يُعد انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية وصعود ما يسمى بـ"الشركات المتميزة" (superstar) من أبرز سمات الاقتصاد الكلي خلال العقد الماضي، حيث يشير تحليل جديد إلى أن العاملين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ما يبرز التفاعل بين السياسة النقدية والتنظيم القطاعي للشركات.
في عام 2015، سلّطتُ أنا وجيسون فورمان الضوء على تطور جديد نسبياً، ألا وهو الزيادة الهائلة في تشتت عائدات رأس المال عبر الشركات، حيث يبدو أن قادة الأعمال يبتعدون عن غيرهم في القطاع ذاته.
اقرأ أيضاً: حاملو السندات قد يخسرون 2.6 تريليون دولار بمجرد ارتفاع متواضع في العائد
أبحاث ودراسات
منذ ذلك الحين، أجريت سلسلة من الأبحاث والدراسات على مثل هذه الشركات المتميزة، حيث دار نقاش حاد حول دور إنفاذ مكافحة الاحتكار في تسهيل صعودها، وما إذا كان صعودها واضحاً أكثر من كونه حقيقياً، وإلى أي مدى تضيف إلى عدم المساواة في الأجور بشكل عام. فضلاً عن ذلك، من المرجح أن يُظهِر التاريخ أن الجائحة عززت "تأثير ماثيو" للشركات الرائدة لتصبح أكثر هيمنة.
مع ذلك، فإن فورمان وأنا لم نُعِر اهتماماً كبيراً أو أي اهتمام على الإطلاق لدور أسعار الفائدة المنخفضة في كل هذا. إلا أن ورقة عمل جديدة مثيرة للاهتمام من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية بعنوان "انخفاض الفائدة وصعود الشركات المتميزة"، بقلم توماس كروين، وإرنست ليو، وعاطف ميان من جامعة برينستون، وأمير صوفي من جامعة شيكاغو، تفعل ذلك بالضبط.
اقرأ المزيد: تباطؤ مبيعات الائتمان الأمريكي الممتاز.. وتزايد الاقتراض
فقد درس كروين وزملاؤه البيانات من عام 1980 حتى عام 2019 على مجموعة واسعة من الشركات، وقيّموا آثار التغيير في أسعار الفائدة على أعلى 5% من الشركات في كل صناعة بالنسبة إلى الشركات الأخرى (إنها ورقة اقتصادية قياسية بحتة لا تُسمّي الشركات الفردية). والنتيجة الرئيسية هي أن "أسعار الفائدة المنخفضة، خصوصاً عندما تقترب من الصفر، تفيد بشكل غير متناسب الشركات المتميزة". وفي الواقع، فإن هذه النتائج تظل قائمة، بغض النظر عما إذا كانت الشركات مرتبة حسب القيمة السوقية أو الأرباح أو الإيرادات.
كرة الثلج
بشكل أكثر تحديداً، ترتفع القيمة السوقية للشركات المتميزة، مقارنةً بالشركات الأخرى، عندما تنخفض أسعار الفائدة. هذا ويقوم المؤلفون بشكل منفصل بتقييم أثر الزيادة والنقصان في أسعار الفائدة، ويتوصلون إلى نتائج متماثلة إلى حد كبير: الانخفاض في أسعار الفائدة يفيد الشركات الرائدة، والزيادة تقلل من قيمها السوقية النسبية. علاوةً على ذلك، فإن التأثير هو تأثير "كرة الثلج"، بمعنى أن انخفاضاً معيناً في أسعار الفائدة يكون له تأثير أكبر على الشركات المتميزة عندما يبدأ سعر الفائدة من نقطة أقل -لذا فإن الانخفاض من 2% إلى 1.5% يكون له تأثير أكبر من الانخفاض من 5% إلى 4.5%.
ما الذي يسبب هذا التباين في استجابة السوق؟ يبدو أن عوامل عدة تسهم في ذلك. أولاً، عندما تنخفض أسعار الفائدة، تواجه الشركات المتميزة انخفاضاً أكبر في تكاليف الاقتراض. إذا كان سعر الفائدة قصير الأجل 2% ثم انخفض بمقدار 10 نقاط أساس (إلى 1.9%)، فإن تكلفة الاقتراض لقادة الأعمال تنخفض بمقدار 15 نقطة أساس مقارنة بالشركات الأخرى. وعندما يقترب المعدل الأولي من الصفر، ينتج عن انخفاض بمقدار 10 نقاط أساس تغيير نسبي أكبر: تنخفض تكاليف الاقتراض بعد ذلك بمقدار 24 نقطة أساس للشركات المتميزة، أكثر مما تنخفض بالنسبة إلى الشركات الأخرى.
ثانياً، تستجيب الشركات المتميزة للانخفاض النسبي في تكاليف الاقتراض بإصدار المزيد من الديون، ومرة أخرى يكون التأثير أكبر إذا كان سعر الفائدة الأولي منخفضاً بالفعل. وعندما تبدأ الأسعار بالاقتراب من الصفر، يرتبط انخفاض 10 نقاط أساس في الأسعار قصيرة الأجل بزيادة قدرها 5% في ديون الشركات المتميزة مقارنة بالشركات الأخرى في القطاع ذاته.
اقرأ أيضاً: عائد السندات الأمريكية لأجل 5 سنوات يتجاوز 1.2% وسط توقعات برفع الفائدة مرتين في 2022
أخيراً، تستخدم الشركات الرائدة الدين الإضافي، ليس فقط لإعادة شراء المزيد من الأسهم أكثر من غيرها، وإنما أيضاً لتوسيع الاستثمار والاندماج. وعندما تبدأ أسعار الفائدة بالقرب من الصفر، يرتبط الانخفاض بمقدار 10 نقاط أساس بزيادة قدرها 0.4 نقطة مئوية في النفقات الرأسمالية، وزيادة نقطة مئوية واحدة في عمليات الاستحواذ النقدية مقارنة بإجمالي الأصول للشركات الرائدة، وذلك مقارنة بالشركات الأخرى في القطاع ذاته.
الخلاصة
كما استنتج المؤلفون: يؤدي انخفاض معدل الفائدة بشكل غير متناسب إلى خفض تكلفة اقتراض قادة الأعمال، الذين يستفيدون من انخفاض تكلفة الاقتراض لزيادة تمويل الديون الإضافية، وزيادة الرافعة المالية، وإعادة شراء الأسهم، وتعزيز الاستثمار الرأسمالي، وإجراء عمليات الاستحواذ.. هذا وتوفر النتائج دعماً تجريبياً لفكرة أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية قد تكون السبب في تفسير صعود الشركات المتميزة في الاقتصاد الأمريكي.
في حال تم دعم النتائج الجديدة من قبل باحثين آخرين، فسيكون لها ثلاث تداعيات مهمة. أولاً، تربط سياسة الاحتياطي الفيدرالي بشكل مباشر بالهيكل التنافسي للصناعات، ما يشير إلى وجود علاقة أوثق بين السياسة النقدية وظاهرة الشركات المتميزة، أكثر مما كان معروفاً سابقاً.
ثانياً، تثار أسئلة حول ما إذا كانت هناك تأثيرات مماثلة في بلدان أخرى، حيث كان الانخفاض في أسعار الفائدة، بعد كل شيء، عالمياً. كما أن موضوع مشاهدة تأثيرات مماثلة في مكان آخر، من شأنه أن يُسهم بشكل مهم في النقاش المستمر حول دور العوامل المختلفة، بما في ذلك إنفاذ مكافحة الاحتكار، في صعود الشركات المتميزة.
أخيراً، كما أكدت أنا، وروبرت روبن، وجوزيف ستيغليتز في وقت سابق من هذا العام، فإنه على الرغم من الجهود المثلى التي بذلها صانعو السياسات والبنوك المركزية، فإن أسعار الفائدة غير مؤكدة بشكل أساسي. كما يبدو أن الأسعار المنخفضة تُسهم في النمو غير المتناسب للشركات المتميزة -للأفضل أو للأسوأ - ولكن لا هُم يعرفون، ولا بقيتنا تعرف، إلى متى سيستمر عصر أسعار الفائدة المنخفضة.