بلومبرغ
قبل أيام من نجاحه الساحق في الانتخابات الرئاسية عام 1980، تساءل رونالد ريغان: "هل بات سهلاً بالنسبة إليكم أن تذهبوا إلى المتاجر وتشتروا حاجياتكم مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أربع سنوات؟".
هذا السؤال البسيط، يشكّل عاملاً حاسماً في الانتخابات النيابية في السنة القادمة.
وصل معدل التضخم حالياً إلى أعلى مستوى له خلال جيل كامل، إذ أفاد تقرير صدر يوم الأربعاء بأن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 6.2% سنوياً خلال شهر أكتوبر.
يتوقع جميع الاقتصاديين تقريباً أن يهدأ معدل التضخم في السنة القادمة، غير أن سرعة انخفاضه وبأي درجة سينخفض فيها، تظلان المسألة الأهم بالنسبة إلى الرئيس جو بايدن والديمقراطيين من أعضاء الكونغرس.
بايدن.. والآراء المضادّة
يقول بايدن إن معدل التضخم سينخفض بسبب مشروع قانون الإنفاق الاجتماعي المقبل الذي يتكلف 1.75 تريليون دولار، بالإضافة إلى خطة البنية الأساسية البالغة 550 مليار دولار، والتي سيوقّع عليها قريباً.
اقرأ أيضاً: التضخم الأمريكي يترسخ بأعلى ارتفاع للأسعار منذ 1990
يردد الجمهوريون فكرة معاكسة تماماً لموقف بايدن: فالسيولة التي تضخّها الحكومة، هي التي ترفع الأسعار. بل حتى إن بعض الديمقراطيين يردّدون المخاوف المالية ذاتها التي يتحدّث عنها أعضاء الحزب الجمهوري، ما يعقّد فرص تمرير الحزمة التشريعية المنتظرة.
في المساجلات الدائرة حول أسباب صعود الأسعار وكيفية مواجهته وبأي سرعة ستنخفض معدلات التضخم، أصبحت مسألة السيطرة على الكونغرس على المحك.
في الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم، سوف تكون الأغلبية المحدودة للديمقراطيين في كلا الغرفتين هدفاً للاستحواذ. وسوف تصبح فعلياً أول انتخابات وطنية موضوعها الرئيسي هو التضخم، منذ فوز ريغان على الرئيس جيمي كارتر.
يشرف ريتشارد كورتين على تقرير دراسة ثقة المستهلكين الذي يصدر عن "جامعة ميتشيغان"، وهو مؤشر هام يقيس اتجاهات القطاع العائلي. ويقول كورتين: "لم نسجل من قبل هذا العدد الكبير من الناس الذين يتحدثون عن ارتفاع أسعار المنازل أو أسعار الأجهزة المنزلية أو أجهزة التلفزيون. لدينا نسبة كبيرة من الناس يتحدثون عن تدنّي مستوى معيشتهم بسبب التضخم، وقد أصبح أشد عنفاً بسبب أن المستهلكين لا يرون سياسة اقتصادية فعالة تستطيع أن تكبح التضخم".
إقرأ المزيد: لماذا يغضب الأمريكيون إلى هذا الحد من ازدهار اقتصادهم؟
توقعات يلين
قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في مقابلة جرى بثها يوم الثلاثاء عبر برنامج "ماركت بلايس" في "الإذاعة الوطنية العامة"، إنها تتوقع أن يقترب معدل التضخم في السنة القادمة من "نسبة 2% التي نعتبرها طبيعية".
يوافق المحللون المستقلون في معظمهم على ذلك، إذ بلغ متوسط تقديرات الاقتصاديين الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم لمعدل التضخم 2.8% في الربع الثالث من العام القادم، عشية يوم الانتخابات، و2.4% متوقعة بالنسبة للأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022.
يتم تداول العقود الآجلة للبنزين على سعر للغالون يقل بنحو 18 سنتاً في شهر أكتوبر القادم مقارنة مع أسعاره الحالية، بما يشير إلى انخفاض قادم في الأسعار عند محطات الوقود.
غير أن عوامل كثيرة تعتمد على تطور الجائحة، وقد تتدهور الأمور قبل أن تتحسن، مع غياب أي ضمانة بأن تختفي اختناقات سلاسل التوريد اختفاءً كاملاً.
في الوقت ذاته، تزعج الأسعار التي ترتفع حالياً في المتاجر وفي محطات الوقود، الجمهور فعلاً وتربكه، وكثير من سكان البلاد يتوقعون صدمة من ارتفاع جديد في الأسعار عندما تبدأ المطالبة بفواتير التدفئة في الشتاء.
اقرأ أيضاً: في انتصار لـ"بايدن".. مجلس النواب الأمريكي يقر خطة تاريخية للبنية التحتية
حتى لو تراجع معدل التضخم العام، فربما تستمر بعض الأسعار في الارتفاع، إذ يتوقع الاقتصاديون لدى بنك "غولدمان ساكس" ارتفاع الإيجارات في السنة القادمة إلى أعلى مستوى لها في ثلاثين عاماً، إذ يقدر البنك في آخر توقعاته أن معدل التضخم سيسجل رقماً تاريخياً مرتفعاً يفوق 4% خلال الربع الثالث.
زيادة مرتقبة للإيجارات
قال بايدن الأربعاء، إنه وجّه كبار مساعديه الاقتصاديين إلى التركيز على خفض تكاليف الطاقة، وركّز على دور الاحتياطي الفيدرالي في مراقبة الأسعار. كذلك طلب من الجهات الرقابية والتنظيمية متابعة أي "مبالغة في الأسعار".
خلال توقفه في بالتيمور، ألقى الرئيس الضوء على مزايا مشروعه للبنية الأساسية في إطار "خطة تهدف إلى استكمال مهمة عودة البلاد إلى الأوضاع الطبيعية" بعد انتهاء جائحة كورونا.
غير أن معظم الاقتصاديين لا يرون تأثيراً على التضخم في الأجل القريب، نتيجة هذه السياسات المالية. فعلى سبيل المثال، قد تمرّ سنوات قبل أن تؤثر مشروعات البنية الأساسية على حركة النقل والمواصلات وعلى التكاليف الأخرى. علاوة على أن زيادة الدعم لشبكة الضمان الاجتماعي يمكن في الوقت ذاته أن تعزز الطلب القوي فعلاً في الفترة الراهنة.
يقول جيسون فورمان، وهو كبير المستشارين الاقتصاديين سابقاً في إدارة باراك أوباما، ويعمل حالياً أستاذاً في جامعة هارفارد، إن "الإنفاق مركّز قبل البداية".
وأضاف أن معدل التضخم قد يرتفع "بمقدار أعشار قليلة من النقطة المئوية الواحدة" خلال السنة القادمة. وفي المدى الطويل، سيكون أي تأثير على التضخم "ضئيلاً" للغاية، وقد يكون في أي من الاتجاهين.
مع انخفاض حجم التوظيف في الولايات المتحدة بمقدار 4 ملايين وظيفة حالياً مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، يقول فورمان إن التأثير الأكبر على التضخم على مدى العام القادم ربما يعتمد على سرعة عودة الناس إلى سوق العمل. وأضاف: "حركة التضخم في الوقت الحالي أشد غموضاً مما كانت عليه في أي وقت خلال عقود كثيرة ماضية. إننا في موقف غير مسبوق إلى حدٍّ أن أهمّ درس نتعلمه من السنة الماضية، هو التواضع ونحن نتوقع الأحداث".
اقرأ المزيد: معركة زيادة الإيرادات في الكونغرس تقلّص خطة بايدن الضريبية
السيناتور جو مانشين عن ولاية غرب فيرجينيا، العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ وواحد من أصحاب الأصوات المتأرجحة، يقول إنه يشعر بالقلق إزاء هذه الفكرة بدرجة تكفي لأن يوقف النظر في مشروع قانون الإنفاق الاجتماعي الذي يسعى البيت الأبيض وزعماء الكونغرس إلى تمريره.
قال مانشين في تغريدة على تويتر، إن معدل التضخم القياسي الذي يهدد الشعب الأمريكي ليس "انتقالياً" وفق جميع الحسابات، بل إنه يزداد سوءاً. وأضاف أن الأمريكيين يعرفون من متجر التجزئة ومحطة الوقود أن ضريبة التضخم حقيقية، وأنه لم يعد بمقدور العاصمة واشنطن أن تتجاهل المعاناة الاقتصادية التي يشعر بها الأمريكيون يومياً.
نظرة الجمهوريين
أمضى الجمهوريون شهوراً يركّزون خلالها نيرانهم بهدف تصوير مشروع القانون الذي تقدّم به الديمقراطيون لمواجهة الجائحة –والذي تم توقيعه في مارس بتكلفة 1.9 تريليون دولار– وكذلك خطة الإنفاق الاجتماعي المقبلة، بأنهما من المشاريع التضخمية.
حتى الآن، نجح الجمهوريون في تكبيل حركة بايدن وربطها على مواجهة ارتفاع الأسعار –وهو معيار متدنٍ، حيث إن الناخبين عادة يلومون من يقومون على السلطة إذا ارتفع التضخم.
حسب تقرير موقع "بوليتيكو" حول اقتراعات الرأي (Politico/Morning Consult Poll)، فقد قال 62% من الأمريكيين إن سياسة الرئيس هي المسؤولة عن التضخم.
يتسابق الديمقراطيون حالياً لأن يبرهنوا للناخبين بحلول نوفمبر القادم، بأنهم يحققون مكاسب بسبب نمو الاقتصاد وبسبب مبادرة بايدن بقيمة 1.75 تريليون دولار للبينة التحتية (إعادة الإعمار بصورة أفضل) وأن مكاسبهم منهما تتجاوز ما يخسرونه بسبب ارتفاع الأسعار.
قد يحتاج الناخبون إلى فترة حتى يشعروا بتأثير بعض هذه المبادرات التي لم تمرّ من الكونغرس حتى الآن.
إن بنوداً مثل زيادة الائتمان الضريبي للأطفال، تضع سيولة مباشرة في جيوب الناس، رغم أن ذلك يواصل رفع المداخيل التي تحصل عليها الأسر التي تعول أطفالاً منذ شهر يوليو الماضي. لكن بنوداً أخرى أعلى تكلفة تتسم بالتعقيد أكثر من ذلك.
رعاية الأطفال
سيندي لينهوف، مديرة الاتحاد الوطني لرعاية الأطفال، وهي جماعة مصالح تضم مراكز رعاية الأطفال الخاصة المرخصة، ركّزت على أهمية الدعم الذي يقدّمه هذا التشريع بتخفيض أعباء رعاية الطفل إلى نسبة 7% من دخل الأسرة التي يبلغ دخلها نحو 250% من متوسط الدخل في الولاية، أو نحو 251 ألف دولار بالنسبة إلى عائلة من أربعة أفراد تعيش في ولاية نيويورك.
غير أن الحكومة الفيدرالية عليها أولاً أن تضع القواعد، وعلى الولايات صياغة خططها ومشاريعها الخاصة بالنسبة إلى هذا البرنامج. وعلاوة على الأسباب البيروقراطية وراء تأخير التنفيذ، سوف تحتاج مراكز رعاية الأطفال أيضاً إلى زيادة عدد العاملين لديها.
قالت لينهوف: "أعتقد بأن الولايات مازالت مشغولة في عملية التخطيط، بصراحة تامة، لكيفية تنفيذ هذا البرنامج بحلول الخريف المقبل.. وإذا كنت سأطرح نفسي في الانتخابات، لن أعتمد على هذا البرنامج".