفف في متاجر الولايات المتحدة في موسم الإجازات الحالي. يقول إيزاك لاريان، الرئيس التنفيذي لشركة "إم جي إيه"، إنَّ هذا لن يحدث.

لكنَّ مصنع الشركة في مدينة خواريز يرسل حالياً شحنتين من سيارات الشحن "اللواري" المحملة بلعب الأطفال إلى الولايات المتحدة يومياً، وسيرتفع هذا الرقم قريباً إلى 10 شحنات.

علاوة على ذلك؛ يخطط لاريان للبدء ببناء مصنع آخر في المكسيك العام القادم، وسيبدأ في نقل بعض خطوط إنتاج الشركة من الصين إلى هذه المصانع.

يقول لاريان: "لدينا طموحات وخطط كبيرة بالنسبة للمكسيك".

ويسمى هذا في لغة الرؤساء التنفيذيين للشركات تقريب مراكز الدعم، أو الاستعانة بمصادر قريبة، وهو أحد أكبر التحولات الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا؛ أي تقصير مسافة سلسلة التوريد بهدف جعل مواقع الإنتاج قريبة من الأسواق النهائية، مع تقليل مخاطر العراقيل التي ينتج عنها فقدان أشياء على طول الطريق.

ويتجه التفكير حالياً إلى أنَّ السلسلة الأقصر هي سلسلة أقوى، وهناك إحساس يتنامى بأنَّ هذا المنهج سيظل رائجاً وسط القيادات العليا للشركات لفترة طويلة بعد تلاشي فيروس كوفيد.

سلاسل توريد قصيرة

غالباً ما يعني تقريب مراكز الدعم بالنسبة إلى الشركات متعددة الجنسية، التي تمارس نشاطها في اقتصاد الولايات المتحدة شديد السخونة حالياً، منطقة شمال المكسيك، حيث تنخفض تكاليف العمالة مع وفرة الأراضي، وقرب الحدود إلى مسافة قصيرة تقطع بالسيارة.

إذ تبعد مدينة إلبازو في تكساس أقل من عشرة أميال إلى الشمال من معظم المصانع الجديدة في مدينة خواريز.

تشهد المدن الحدودية الأخرى – ومنها مدينة تيخوانا، على طول الساحل الغربي، ومدن رينوزا، وماتاموروس، وبيدراس نيغراس، في أقصى الشرق – ازدهاراً صناعياً مماثلاً، لتوفر للاقتصاد المكسيكي دفعة يحتاجها بشدة، إذ يشهد تعافياً بطيئاً من أزمة العام الماضي.

التحول إلى الصين

على مدى أكثر من نصف قرن حالياً؛ كانت المصانع في هذه المدن ترساً رئيسياً في سلسلة العرض الأمريكية، وهي معروفة في قطاع الصناعة باسم "الماكيلادوراس"، وتقوم باستيراد قطع الغيار وتجميعها إلى سلع استهلاكية وصناعية، وتعيد تصديرها بعد ذلك إلى الشمال.

عندما دخلت اتفاقية "النافتا"، وهي اتفاقية تجارة حرة بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، حيز التنفيذ في عام 1994؛ شرعت الشركات متعددة الجنسيات في تأسيس "الماكيلادوراس" بوتيرة محمومة.

وتعتبر مدينة خواريز وحدها موطناً لمصانع تابعة لشركات "جنرال إليكتريك"، و"هانيويل إنترناشيونال"، و"بوش"، و"فوكسكون تكنولوجي"، و"سيمنز"، و"إليكترولوكس" من بين شركات أخرى.

بعد ذلك بسنوات، بدأت المنطقة تدخل في ركود عندما دخلت الصين "منظمة التجارة العالمية".

انسحبت شركات كثيرة من المكسيك، وأقامت فروعاً لها في الصين، فقد كانت تكاليف العمل أرخص كثيراً. وساهم في تسريع وتيرة الخروج اشتعال حوادث العنف الشنيعة المرتبطة بالمخدرات على طول الحدود.

ازدهار المكسيك مجدداً

واصلت الصين اقتناص حصة في أسواق الولايات المتحدة من المكسيك حتى تولى دونالد ترمب السلطة في واشنطن.

وعندما بدأ في فرض رسوم جمركية على المنتجات المصنوعة في الصين، استعادت المكسيك جاذبيتها فجأة بين رؤساء الشركات. ثم جاءت جائحة كورونا فأشعلت وتيرة الانتقال.

شركة "كيزون" (Keeson) المتخصصة في صناعة الأثاث، تعد دليلاً واضحاً على ذلك: فقد وضعت خططاً في البداية لافتتاح مصنع في مدينة خواريز بعد فترة قصيرة من إطلاق ترمب حربه التجارية ضد بكين، ثم قامت بتسريع تنفيذ هذه الخطط بنحو سنة كاملة عندما انتشر فيروس كوفيد.

"إنَّ الصناعة تعود حالياً بالتأكيد"، بحسب جيسون توليفر، العضو المنتدب في شركة "كوشمان أند ويكفيلد" العقارية الذي يساعد في الإشراف على الخدمات اللوجستية والصناعية في الأمريكتين.

المحادثات التي يشاركها مع قادة الشركات، كما يقول، تشير إلى أنَّ هذه الموجة من الاستثمار على طول الحدود في بدايتها. "إنَّها موجة هيكلية وطويلة الأمد".

إقبال كثيف على "خواريز"

بلغ الازدهار في مدينة خواريز من الكثافة لدرجة أنَّ العقارات الصناعية شهدت فجأة نقصاً في المعروض، إذ إنَّ 98% من المساحات القائمة مستأجرة فعلاً، كما ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 20% على مدى العام الماضي إلى نحو 5.25 دولاراً لكل قدم مربعة، وفقاً لجيس ميليندز، عضو مجلس إدارة في شركة العقارات الصناعية "إنترميكس".

تسارع شركة "إنترميكس" حتى تستفيد من ذلك، فهي تقوم بتأجير 5 ملايين قدم مربعة إضافية من الأراضي الصناعية في المدينة اليوم مقارنة مع ما كانت تؤجره منذ عام مضى، كما أنَّها تبني أربعة مواقع صناعية جديدة.

ستتزاحم المصانع في هذه المنطقة التي تبدو حالياً مجرد أراض بور على الحدود الجنوبية الغربية للمدينة.

وبقدر حماس ميلينديز إزاء الرخاء؛ فإنَّه يستعد ذهنياً فعلاً لاستقبال الأزمة التي تتبع الرخاء غالباً.

يقول ميلينديز: "في تاريخي المهني، كنت أرى نمطاً للهبوط والصعود يفصل بينهما 7 إلى 10 سنوات". وهو يعتقد أنَّ التباطؤ سيبدأ في عام 2024.

توفير فرص العمل

قاد ميلينديز سيارته عبر المدينة مؤخراً في يوم من أيام الأسبوع عند وقت الظهيرة، وبدا ذلك مثل فكرة بعيدة. كانت لافتات "التوظيف" تظهر في كل مكان من حوله – على واجهات المصانع، وعلى الحافلات، وفي واجهات المتاجر.

هذا ما أغرى إيفران غونزاليس بالعودة إلى مدينة خواريز من بلدته في راكروز في الجنوب.

يربط الناس بين المهاجرين المكسيكيين وسوق العمل بالولايات المتحدة، غير أنَّ الحقيقة أنَّ كثيراً منهم، مثل غونزاليس، ينهون سفرياتهم على بعد أميال فقط جنوب الحدود، خاصة عندما تكون "الماكيلادوراس" في حركة نشيطة مثلما هي الآن.

يحصل العمال في هذه المصانع على أجور أعلى كثيراً مما يستطيع المهاجرون أن يحصلوا عليها في مواطنهم بالمناطق البائسة في جنوب المكسيك، برغم أنَّها تمثل جزءاً ضئيلاً من مستوى الأجور العادية في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه لا يشعرون بالقلق والخوف من ترحيلهم.

يكسب غونزاليس، البالغ من العمر 49 عاماً، ما يزيد قليلاً على 80 دولاراً في الأسبوع، بالإضافة إلى مزايا أخرى مثل وجبة غداء مجانية، في مصنع "كيزون" الذي ينتج أسرة شركة "إرجوموشن" القابلة للطي.

وقال، إنَّه كان يعرف أنَّه سيحصل على عمل بمجرد أن وضع قدميه في خواريز منذ شهور قليلة مضت. إذ إنَّ منظر كل هذه المصانع الجديدة التي تُقام يدل على ذلك. "هناك الكثير من فرص العمل هنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك